رسالة إلى حركة طالبان

رسالة إلى حركة طالبان

29 يونيو 2021

جمام يطير في المسجد الأزرق في مزار شريف في أفغانستان (17/9/2010/Getty)

+ الخط -

كانا أعزَّ صديقين رافقتهما في رحلة المتابعة لقضية الشعب الأفغاني، ومآسي الحروب المتعدّدة عليه، حروب الأمم الغازية والحروب الوظيفية للأشقاء المنافقين عرباً وعجماً. وكانا من أكثر الناس وضوحاً وإخلاصاً: الشيخ نجي الله عطاء الله، وزير خارجية أول حكومة أفغانية مؤقتة للمجاهدين، عضو المكتب التنفيذي القيادي للحزب الإسلامي بزعامة غلب الدين حكمتيار، الذي اختلف معه مبكراً بعد المآسي التي جرّها استفراد المهندس حكمتيار برأيه، وعدم تقدير المصلحة القومية الكليّة للشعب الأفغاني، الذي كان لديه فرصة للخروج من الحرب المهلكة، وبناء أرضية لدولة مسلمة معاصرة، انتصار المقاومة فيها يفتح الباب لانتصار قُطرٍ مسلم مقاومٍ شرس، يُحوّل نصره إلى الصراع السياسي المهم، لأجل نهضة أوطان الشرق المستقلة عن مركز العدوان الغربي بإرادته السياسية.
فشلت محاولات جمع المجاهدين الأفغان، وتبين أن اللعبة الأممية ودور العرب فيها كان أكبر من كل ظن، فضلاً عن مخططات الشقيق الباكستاني والخصمين، الإيراني والهندي، وتداخل مشروعهم مع المركز الدولي بين الغرب وموسكو المُذلّة المهزومة التي لم تنسحب، بل ظلت ترقب المشهد بعيني الضبع اللئيم، وقد خدمها المسلمون عرباً وعجماً، في إنهاك اللحمة الوطنية الأفغانية. ذلك الإنهاك الذي استخدم نسخاً عديدة من المجموعات العربية، خصوصاً بعد إعادة صناعتها وهابياً، لأسباب لوجستية تخص حاجة المركز الغربي لتهشيم أرضية الوعي، ورفع البروباغندا المدمرة ثقافياً وسياسياً واستراتيجياً لكل أرض ووطن محتل يسعى إلى الخروج من كارثة حروب الآخرين على الأرض.

فور انتهاء مهمة مدافعة الدب الأحمر المتوحش، بدأت واشنطن، وحلفاؤها العرب والباكستانيون، بتحويل أرض الأفغان إلى مزارع صراع وتقاطعات

فَقَدَ الصديق الشيخ نجي الله في حينه الأمل، على الرغم من أنهُ كان من ذوي الوعي السياسي الاستشرافي النادر، وانقطعت عني أخباره بعد أن التقيته في زيارتي باكستان عام 1991. ومنذ ذلك الحين، كنتُ أشعر بحجم خطورة توظيف الشباب العربي ومهجهم المخلصة الساذجة، وصناعة دول لهم داخل الجهاد الأفغاني، وكيف استُخدم ذلك الملف في فتح بوابات التوظيف للمخابرات الخليجية، التي كانت تصنع ذلك في سبيل المشروع الأميركي الموسمي. وفور انتهاء مهمة مدافعة الدب الأحمر المتوحش، بدأت واشنطن، وحلفاؤها العرب والباكستانيون، بتحويل أرض الأفغان إلى مزارع صراع وتقاطعات. ربما كانت هناك نيات حسنة لدى بعض قادة الجيش الباكستاني وساسته، لكن النيات الحسنة لم تكن يوماً لتبرّر عند الله والناس كوارث كبرى، قَدّمت خدمة تاريخية لمآلات الصراع والغزو الأميركي الذي ساهم فيه تشجيع "القاعدة"، بعد تحوّل الشيخ أسامة بن لادن، وانحراف تفكيره إلى المدارات الأخيرة للعبة المجنونة لجماعة الجهاد المصرية، وغيرها من توجهاتٍ تقوم نظرتها على أن إنقاذ حاضر العالم الإسلامي سيتحقق بتفجير أرضه حرباً وصراعاً. وجزء مما نعيش كوارثه اليوم ثمرة ذلك التفكير التفجيري. وعلى الرغم من أن الشيخ أسامة بن لادن، في شقه الذي يضع المسلمين أمة معتدى عليها مركزياً، وهذا دقيق، تحول في خططه لخدمة هذا المركز الاستعماري وحروبه، من دون قصد. ولذلك سعى الأميركيون، والرئيس الأميركي الديمقراطي أوباما، إلى إخفاء رسائل قائد الجهاد العالمي في تأييده كفاح النهضة العربية. خان هذا الرئيس مبادئ الأميركيين الأفارقة في التضامن مع عالم الجنوب، لكون مأساتهم واحدة، وشجّع فتح الجحيم للدب الروسي على سورية، واعترف بذلك في مذكّراته، سعى، في حينها، إلى إخفاء رسائل بن لادن التي تجاوب عبرها مع رياح الديمقراطية العربي!

