دور مؤثر لمسلمي أميركا في الانتخابات الرئاسية

دور مؤثر لمسلمي أميركا في الانتخابات الرئاسية

23 نوفمبر 2020

حراسة أمام المركز الإسلامي في ديربورن في ميتشيغان في أثناء صلاة الجمعة (21/3/2003/Getty)

+ الخط -

تحدثت الباحثة الإسبانية من أصل إيراني، نازانين أرمانيان، عن الدور المفصلي لمسلمي الولايات المتحدة، والذي برز، أخيرا، في أثناء السباق الرئاسي بين المرشحيْن، الديمقراطي جو بايدن، والجمهوري، الرئيس دونالد ترامب. أفضت الانتخابات إلى فوز بايدن، وكان لأصوات المسلمين دور حاسم في هذا الفوز، حيث صوت له 70% من المسلمين الأميركيين، فمن بين 3.5 ملايين من سكان الولايات المتحدة، ممن يعلنون أنفسهم مسلمين، أي ما نسبته 1% من السكان، هناك 1.5 مليون مسلم يحق لهم التصويت، بل ويتركزون في ولايات مفصلية ومفاتيح حسم الانتخابات الأميركية، سيما بنسلفانيا وميتشغان وفلوريدا وويسكونسن وأيوا الولاية التي بنى فيها مهاجرون عرب مسلمون من سورية ولبنان أول مسجد في الولايات المتحدة عام 1934، فيما ينتشر اليوم قرابة ألفي مسجد في أنحاء البلاد، ويمثّلون سلطة (وتأثير) الدول العربية والإسلامية التي ترعاهم، وينصبّ اهتمامهم على زيادة تأثيرهم ونفوذهم. ويُجبر "قادة المجتمع" (مصطلحٌ يستخدم لتغطية الاختلافات الطبقية) المسلمين على التصرّف باعتبارهم مجموعة دينية، وليس مواطنين أميركيين لديهم مصالح مختلفة. يقول المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الأميركية الإسلامية، حسام عليوش، إنه في الانتخابات الرئاسية لعام 2000، طلب مقابلة كلا المرشحين آنذاك، جورج دبليو بوش وآل غور، بغاية إمكانية تضمين المسلمين في الإدارة الأميركية، سواء مصرفيين أو رجال أعمال، فرحّب بهم بوش الابن، فيما تجاهلهم آل غور، ليصوّت 80% من المسلمين لصالح منافسه.

يُجبر مصطلح "قادة المجتمع" المسلمين على التصرّف باعتبارهم مجموعة دينية، وليس مواطنين أميركيين لديهم مصالح مختلفة

صورة المسلم الأميركي، على عكس صورة المسلم في دول أوروبية عديدة، ليست صورة الشخص الموجود في أسفل الهرم الاجتماعي (يضم المكون ذوي الأصول الإسبانية)، فالمسلمون تجار صغار وأطباء ومهندسون وما إلى ذلك. ويتجلى رُهاب الأبوروفوبيا (فوبيا الطبقة المتوسطة الفقيرة) لدى الأميركيين في الهيسبانوفوبيا، أي رُهاب أو فوبيا ذوي الأصول الأميركية اللاتينية. ووفقًا لمعهد السياسة الاجتماعية في الولايات المتحدة، المسلمون هم المجتمع الديني الوحيد الذي لا ينتمي إلى عرق الأغلبية (يوجد في الولايات المتحدة هوس بتقسيم السكان حسب لون بشرتهم وتسميتهم أيضًا "أعراقا"). ينحدر المسلمون في أميركا من 80 دولة مختلفة. 25% أميركيون من أصل أفريقي، 24% بيض، و18% من شرق آسيا، و 18% من الدول العربية (مع مجموعة واسعة من ملوّني البشرة!) والباقي من جنوب الصحراء الكبرى، أو من أصل إسباني وأوروبي. وقد تحوّل أميركيون أفارقة كثيرون إلى الإسلام، منذ منتصف القرن الماضي، ردة فعل على تفوّق المسيحيين البيض، ومن أشهرهم مالكوم إكس والملاكم محمد علي كلاي. أما إقبال الناخبين المسلمين فهو في العادة منخفض: 63% فقط من الشباب مسجّلون للتصويت، مقارنة بـ 85% من مجموع الشباب الأميركي. على مدى العقد الماضي، كانت نسبة الناخبين الجمهوريين المسلمين مستقرة (13%)، بينما زادت نسبة التصويت للديمقراطيين، وبلغت 64% في 2018. ويقول المدير التنفيذي لمركز الإسلام والسياسة العامة، زاهد بخاري، إن المسلمين المولودين في الولايات المتحدة ناخبون ديمقراطيون، في حين أن المهاجرين – المحافظين، ومن الطبقات الوسطى والعليا، يميلون أكثر نحو الجمهوريين. وقد تغير الوضع بعد إدارة جورج بوش.

