رسائل "سرايا السلام" والصراع في العراق

رسائل "سرايا السلام" والصراع في العراق

13 فبراير 2021
+ الخط -

لم تكن عمليات استعراض القوة لـ"سرايا السلام" التي أمر بتنفيذها رئيس التيار الصدري، مقتدى الصدر، في وسط العراق وبغداد، مجرد رسالة منه شخصياً إلى زعيم ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، بعد تلويح الأخير، أو المتحدثين باسمه، بأن حصوله على رئاسة الحكومة مطلب جماهيري، وأن "العراق بحاجة إلى رئيس وزراء قوي"، بل هي، في حقيقة الأمر، رسالة تنبيه وتحذير لكل القوى السياسية المتحرّكة باتجاه كسب الانتخابات المقبلة بكل الوسائل "الممكنة"، وإن كانت ضد رغبة الجماهير العراقية، ولا يستثنى من ذلك رئيس الوزراء العراقي الحالي، مصطفى الكاظمي.

انتشار مليشيا سرايا السلام نذير شؤم بقراراتٍ مقبلة، ربما ستنزلق بالعراق إلى مجاهيل أخرى، تضاف إلى سلسلة المجاهيل المتحكمة بمصير شعبه ومستقبل البلاد. أحد هذه القرارات؛ تهديد مقتدى الصدر بفك التجميد عن "جيش المهدي". وبحسب القيادي في التيار الصدري، حاكم الزاملي، فإن مقاتلي هذا "الجيش" منعوا، في عام 2005، تنظيم القاعدة من احتلال بغداد، فيما اعتبر نوري المالكي الذي كان رئيساً للوزراء في 2008 جيش المهدي عصابات جريمة منظمة، إضافة إلى تهريبها النفط من محافظة البصرة؛ وأطلق عليهم حملة أمنية وعسكرية سُميت "صولة الفرسان"، في 25 مارس/ آذار 2008، في وسط العراق وجنوبه، استهدفت قيادات التيار الصدري و"جيش المهدي" ومعاقلهما وأنصارهما. انتهت بعد ثلاثة أسابيع بإصدار الصدر بياناً دعا فيه أنصاره إلى إلقاء السلاح، واستقبال القوات الأمنية بالورود والمصاحف.

العراقيون يخشون الحرب الأهلية، وقد كان استعراض "سرايا السلام" القوة ذا دلالات لا يخطئها أبناء الشعب العراقي

هناك، إذن، تاريخ من الصدامات والاتهامات بين التيار الصدري، ممثلاً بزعيمه، مقتدى الصدر، وحزب الدعوة العراقي ممثلاً بزعيمه، نوري المالكي، وهم الآن، وفي حُمّى التسابق السياسي المدعوم من جهات عديدة، يسعون إلى الاستحواذ على كرسي رئاسة الوزراء العراقية المقبلة، بعد إجراء الإنتخابات المفترضة في أكتوبر/ تشرين الأول من العام الحالي؛ فالمالكي قال، في لقاء متلفز، مع قناة عراقية "لا أمانع من إصلاح البلد، في حال تكليفي بالمهمة"، وهو هنا يراهن على مليشيا "الحشد الشعبي" التي كان هو من أنشأها بعد انسياح تنظيم داعش الإرهابي في ثلث الأراضي العراقية. كما أعلن التيار الصدري علنا رغبته في كسب الرهان على منصب رئيس الوزراء، مع كل الحقائب الوزارية المهمة، للتحكّم بالعراق بشكل كامل.