كانت رحلة حياة جمال الدين الأفغاني منصوبة عليها كيف يتحرّر الشرق وبلدانه من عدوان الغرب وبغيه، بحربٍ دقيقةٍ مكملة، هي حرب النهضة

كيف يكون ذلك، وقد ظل الجهاديون يُكفّرون الديمقراطية، واستُخدم هذا الأمر ليس فقط في كل مواليد القاعدة بعد ذلك، بل باسم الثورة السلفية التي أسقطت الجيش الحر، وعزلت إرادة وطن مسلم عن التحول إلى قوة مقاومة اجتماعية، يقودها الراشدون من أهل البلاد، ليحلّ السلام، ويتحوّل الوطن المسلم، عربياً أو أعجمياً، إلى معركةٍ مهمة، وهي الفاصلة؟ الجواب في دور الاستبداد في صناعة التطرّف، وكيف تتغير الأنفس تحت رياح الحرية.
كانت رحلة حياة جمال الدين الأفغاني، مصلح الشرق الكبير، منصوبة عليها كيف يتحرّر الشرق وبلدانه من عدوان الغرب وبغيه، بحربٍ دقيقةٍ مكملة، هي حرب النهضة. ومع ذلك، لم يكن الأفغاني ناعماً ولا متراخياً مع الغرب، بل ربما لو قُرئت سيرته، لوجده بعضهم متطرّفاً في هذا الزمان، وكيف كان يَعبر بين علاقاته مع المركز الغربي، الأنجلوسكسون، والفرنكفوني، بذكاءٍ خارقٍ يسعى إلى ربط مقاومات الشرق ببعضها. وفي الوقت ذاته، يُحفزّهم لمعركة النهضة وقوة إنسان الدولة بمفاهيم الإسلام الفكرية الحضارية، بما فيها استيعاب أقليات الشرق، وعدم ترك صراعات القوميات والطوائف مدخلاً للتغوّل الأوروبي.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فكيف تعود فكرة إبقاء الصراعات والحروب وتفتيت أقاليم المسلمين، عبر الفكرة ذاتها التي تنبه لها وقاومها جمال الدين الأفغاني، وكانت دوماً محل قلق مركزي تراه حاضراً في سيرته رحمه الله، وفي قرارات نفيه وتعقب المخابرات الغربية الدقيق له، ومطاردته، فضلاً عن أطماع حكام الأقاليم المسلمة توظيفه، ورفضه الحاسم لهم. وكم جَهِدَ الأفغاني، بكل إخلاص، لأن تتبنّى الأستانة هذا المشروع، وتطيل عمر الدولة العثمانية بالإصلاح الحقوقي وإدارة الصراع الاستراتيجي مع الغرب، قبل أن يُحبطه السلطان عبد الحميد، حين دعاه الأفغاني إلى تقوية الروابط عبر الحكم الذاتي والإصلاح، لا دعم خطط الإنكليز ضد الثوار والمقاومين لمجرّد هدف إبقاء سلطة الأستانة الاسمية، وهو الرد الأخير الذي علم بعده الأفغاني اغتيال مشروعه، وتوفي شهيد فكرته، حين قال له السلطان: "وماذا أبقيت لتخت آل عثمان؟"، أي الولاء الوطني للأسرة العثمانية، فقد كان جهاده يؤسس لولاء الشعوب لوطنهم الشرقي المسلم، ووحدته أمام الغرب، وإعداد أسلحة النهضة لحسم المعترك الأخير، والذي كان أكثر خطورة، فالانتصار فيه يعني حالة تغلّب رسالي إسلامي، سياسي واستراتيجي وحضاري، أمام عدوان الغرب الصليبي والحداثي معاً.