 إقبال الناخبين المسلمين في العادة منخفض: 63% فقط من الشباب مسجلون للتصويت، مقارنة بـ 85٪ من مجموع الشباب الأميركي

ويندّد المسلمون، أكثر من أي مجموعةٍ دينية أخرى، بالتمييز الممارَس ضدهم على أساس العقيدة في المطارات وفي الرعاية الصحية وفي مقابلات العمل. يشكل السنة 55%، و16% من الشيعة ومعظمهم من باكستان، ويقيمون في ديربورن في ولاية ميتشغان. أما الإيرانيون فيصلون إلى ما يقرب من مليون شخص. وعادة ما يجتمعون ليس في المساجد، وإنما في المنظمات المدنية والثقافية. وهم مجموعة ثرية وناجحة نسبياً في الولايات المتحدة، على الرغم من أنهم يعانون من العقوبات التي فرضها الرئيس ترامب على إيران. يتأثر تصويتهم الفعلي، حسب الأولوية: الاقتصاد والحقوق المدنية، والأمن القومي (قوانين مكافحة الإرهاب التي تضطهدهم كمجموعة)، والسياسات الصحية والهجرة والتعليم، وكذلك السياسة الخارجية للمرشّح بسبب الروابط الشخصية والدينية التي تحافظ عليها مع المناطق المتحاربة. إنه تصويت سائل وليس متشدّدا، على عكس غالبية اليهود الأميركيين، مثلا، الذين على الرغم من سياسات ترامب والحزب الجمهوري المؤيدة لإسرائيل، لا يزالون ديمقراطيين.
صوتوا لبوش وساندرز
يوضح تاريخ التغييرات التي مر بها تصويت المسلمين في الولايات المتحدة حقيقتين: تصويت الطبقة الوسطى متغير، ووعي الحقوق ليس فطرياً، بل هو في الواقع عملية تعلم. وفي التسعينيات، تم تقسيم أصوات المسلمين بالتساوي تقريباً بين الحزبين، الجمهوري (المهاجرون) والديمقراطي (الأفارقة).

عيّن بايدن الباكستاني الأميركي المسلم، فايز شاكر، في إدارة حملة استراتيجية لتعبئة الناخبين

