رسالة مروان البرغوثي وأزمة فتح الداخلية

رسالة مروان البرغوثي وأزمة فتح الداخلية

31 مايو 2022

صورة مروان البرغوثي على جدار الفصل العنصري في العيزرية في ضواحي القدس(8/11/2021/فرانس برس)

+ الخط -

وجّه الأسير الفلسطيني، مروان البرغوثي، مساء الأربعاء 25/5/2022، رسالة من داخل المعتقلات الصهيونية، بدأت بمرور سريع على أغلب التطورات الحاصلة على الساحة الفلسطينية، ثم تناولت، بشيء من التفصيل، أزمة حركة فتح الداخلية، التي توحي الرسالة بقلق الأسير من تبعاتها المستقبلية على مكانة "فتح" ودورها، وربما على تماسكها. إذ يعتبر البرغوثي من أبرز القادة الفتحاويين داخل السجون الصهيونية، وهو عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وكان هناك حديث عن إمكانية ترشحه لرئاسة السلطة في الانتخابات التي كان مزمعا إجراؤها العام المنصرم، قبل إصدار رئيس حركة فتح والسلطة والمنظمة قرارا بإلغائها. ويحظى البرغوثي بثقة وتأييد جزء مهم من شعب فلسطين داخل فلسطين وخارجها، استنادا لدوره القيادي في الانتفاضة الثانية، وانطلاقا من مواقفه المتقدّمة على مواقف السلطة ورئيسها من مجمل القضايا الوطنية، وفي مقدمتها الانقسام السياسي والعلاقة مع حركتي حماس والجهاد، والموقف من التنسيق الأمني والمقاومة الشعبية والمسلحة وغيرها من قضايا.
كما لم تخل رسالة مروان من الدعوات المعتادة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، استنادا إلى وثيقة الأسرى، وضم حركتي حماس والجهاد إلى منظمة التحرير، وتوحيد مؤسسات السلطة وإجراء الانتخابات والبدء بحوار وطني شامل. وهي دعوات مكرّرة منذ مدة طويلة، كما لم تتناولها رسالة البرغوثي أخيرا بكثير من التفصيل والتوضيح، مفضلا إيلاء الحصة الأكبر من الرسالة للحديث عن أزمة "فتح" المتفاقمة والظاهرة للعيان، من خلال توالي إقصاء أعضائها المختلفين مع قيادة السلطة وفصلهم، وسيطرة التعيينات والمحسوبيات على مراكز الحركة القيادية، وافتقاد دور الحركة في قيادة مسار التحرّر، وكأنه يلمّح إلى تماهي قيادة الحركة والقسم المرتبط بها مع دور السلطة الأمني، الذي دعا البرغوثي إلى إعادة النظر فيه، كما رفض التدخل بعمل السلطة القضائية من أي طرفٍ كان. ودعا إلى حوار فتحاوي داخلي معمّق ومسؤول، ومراجعة السياسات وتعزيز روح الأخوّة والمسؤولية، وتعزيز وحدة الحركة والحفاظ على عنفوانها.

يمكن إجمال المخاطر المحدقة بمستقبل حركة فتح، في تمكن "حماس" أو سواها من إزاحة حركة فتح عن قيادة مسار التحرّر الفلسطيني أولا