الحرب، في نص القرآن القطعي، مطابقةٌ للفتنة المحرّمة، ونحن أمم نقاوم لأجل حريتنا، وحرّية تحرير رسالة إسلامنا فينا

أما رحلتي الأخرى، فكانت مع الشهيد الشيخ محمد ياسر، رحمه الله. اعتقله الأميركيون بعد غزوهم الأخير، واستشهد تحت تعذيبهم في السجن، بحسب أدق الروايات عن مصيره في السجن. وقد كان أحد أبرز قيادات حزب الشيخ عبد الرسول سياف، لكنه رفض كلياً أن يكون جزءاً من عملية التطبيع للغزو الذي نُفّذ على أفغانستان، باسم إبادة الشعوب المتخلفة. كان له تصوره المختلف قبل تحوله إلى حركة طالبان، بعد رفضه موقف الشيخ سياف، وبقية الأحزاب الجهادية المتورّطة في تطبيع الغزو الأميركي، الذي دُعم بقوات متعدّدة، ومنها دول خليجية كانت تروّج المجاهدين، من خلال المهمة الأميركية الأولى لوقف الروس، وضمان عدم تقدّم الحركة الشيوعية إلى ساحل الخليج العربي، ثم تحويل الماركسية إلى مشروع انتداب ينافس الأميركيين، ويحتل الإنسان وقوته، كما جرى لدول أخرى قبل سقوط الاتحاد السوفييتي، لكن مهمة دول الخليج الجديدة باتت شيطنة "طالبان"، باعتبار أن "مشروع المقاومة الدولي" ينطلق من أرضها.
كانت هذه الفكرة بالضبط خديعةً كبرى، ضَخّمت فيها الأموال الخليجية تلك الجماعة، وتلاعبت بعقلها الأيديولوجي، ورفعت لديها، عبر الفكرة الوهابية وعبر الجماعة المؤمنة الدعوية، المكفرة أو المضلّلة لغيرها من المسلمين، مساحة المفاصلة بينها وبين الأمة، وبينها وبين مصالح حاضر العالم الإسلامي وأمنه، فأضحت أقاليم المسلمين ساحة الحرب للقاعدة، وما تفرّع منها، خصوصاً بعد أن خلقت عقائدَ جديدة تستنسخ مفاهيم الحشاشين الجدد، وتوسّع دائرة الذبح والتكفير، وتضلّل العالم بصورة خطاباتها، فضلاً عن شباب المسلمين، بأن مهمة الإسلام اليوم قتل أكبر عدد من غير المسلمين، وتكفير أكبر عدد من المسلمين، بحجّة خروجهم عن الجماعة المؤمنة، أو امتناعهم عن تطبيق الشريعة المزعومة في أذهانهم.
كان الشيخ محمد ياسر يدرك تماماً اللعبة التي نُفذت على أرضه، وعلى حساب شعبه، وكان رحمه الله يؤمن بالخيار النهضوي، ويسمي جمال الدين الأفغاني أحد الرواد الذين يبعث من خلالهم الأمل الجديد لشعوب الشرق، وأننا شعوب الرسالة الإسلامية لها حضارة عالمية، وليس لحربٍ توقد على الناس كل حين، فالحرب، في نص القرآن القطعي، مطابقةٌ للفتنة المحرّمة، ونحن أمم نقاوم لأجل حريتنا، وحرّية تحرير رسالة إسلامنا فينا.