مع اقتراب انتخابات عام 2000، قام جورج دبليو بوش بحملةٍ قويةٍ بين المسلمين الذين شاركوا القيم المحافظة حول الأسرة وكسب المال. وزار مسجداً، وندّد باضطهاد المسلمين في الولايات المتحدة، ليقول: "الناس رهن الاعتقال وعلينا أن نفعل شيئاً حيال ذلك". وبحسب استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة زغبي أناليتيكس، حصل بوش على 42% من أصواتهم (ومعظمهم في فلوريدا)، مقارنة بـ 31% اختاروا آل غور الذي تجاهلهم خلال الحملة. وقد فكّكت هجمات "11 سبتمبر"، في العام 2001، التحالف الإسلامي مع الحزب الجمهوري المحافظ، تحت ما يسمّى الحرب على الإرهاب الذي هدف إلى السيطرة على الدول الاستراتيجية، المسلمة فقط بالمصادفة، والموافقة على قانون باتريوت (قانون مكافحة الإرهاب في العام 2001)، وانجراف الحزب الجمهوري نحو خطابٍ معادٍ للإسلاميين (وليس معادياً للإسلام)، والتحوّل المفتوح نحو إسرائيل، وكانت الفضائح عن تعذيب وكالة المخابرات المركزية سجناء مسلمين في أبو غريب في بغداد وفي غوانتانامو من الأسباب. على الرغم من خطابات بوش التي ركّزت على "الإسلام دين سلام"، وعلى الرغم من التمييز بين الجهاديين والمسلمين، إلا أن المسلمين الأميركيين ربما أدركوا الفرق بين أن يكون بوش الرئيس الأميركي القادم المرشح وأن يكون الرئيس بعد تسلّمه مقاليد الحكم ليتحوّل إلى حالة سياسي عديم الضمير.
في عام 2004، أعطت استطلاعات الرأي 75% من أصوات المسلمين للديمقراطي جون كيري و7% فقط لبوش. دفعت الهجمات التي يحرّض عليها الجمهوريون على الحريات المدنية للمسلمين المحافظين نحو الحزب الديمقراطي. وفي 2008، أثار ترشيح باراك أوباما، ووالده مسلم، حماسًا هائلاً، فقد حصل على 89% من أصوات المسلمين. ومع ذلك، أصبح أوباما، المتهم بأنه "أسود ومسلم سراً"، رئيساً ضعيفاً، ولم يفعل شيئاً لإنهاء العنصرية المؤسّسية أو المساواة بين الأديان. لم يذهب إلى المسجد حتى نهاية ولايته الثانية في فبراير/ شباط 2016، حيث لم يكن لديه ما يخسره. بالطبع، كان أول رئيس للولايات المتحدة يفعل ذلك. وكان له هدفان من تلك الزيارة: طمأنة الأميركيين بأن إخوانهم المسلمين ليسوا إرهابيين، ودعوة المؤمنين بالله ليأخذوا مكانتهم في الأمة.

في 2008، أثار ترشيح أوباما، ووالده مسلم، حماسًا هائلاً، فقد حصل على 89% من أصوات المسلمين

وكان أوباما مصدر إحباط للمسلمين بكل معنى الكلمة. لم ينهِ الحروب ضد الفلسطينيين والعراق وأفغانستان وباكستان (استخدم الطائرات بدون طيار بكثافة)، وساعدت سياسة إدارته في تدمير الثورة السورية وتقسيم ليبيا وتدمير اليمن، وأبقى سجن غوانتانامو مفتوحاً بكل أسراه المسلمين. وأضاف إلى ذلك مسرحية التمثيل الإيمائي لقتل شبح أسامة بن لادن. وفي حملته الانتخابية الثانية، رفض آلافٌ من معجبيه المسلمين التصويت له.
"جميع البشر متساوون ويستحقون حياة كريمة"، كانت الصيغة السحرية التي وضعها السيناتور عن الحزب الديمقراطي، بيرني ساندرز، في عام 2016 لإدراج الأشخاص المهمّشين والعاملين في أميركا في النقاش السياسي. كانت خصمه مرشحة المؤسسة، هيلاري كلينتون. في ديربورن في ولاية ميتشيغان، حيث حوالي 60% من السكان من أصل عربي، هزم ساندرز كلينتون في الانتخابات التمهيدية في المدينة. واعتمد هذا السياسي اليهودي الذي يدعم القضية الفلسطينية، ويعارض الحروب والتمييز بجميع أنواعه، على المهاجرين في تنظيم حملته، ونجح في ضم إلهان عمر، وهي صومالية ومسلمة، إلى الكونغرس. بعد ذلك بعامين، سيكون هناك عربية ثانية، هي رشيدة طليب، ابنة مهاجريْن فلسطينيين ولدت في ديترويت.
ترامب أم بايدن؟
عند إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في عام 2016، ادّعى ما يقرب من ثلث المسلمين البيض أنهم صوّتوا لصالح المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، مقارنة بـ 8% من المسلمين السود والعرب و 6% من المسلمين الآسيويين. ثم بمجرد وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وصل معه رُهابه من المسلمين، وكذلك ازدراؤه السود والمهاجرين الفقراء، إلى مستوى غير مسبوق، حتى أنه اقترح سجلاً خاصاً لتحديد هوية المسلمين الأميركيين. خلال فترة ولايته، كان المسلمون واليهود أهدافاً لجرائم الكراهية، وفقًا لمركز دراسة الكراهية والتطرّف. ويقول ما يقرب من نصف المسلمين إنهم يخشون تزايد جماعات النازيين الجدد أو المتعصّبين للبيض أو كو كلوكس كلان. وإنهم يخشون إرسال أطفالهم إلى المدرسة أو الذهاب في نزهةٍ على الأقدام أو الذهاب إلى مسجد.