مؤسف حقاً أن تنحدر مجريات الأمور في العراق، البلد الذي حفر اسمه وإنجازاته في التاريخ البشري، وصاحب أولى الحضارات الإنسانية المعروفة، إلى هذا المستوى من سوء الإدارة، وتغييب صوت العقل والحكمة، وعدم وضع أي اعتبار لشعبه وسمعته إقليمياً ودولياً؛ فمن المضحك المبكي أن يكون الإطار الذي وضعه التيار الصدري سبباً لنشر مليشياته في محافظات الوسط ثم بغداد، هو ما أعلنه وزير الصدر المعرّف باسم صالح العراقي عن وجود اتفاق "بعثي - داعشي" للهجوم على مراقد أئمة الشيعة والسنة في النجف وكربلاء وبغداد، "وهو أمر لم تؤكده الحكومة العراقية ولا هيئة الحشد الشعبي أو أية جهة أخرى". ولكن ما صدر بعد هذا الانتشار من زعيم التيار أو ممثليه يشير إلى أهداف أخرى، منها، على وجه الخصوص، إخماد التظاهرات الشبابية المستمرة في محافظات الناصرية والكوت والنجف والبصرة وتصفياتها، واتهامها بالعمل وفق أجندات خارجية، كما أنها أرسلت رسائل واضحة إلى رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، والقيادات الأمنية، مضافاً إليها بعض مليشيا الحشد، وخصوصا منها عصائب أهل الحق، بأنها، أي مليشيا المهدي (سرايا السلام)، هي من تملك زمام المبادأة في الشارع العراقي، وهي من تتحكم بنبضه الأمني متى ما أرادت، وهو ما زاد من "هيبة" الدولة العراقية، تراجعاً وانتكاساً.

توضح المؤشرات في العراق أن أبواباً ستفتح أمام معارك بين القوى الشيعية حول من ستكون له الغلبة في الانتخابات

العراقيون يخشون الحرب الأهلية، وقد كان استعراض "سرايا السلام" القوة ذا دلالات لا يخطئها أبناء الشعب العراقي، ستفضي، على الأغلب، إلى تأثيراتٍ سلبية على السلم الأهلي في هذا البلد، فذكريات أحداث عام 2006 بعد تفجير مرقدي الإمامين في سامراء، والتي استمرت ثلاث سنوات، كان القتل فيها على الهوية، تركت انطباعاً عاماً سيئاً عن مليشيا الصدريين لدى أبناء "السنّة"، وهو ما تم استذكاره مع مشاهد استعراض قدرات هذه المليشيات في شوارع العاصمة العراقية تحديداً، وفي مناطق مثل الأعظمية والفضل ذات الأغلبية السنيّة. هذا الظهور الذي استغله أيضاً من يعتقد أغلب العراقيين أنه صاحب أكبر سجل في التمييز الطائفي والاعتقالات العشوائية والتغييب القسري وتسليم الموصل إلى تنظيم داعش الإرهابي، رئيس الوزراء الأسبق والخصم الأبرز للصدريين، نوري المالكي، الذي قال "في حال فوزي بمنصب رئيس الوزراء لن أسمح لمليشيا المهدي بترعيب الناس".

توضح كل المؤشرات في العراق بجلاء أن أبوابا ستفتح أمام معركة (معارك) جديدة بين القوى الشيعية حول من ستكون له الغلبة في الانتخابات المقبلة. ولكن يبدو بوضوح أيضاً أن زعيم التيار الصدري يريدها لتياره، وقد وضع رقماً تقريبياً لعدد المقاعد التي سيحصل تياره عليها في هذه الانتخابات (100 مقعد). فيما أعلن "ائتلاف الفتح" أنه سيحصل على نحو 60 مقعدا. وهكذا تطرح الكتل والأحزاب، وبالأرقام الدقيقة، عدد مقاعدها في مجلس النواب المقبل. وليس معلوما عن أي انتخاباتٍ نزيهة يتحدثون، فرئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، الذي يشاد بحلمه وصبره على كل الاستفزازات والتجاوزات التي مارستها أطراف عديدة بحقه، جديدها استعراض سرايا السلام، ما زال يراهن على أن يصل إلى تاريخ الانتخابات بسلام وبقوة كافية، لجعلها شفّافة ونزيهة، من خلال عدم زج نفسه والقوات الأمنية والجيش في مهاترات القوى السياسية، كائنا من يكون داعمها. وقد أرسل رسالة واضحة إلى زعماء التيارات والكتل ذات المليشيات المسلحة، مفادها "أن البناء لا يتم بالتجاوز على الرموز والمقدسات الدينية والوطنية وضرب المؤسسات وقطع الطرق، بل بدعم الدولة، وأن الانتخابات استحقاق وطني، يحتاج إلى التضامن السياسي والاجتماعي".

F51601CD-AABE-44C5-B957-606753EEC195
فارس الخطاب

كاتب عراقي مقيم في لندن