حين راجع مجلس الشورى إحالة الملا عمر قضية خروج بن لادن الضرورية لأمن أهل البلد المسلم، نزعت أغلبية مجلس الشورى إلى التوصية بخروجه من أرض أفغانستان

تجد اليوم خذلاناً عربياً كبيراً، ليس في مؤامرات الأنظمة العربية والخليجية على أفغانستان فقط، وإنما في تلك النخب من العلماء والدعاة الذين خذلوا الشعب الأفغاني والمخلصين من قادة الجهاد، وتواطأوا عليهم في الصمت عن العملية المخابراتية الكبرى بين الشباب العربي، ودورها في تفتيت الجبهة الأفغانية وزيادة صراعاتها، فضلاً عن عمليات اغتيال قادتها. وخلال ضيافتي عند الشيخ رحمه الله، مرّ بنا عنصر "جهادي" عربي، يعصف بالتكفير ويتوعد لكل أحد، ابتسم الشيخ، وأشار له بالانصراف، ثم قال لي: هذا عنصر مخابرات يتبع هذه الدولة الخليجية (..)، وهذه معلومة وليست رأياً. كان يدرك بألم حجم التغوّل والتلاعب الذي مارسه النفاق العربي الحليف على وطنه الذبيح. ولكن الشيخ محمد ياسر لم يرَ له مساحة في ذلك الوقت إلا الانضمام إلى حركة طالبان في حينها، فهي الواجهة أمام غزو همجي إرهابي شرس، ذهبت ضحيته ملايين أخرى من قتلى وجرحى ومشرّدين، في ملاجئ الأرض. وحين راجع مجلس الشورى إحالة الملا عمر قضية خروج الشيخ أسامة بن لادن الضرورية لأمن أهل البلد المسلم، وخصوصاً أن "طالبان" لم تكن على علم ولا موافقة على عمليات الإرهاب التي خُطط لها في نيويورك وغيرها، وهي العمليات التي حوّلها الإرهاب الغربي إلى مصيدةٍ يغتال فيها كل حلم لحاضر العالم الإسلامي، نزعت أغلبية مجلس الشورى إلى التوصية بخروج بن لادن من أرض أفغانستان، لكن توصية المجلس لم تُقبل، فالشورى معلمة لا ملزمة، بحسب نظام "طالبان"، وإن أشار الملا عمر إلى أن هذا محال للضيف في حينه.
أكان ذلك سيمنع الغزو المدمر، وهي وجهة نظر المخابرات الباكستانية في حينه، ونصيحتهم للملا عمر؟ الله أعلم. والملا عمر الذي مهما اختلفت الآراء بشأنه، لا يوجد زعيم أممي رابط على تراب شعبه وطعامه وكسائه من طعام الفقراء والمستضعفين مرّغ الإمبريالية الأميركية كما فعل الملا عمر. ولو كان كادراً يسارياً لنُصبت له الأعلام والتماثيل في كل مكان، لكن النفاق العالمي وثقافة الحركة وقصور خطابها، وتورطها في قتل الأفغان المدنيين، والقتل على أساس الصراع السياسي، أضعفت هذه الصورة. علماً أن الملا عمر كان يُشدد على دماء المدنيين وحرمتهم، وكان يشير، في خطابه، إلى خطورة اختراق فكر التكفيريين العرب جبهته الثقافية والعسكرية والسياسية، لكن الأمر الذي يعيد صناعة أفغانستان جديدة قوية، بلداً في آسيا الهندية يؤثّر بأهم خطوط تماس بين المسلمين العرب وآسيا الهندية، وبين آسيا الهندية والعالم الشمالي، لم يكن حاضراً، مع الأسف، في فكر الصناعة الاستراتيجية للحركة.

لن تكون القوة العسكرية في بقاء عمليات القتل ضد العسكريين الأفغان، أو مناطق الحكومة، قدرة ردع استراتيجي، لو فتحت "طالبان" بوابات الصراع مجدّداً