فكما يبدو من رسالة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، تعاني "فتح" من أزمات سياسية وبنيوية وتنظيمية عميقة وخطيرة، تهدّد مكانة الحركة وممارستها لدورها المفترض، وهو ما يعبر عن مخاوف البرغوثي التي لم تتضمنها رسالته. حيث يمكن إجمال المخاطر المحدقة بمستقبل الحركة من وجهة نظر كاتب المقالة، في تمكن "حماس" أو سواها من إزاحة حركة فتح عن قيادة مسار التحرّر الفلسطيني أولا، نتيجة تقاعس "فتح" عن ذلك، فمشاركة أبناء الحركة في نضالات شعب فلسطين الميدانية بشكل فردي أو بقرار تنظيمي مناطقي من دون دعمه حركيا على مستوى كامل الحركة وهياكلها القيادية والتنظيمية العليا، هو تراجع واضح وصريح في دور الحركة القيادي جماهيريا ونضاليا، وهو ما يترافق مع تصاعد خط النضال الشعبي، ونسبيا الفصائلي، ولا سيما الحمساوي، الأمر الذي يضع "حماس" تحديدا مرجعا نضاليا واضحا لجزء كبير من شعب فلسطين، ويوحي بإمكانية تحوّلها إلى مرجع نضالي للغالبية العظمى منه.
أما ثاني المخاطر فيتعلق بوحدة الحركة وتماسكها، حيث يبدو مستقبل الحركة غامضا وضبابيا ويوحي بإمكانية تزايد الانشقاقات وقرارات الفصل الفردية والجماعية التي قد تطاول كوادر فتحاوية نشطة ميدانيا، بعد أن طاولت أسماء قيادية كانت تحظى بمكانة تنظيمية معنوية كبيرة، إذ يرجّح أن يحمل الانشقاق أو الفصل الجماعي بهذا الشكل ضربة قاتلة لمستقبل الحركة، وربما حتى مستقبل القوى والفئات المنشقة أو المفصولة. طبعا، نعلم تاريخ حركة فتح مع الانشقاقات، وتعرّضها لكثير منها، بدعم بعض الأنظمة الإقليمية، لكن أيا من تلك الانشقاقات لم ينجح في تفكيك الحركة، وانتزاع دورها القيادي نتيجة عوامل كثيرة، أهمها فشل الانشقاقات في السيطرة على مصادر تمويل الحركة، وفشلها في السيطرة على كوادر الحركة الفاعلين ميدانيا، وثالثها فشل المنشقين في قيادة مسار النضال الفلسطيني، سياسيا وميدانيا. وهو ما لن تتمكّن قيادة "فتح" الحالية من الحفاظ عليه، فهي فقدت، بشكل كبير، سيطرتها على كوادر الحركة، ومجمل مسار النضال الفلسطيني قبل حدوث هذا الانشقاق، الأمر الذي يقود إلى ضعفها وترهلها القاتل لأي تنظيم.

"فتح" اليوم قسمان واضحان من دون أن ينفصلا، قسم متمسّك بتاريخ الحركة ودورها النضالي التحرّري، وقسم تماهى مع دور السلطة الوظيفي والأمني

وأخيرا، لا يمكن استبعاد خطر تصاعد الخلافات داخل الحركة، وتحولها إلى صراع دموي داخلي مفتوح على تدخلات صهيونية، فالحركة اليوم قسمان واضحان من دون أن ينفصلا، قسم متمسّك بتاريخ الحركة ودورها النضالي التحرّري، وقسم تماهى مع دور السلطة الوظيفي والأمني، الأمر الذي يجعلهما نقيضين جذريين، لا يمكن استبعاد صدامهما مستقبلا إن حاول أي قسم منهما السيطرة على الآخر، أو في حال غياب أي أمل بتوحيد الحركة وحل خلافاتها. وفي حال غياب أي أمل بتغيير نهج الحركة، لا سيما في الوسط المتمسك بتاريخ الحركة ودورها. وبالتالي، احتمال الصدام وارد، بل قد شهدنا نماذج عليه في مراحل تاريخية سابقة، بيد أننا أمام حالةٍ خاصةٍ مفتوحة على تدخل صهيوني مباشر فيه، نظرا إلى طبيعة تمركز الحركة الجغرافي اليوم، وتحوّل الضفة إلى موقع ثقلها الأكبر، ونظرا إلى دور السلطة الأمني الذي يخدم مصالح الاحتلال الصهيوني، ويدفعه للحفاظ عليها وعلى دورها.
ربما يخشى مروان البرغوثي من المخاطر ذاتها أو من غيرها، لكن الواضح من رسالته تخوفه على مستقبل الحركة، في حال عدم حل مشكلاتها الداخلية، وهو للأسف الاحتمال الأكبر أي احتمال إصرار القيادة الحالية على تجاهل هذه المشكلات، كما يبدو من جملة القرارات المتخذة من قيادة فتح الحالية، ومنها على سبيل الذكر لا الحصر، قرار محمود عباس، أخيرا، تعيين حسين الشيخ أمين سر لجنة منظمة التحرير، من دون أي استشارة فتحاوية أو فصائلية، ومن دون اجتماع اللجنة التنفيذية وتصويتها. كذلك يوحي تسريب القرار قبل نشره في الصحيفة الصهيونية، يديعوت أحرنوت، بحجم تقارب قيادة السلطة مع الصحف الصهيونية عموما، وابتعادها الكبير عن الشارع والصحف والإعلام الفلسطيني، وهو أمر يصعب استمراره إلى مدى زمني طويل.

75812723-2689-4553-B56D-72CE271905DB
حيّان جابر
كاتب فلسطيني، مشارك في إعداد ملحق فلسطين.