رسالة إلى ويتكوف: بأي "شرطي" تبشّرون؟

29 يوليو 2025   |  آخر تحديث: 03:00 (توقيت القدس)
+ الخط -

عزيزي السيد ستيف ويتكوف:
استمعنا، قبل أيام، نحن شعوب المنطقة العربية، إلى تصريحاتك اللافتة التي قلتَ فيها إن الرئيس دونالد ترامب هو "شرطي العالم". قلتَ أيضاً إن التوتر في سورية "في طريقه إلى التسوية"، وإن "المفاوضات مع حركة حماس تعود إلى مسارها"، و"اتفاقيات أبراهام ستتوسع"، وتطمحون إلى "سلام دائم في غزّة والشرق الأوسط"، قبل نهاية ولاية ترامب الثانية... جُملك، وأنت مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، تصوغ لهذا الشرق مشهداً وردياً، لكنّي (وغيري) نراه يُخفي خلفه حقائق دامغة عن الفشل والتواطؤ والانحياز الصارخ.
أيّ شرطي تقصدون؟ إن كنتم تقصدون "شرطياً" بمفهوم القيادة العالمية، فإن واقع الأمور يُظهر أن ترامب منذ بدء ولايته كان خصماً عتيّاً لهذا العالم، وظّف القوة الاقتصادية عصاً غليظةً في وجه العالم أجمع، وابتزّ دولاً باسم الحماية، وتصرّف زعيم شركة أمنية خاصّة، لا دولةً يفترض بها قيادة العالم الحرّ. قال إنه يريد إنهاء الحروب، فتورّط فيها. بمشاركته إسرائيل حربها على إيران، حوّل إيران من خصم مزمن إلى ذريعة جاهزة لتبرير التدخّلات. المفاوضات معها، التي "ستعود إلى مسارها" كما تقول، ليست سوى واجهة لواقع أكثر قتامةً، بعد تقويض ترامب أمن المنطقة، وتعطيله أيَّ مسعىً لتسوية شاملة.
تحدّثت، سيّد ويتكوف، عن "سلام دائم في غزّة"، في وقتٍ يموت فيه الأطفال جوعاً وقصفاً، بلا ماء أو دواء، وتحوّلت المساعدات الأميركية مصائد موت. ولا يرى ترامب في جوع الغزّيين سوى "سوء تغذية". هل هذا هو المسار الذي "عاد إلى مكانه" كما تقولون؟ أيّ مسار مفاوضات يُمكن أن يستقيم تكون فيه "حماس" حجّة لاستمرار إبادة الجميع، فتُمنع قوافل الإغاثة، وتُستخدم المجاعة سلاحاً سياسياً؟ قدّمت الإدارة الأميركية الدعم السياسي والعسكري للمقتلة، وعطّلت محاسبة مرتكبيها بالقانون الدولي. أيّ سلام يُبنى على أنقاض مدن محاصرة بالموت؟
عزيزي السيد ويتكوف:
في سورية تقول إن "التسوية في الطريق"، من دون أن تشرح لنا ماذا تعني "التسوية" في ظلّ الفوضى، وانعدام السيادة، وخطر حرب أهلية. لا يصمد قولك أمام الواقع. المقاربة الأميركية السطحية، التي ربطت استقرار سورية بالاستثمارات الاقتصادية، تجاهلت الحاجة إلى حوار وطني جامع وحلّ سياسي شامل، واستبدلت بهما ترتيبات محلّيةً هشّة. لم يكن الملفّ السوري أولويةً حقيقيةً، بل ورقةً في بازار التفاهمات الإقليمية. لا إعادة إعمار، لا تسوية سياسية، لا عودة للاجئين. فقط، خطوط تماس ونفوذ، ومجازر وانتهاكات متكرّرة. هل هذه هي "التسوية" التي تبشّر بها؟
قاربت السلام بين سورية وإسرائيل بناءً على منطق التسوية الجزئية، من دون إعادة الأرض أو الاعتراف بالحقوق التاريخية، أو سحب اعتراف ترامب (في ولايته الأولى) بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل. لا يريد ترامب (الثاني) ولا نتنياهو سلاماً، بل صفقةً بلا كرامة، تقُدّم إنقاذاً اقتصادياً، وتتجاهل الاحتلال وتُشرعنه. هو المنطق نفسه في ملفّ التطبيع العربي الإسرائيلي، إذ تفاخرت بأن اتفاقيات أبراهام "ستتوسع"، لكن ما تُخفيه تلك العبارة أنك استبدلت بالسلام الحقيقي والدائم التطبيعَ المجرّد؛ صفقات تُبرم مع حكومات، لا مع شعوب، تتجاهل الاحتلال والاستيطان وإعادة الحقوق لأصحابها، وتعتبر القضية الفلسطينية عقبةً لا قضيةً مركزيةً: قضية حقّ وعدل.
عزيزي السيد ويتكوف:
حين يصف محامٍ مثلك ترامب بـ"شرطي العالم"، نُدرك أن العالم يشهد تحوّلاً خطيراً في المفاهيم. هل يُمكن لشرطي أن يكون متورّطاً في الحروب، صامتاً عن المجازر، متغطرساً على الحلفاء، ومعادياً للقانون؟ هل من الممكن أن تُبنى قيادة عالمية على أساس الغطرسة والمصلحة، لا الشراكة والمسؤولية؟... لا نحتاج إلى شرطي يتقن إطلاق النار، بل إلى قاضٍ يحترم القانون، و"السلام طويل الأمد" في الشرق الأوسط، لا يبدأ من توسيع دائرة المطبّعين، ولا من الضغوط العسكرية والصفقات الاقتصادية، بل من وضع حدّ للتطهير العرقي الذي تمارسه إسرائيل، والاعتراف بأن السلام لا يتحقّق من دون عدالة تنهي الاحتلال وتعيد الحقوق لأصحابها، فلسطينيين وسوريين ولبنانيين. أمّا دون ذلك، يا عزيزي ويتكوف، فإن "شرطي العالم" سيبقى مجرّد شعار فوق جثّة القانون الدولي، ولن يكون "الاستقرار" إلا لحظة هدنة في حرب دائمة.