رسالة إلى السيد أحمد الشرع

24 يناير 2025
+ الخط -

صباح الخير أيها السيد، أنت حاليا تحكم سورية، رضي السوريون بهذا أم لم يرضوا. وبناء على هذا، تقع مسؤوليات على كاهلك وعليك أن تنجزها. لن يطالبك السوريون بالمستحيل، فبعض الملفات تحتاج معجزاتٍ لتُنجز، وأنت مجرّد رجل سعيد الحظ أو سيئه، ليس مهما هذا، لكننا ندرك أن قدرتك محدّدة بالمتاح. والمتاح حالياً يمكّنك من فعل بعض ما يطمئن السوريين، كأن تُبعد عن أماكن التوتّر الطائفي الراديكاليين والأجانب من عناصر الفصائل المتحالفة معك، فالاستفزازات باتت غير محتملة، والانتهاكات لم تعُد مجرّد أعمال فردية، بل باتت نهجاً يعتمد الخطف والقتل والإهانة، ما سينتج المزيد من التوتّر والحقد والكراهية، وسيساعد المتربّصين بسورية على تمويل الخراب، ولا مصلحة لسوري في مزيد من الخراب، إلا إذا كان مؤيدا للأسد مجرم سورية الفارّ.

اقطع دابر هذه الفرصة عن المتربّصين، واقطع معها دابر مزيد من الفتن، واقطع دابر المطبّلين لك ولهيئتك والمحرّضين بخطاب كراهيتهم الذي يبيح مزيداً من الدم السوري. وهذا بين يديك لتفعله، مثلما هي بين يديك دعوة السوريين إلى عقد مؤتمرهم الوطني الأول تحت سماء دمشق، وتركهم يتفقون على شكل لسورية يليق بتاريخها وحضاراتها المتعاقبة، والتي كانت المرأة جزءاً أساسيا فيها. أراقب اليوم، أنا السورية التي تعرف ماذا صنعت النساء السوريات عبر التاريخ، أراقب المحاولات الحثيثة التي يبذلها بعضهم لتحييد السوريات، بحجة "العفّة"، وأرتعب من أن يكون مصير ابنتي وابنتها هذا المصير الخطير.

ولعلك تدرك أيضاً، كما ندرك، أن النصر لم يكن ليتحقّق لولا تضحيات السوريين باهظة الثمن، لولا مئات آلاف المهجّرين الذين لم تنطق حكومتك بجملة واحدة تطمئنهم، ولولا مئات آلاف الشهداء والمفقودين والمعتقلين الذين ترفض اليوم مقابلة عوائلهم بذريعة الوقت، بينما نشاهدك على الشاشات تلتقي بشخصيات سورية كرتونية، غالبها لا يملك أدنى معرفة بالمجتمع السوري الحقيقي، ولن تمنحك صورك معها سوى غضب مضاف من السوريين الذين ما زالوا يتساءلون عن السبب وراء امتناعك عن مخاطبتهم، وشرح تفاصيل مرحلة مقبلة، من المفترض أن يتشارك فيها جميع السوريين بحكومة تكنوقراط تنقذ البلد مما هو فيه، تنفيذا لوعودك للمجتمع الدولي الذي بات قصر الشعب السوري وجهة مبعوثيه.

صباح الخير أيها السيد:

أنت تعرف أن سورية بلد عميق الحضارة، وأن غناها يكمن بتعدّد الهويات فيها، لكن هذا التعدّد يحتاج هوية جامعة، والهوية السورية الوطنية التي يجب أن يفاخر بها كل من يحملها، وهذا لن يحدُث بغير التشاركية في الحكم والقرارات، وبغير الكوادر السورية المختلفة المشارب. الثقة التي تحدّثت عنها في أحد حواراتك لا تبني بلداً، وما يفعله بعض من تثق بهم في الحكومة يشي بذلك بوضوح. محاولات أسلمة القضاء ونقابة المحامين والتعليم والجيش سوف تكون وبالاً على بلدٍ مثل سورية وستسمح للمتربصين بتحشيد مزيد من الغاضبين. لا يُنتج الإقصاء سوى الغضب والغضب مدمّر، أنت تعرف هذا جيداً من تجربة العقود الماضية؛ هل تريد إعادة تلك التجربة؟

صباح الخير أيها السيد:

قد أكون في سن والدتك أو أصغر قليلاً، أحترم سوريّتي، وأحترم مكوّنات كل السوريين وهوياتهم المختلفة. ومن هذا الاحترام، أطالبك اليوم بأن تتصرّف كرجل دولة، لا كزعيم فصيل مقاتل. لا يمكن لسورية أن تحكمها فصائل جهادية، حتى لو ارتدى عناصرها ربطات عنق أنيقة، فالمظهر الخارجي لن يكون مهمّاً إن كانت خلفه عقلية تريد أن تبقي سورية في قائمة الدول المتخلّفة. خطوات البشرية في عصر ما بعد الحداثة مذهلة في سرعتها، ونحن نطلب منك اقتفاء أثر تلك الخطوات، علّنا نلحق نحن الشعب ببعضٍ مما سبقتنا إليه البشرية، أو فلنترحّم جميعا على سورية التي لم يستطع شعبها إنقاذها، حين أتيحت له فرصة استثنائية لفعل هذا.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.