رسالة الخليج إلى لبنان .. فرصة للحوار

رسالة الخليج إلى لبنان .. فرصة للحوار

26 يناير 2022

وزير خارجية الكويت أحمد ناصر الصباح في بيروت (22/1/2022/الأناضول)

+ الخط -

شكلت زيارة وزير خارجية الكويت بيروت، أحمد ناصر الصباح، الأحد (23/1/2022)، خرقاً لنوع من المقاطعة الخليجية غير المعلنة للبنان. فلم يزر بيروت منذ شهور أيّ مسؤول خليجي. ربما كانت الزيارة الأخيرة لمسؤول خليجي إلى لبنان زيارة وزير خارجية قطر، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في يوليو/ تموز الماضي.

حمل الوزير الكويتي الذي حافظت بلاده على علاقة مقبولة مع لبنان إلى المسؤولين اللبنانيين رسالة تختصر وجهة نظر خليجية تجاه لبنان، وتتضمّن بضعة عناوين مطلوب أن تلتزم بها الحكومة اللبنانية قبل إعادة تطبيع العلاقة بين بيروت وكل من الرياض وأبوظبي والكويت والمنامة، سيّما الرياض بشكل أساسي. أمّا أبرز هذه العناوين أو النقاط التي تحدّث عنها الوزير الكويتي صراحة "رغبة بتطبيق سياسة النأي بالنفس، وألّا يكون لبنان منصّة لأيّ عدوان لفظي أو فعلي، وأن يكون لبنان مستقرّاً، آمنًا وقويّاً، فقوّته هي قوّة للعرب جميعاً". أمّا ما تناولته الصحف عن مضمون هذه الرسالة، فجاء فيها المطالبة بالتزام المسار الإصلاحي، واحترام مؤسسات الدولة، وتنفيذ القرارات العربية والدولية، وضبط الحدود ومنع التهريب، واحترام سيادة الدول العربية، وعدم اتخاذ لبنان منصّة لإطلاق المواقف المعادية للدول العربية، إلى أمور أخرى.

هذه العناوين كبيرة ومهمّة ومحور الخلاف الأساسي بين الممسك بتلابيب القرار اللبناني في بيروت وبقية العواصم الخليجية وحتى العربية. وبالتالي، فإنّ لبنان الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادّة، ومن انسداد في الأفق السياسي، ومن مشكلات عديدة يبحث عن حلول جدّية للخروج من الأزمة، أقلّه بعض المسؤولين في مواقع القرار يبحثون عن تلك الحلول في تفاهماتٍ يمكن أن تُعقد مع صندوق النقد الدولي، أو مع غيره من الدول التي يمكن أن تساعد على الخروج من الأزمة. وبالطبع، فإنّ الدول الخليجية تتقدّم اهتمامات أولئك المسؤولين الباحثين عن تلك الحلول، غير أنّ هذا شيء والقرار في تلبية العناوين الواردة في الرسالة الخليجية والالتزام بها، إن صحّت كلّها، شيء آخر. ومما ورد في هذه العناوين ما يعتبره بعضهم في بيروت مسّاً بالمحرّمات، وتحديداً عن تنفيذ القرارات الدولية، ومنها قرار مجلس الأمن 1559 عن نزع سلاح حزب الله. وهذا في ظلّ التوازنات القائمة، وفي ظلّ المعطيات التي تحكم الإقليم، ليس من السهل أن يلتزم به أي طرف أو فريق داخلي.

رغبة خليجية حقيقية بتطبيع العلاقة مع بيروت، وفتح باب للنقاش والحوار ربما حول كلّ شيء

ولا يعني ذلك أنّ الفشل هو ما سيكون مصير الرسالة وما تضمّنته، وإنما أولاً رغبة خليجية حقيقية بتطبيع العلاقة مع بيروت، وفتح باب للنقاش والحوار ربما حول كلّ شيء، وهذا بحدّ ذاته يُعدّ أمراً إيجابياً يمكن البناء عليه، غير أنّ أيّ نقاش أو حوار بشأنه لن يكون سهلاً وطريقه مفروشة بالورود.

قد يكون من مصلحة كلّ الأطراف إيجاد الحلول لهذه الأزمات والمشكلات، فهي تستنزف الجميع، غير أنّ الأهم يكمن في كيفية مقاربة الأطراف المعنية في لبنان لهذه الفرصة، بهدف التقاط الأنفاس وإيجاد الحلول للأزمات التي أرهقت كاهل المواطنين، وباتت تهدّد كيان الدولة والمجتمع. الأكيد في لبنان أنّ قسماً من الفريق الممسك بجزء من القرار اللبناني كان يتمنّى أن تكون المبادرة بيده، حتى يؤكّد التزامه مضمون الرسالة الكويتية. لكنّ حال أولئك يقول: كنّا نتمنّى الالتزام لكنّ المعادلات الداخلية لا تسمح بذلك. في حين أنّ المُنْتَظر كيف سيتعامل الفريق اللبناني الداخلي المعني بهذه الفرصة، هل سيرى فيها مناسبةً لتطبيع العلاقة بين بيروت وأخواتها من عواصم العرب؟ أم سيرى فيها ضعفاً يدفعه إلى مزيدٍ من التصلّب والعناد وحينها سيظلّ متمسّكاً بمواقفه التي جنت ما جنته وعلى قاعدة الظفر لمن صبر أكثر؟! وبالتالي، يتجاهل الفرصة، ومعها تتحوّل الأمور إلى مزيد من التعقيدات والأزمات التي تستحكم بلبنان؟