كان هذا الهم المشترك بين جمال الدين الأفغاني والشيخ الشهيد محمد ياسر هو العمق الذي مثل الموقف المشترك لدى حركات المقاومة في حاضر العالم الإسلامي ودعاة الإحياء الإسلامي. وما التشويه الذي تعرّضت له حركة الإحياء من ثنائية الجماعة المؤمنة والسلفية الوهابية وتراث الأستانة إلا إحدى وسائط الدعم للحرب الفتاكة من المركز الغربي الحداثي الذي كان يعلم أن عودة الأمة الإسلامية لإطلاق معركة النهضة هو الخطر الأكبر عليه، نهضة تتصل بمدرسة الرأي، وهي مسار أصيلٌ في الفقه الإسلامي، أيقظها مبكراً الإمام أبو حنيفة النعمان، وحاول اغتيالها الاستبداد القديم، وعطلها تراث التخلف الذي زكّى أنظمة الاستبداد الموالية للغرب القديم والحديث.
وهنا تبرز دلائل معركة النصر التي لو التقطتها حركة طالبان، وأيضاً المخلصون في مؤسسات الدولة الأفغانية، والتي من الطبيعي أن تحوّل إلى عملية سياسية جديدة، لشكلت هنا محور ارتكاز للثنائية التي التقطها إخوتهم في جزر المالايو عام 1964، فبقي الأرخبيل الماليزي يحمل رسالة الإسلام وروح الإيمان ويتمسّك بالتدافع الحضاري. وهو أهم معاقل الشرق المسلم اليوم الذي يحمي الأمم الشرقية من التغول الغربي أو التوحش الصيني. وكلا المشروعين لا تهمه شراكة إنسان ولا نهضة عُمران، بل مجرد استغلال الحالة الدينية أو الأقلية القومية للزحف على كل بلد مستقل، وإسقاط قوته، قوته من الداخل في نهضته ووحدته الوطنية. وهنا، لن تكون القوة العسكرية في بقاء عمليات القتل ضد العسكريين الأفغان، أو مناطق الحكومة، قدرة ردع استراتيجي، لو فتحت "طالبان" بوابات الصراع مجدّداً، وإنما الوصول إلى أرضية صناعة دولة حديثة مؤمنة برسالتها الإسلامية، وباستقلالها القومي، تغلق الطريق على محاولات المهمة البديلة التي سيوكلها الأميركيون للغول الإيراني المتطرّف، الذي يحسن استثمار الأرض المحروقة، وتخدمه حرب المخابرات بين الحكومتين، الهندية والباكستانية، والضحية هنا أفغانستان.

لا بد من التعامل الحذر مع المبادرات التي تقدّم ل"طالبان"، ولا نقول قبول كل ما يُعرض، وإنما مساحة ما يدعم السلام، وينقذ أفغانستان من تقاطعات الحرب المهلكة

وتحتاج "طالبان" أن تدرك أن الله، حين جعل شريعة الإسلام ممتدّة، فقد يسّر لها أفقاً اجتهادياً واسعاً، أولى بواباته دفع أكبر الضررين، وإقامة مصالح المسلمين، وأقدس مهماته هو العدل السياسي، وقانون العدل لا يقوم على الثأر، ولا على ظنون الناس وتصنيفهم، بعد حالة صراع قاسية، وإنما فتح باب الشراكات، ليُخدم هذا الوطن، ويُتعبّد الله فيه بالجهاد المدني الذي شغل حياة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، واتفقت الأمة إجماعاً على رشده.
ويشير الكاتب هنا إلى حاجة أفغانستان في تحويل نصر المقاومة في جانبه على الأميركيين، وعلى مشروعهم قوة عسكرية عقائدية وطنية، من دون أن تُزكّى أو تعتبر جرائم "طالبان" ضد المدنيين وموظفي الحكومة، أو جرائم حكومات كابول منذ الاحتلال، نصراً، بل صفحات تطوى بالتعويض والمصالحة والألم على إزهاق كل نفس، أياً كان دينها، من الشعب المسلم في أفغانستان وأهل ذمته. لكن هذه القوة حين تُدمج دستورياً وسياسياً تمثّل حماية قومية تصدُّ بوابات التدخل المتعدّدة التي تراقب أفغانستان، وتنتظر الحرب من جديد. هنا يكون التعامل الحذر مع المبادرات التي تقدّم للحركة، ولا نقول قبول كل ما يُعرض، وإنما مساحة ما يدعم السلام، وينقذ أفغانستان من تقاطعات الحرب المهلكة. ومن ذلك طلب الرئاسة التركية بقاء قواتها لأمن المطار والتوازن السياسي الأمني، والمواصلة مع جهود قطر في المصالحة، والجسور مع حكومة عمران خان في باكستان، فتفتح الأبواب لكي يُخفف الحمل وتؤمّن الدولة، ويُشرق حلم الأفغاني العظيم، للشعب المقاوم العنيد، فيرى أطفاله النصر الفكري والحضاري والرفاه الاقتصادي، ويقول العالم: هنا أفغانستان الإسلامية، ليس بدم أبريائها المسفوك، ولكن بشمس حضارتها المنشودة.