خلال فترة ولاية ترامب، كان المسلمون واليهود أهدافاً لجرائم الكراهية، وفقًا لمركز دراسة الكراهية والتطرّف

أحدث تأثير ترامب اليوم شرخاً كبيراً بين المجتمع المسلم والحزب الجمهوري. الأزمة الاقتصادية والصحة العامة التي أودت بملايين الناس إلى البؤس المطلق، وعجز الرئيس عن إدارة الكوارث المناخية التي اقتلعت منازلهم، هما من أسبابٍ تنتزع أصوات هذه القطاعات من الرئيس كرد فعل. وبعد التفاخر بإقامة "سلام" في الشرق الأوسط (من خلال حل نهائي للفلسطينيين!) باعتراف أنظمة عربية إسلامية بإسرائيل مقابل لا شيء، يعد بأن إعادة انتخابه ستضمن "حماية الحريات" والمعتقدات الدينية والازدهار الاقتصادي والفرص التعليمية للمسلمين في الولايات المتحدة. 
أما الديمقراطي، جو بايدن، فليس بيرني ساندرز، ولا يتمتع بشعبية. وقد تخلى الأخير، والذي يجوز وصفه الزعيم الاشتراكي، عن حملته لصالح الوحدة لهزيمة ترامب (مسلمو الولايات المتحدة ضد ترامب؟) والآن، فإن أكبر خطر على الحزب الديمقراطي أن هذا القطاع سيتوقف عن المشاركة الجماعية في الانتخابات.
عيّن بايدن الباكستاني الأميركي، فايز شاكر، في إدارة حملة استراتيجية لتعبئة الناخبين. ولديه صفحة مخصصة لـ "أجندته الخاصة بالمجتمعات الأميركية المسلمة". وقد تعهد بإلغاء حظر سفر المسلمين في "اليوم الأول" من ولايته، ورفع العقوبات المفروضة على إيران، على الرغم من أنه يترك للجمهوريين للمطالبة بفرض حظر شرعي.
يقول المسلمون الأميركيون إنهم يريدون التأثير على العملية الانتخابية، وأن يُعاملوا بصفتهم مواطنين، وليس بتسامح، مدركين أنه في الوضع الانتخابي الدقيق لترامب، زادت قيمة كل صوت يُعطى له.

يقول المسلمون الأميركيون إنهم يريدون التأثير على العملية الانتخابية، وأن يُعاملوا بصفتهم مواطنين، وليس بتسامح

وتشجّعهم حملة "ماي مسلم يصوت" على استخدام حقهم. يطالبون بأن تتوقف "قائمة المراقبة"، وهي قاعدة بيانات الكشف عن الإرهابيين، والتي أنشأها جورج دبليو بوش وعزّزها ترامب، عن إدراج المسلمين لكونهم مسلمين. وأن يُعيّن مسلمٌ في منصبٍ رفيعٍ في الإدارة المقبلة. وقد صوت أكثر من 70% من المسلمين الأميركيين في انتخابات 2020 الرئاسية لصالح جو بايدن، وأكّدوا دورهم الحاسم والمفصلي في الانتخابات الرئاسية، وأن على كل الرؤساء الأميركيين المقبلين أن يأخذوهم بالاعتبار.

محمد زعل السلوم
محمد زعل السلوم
كاتب سوري من مواليد دمشق، خريج جامعة دمشق، مقيم في اسطنبول، وله عدد من المؤلفات. يكتب في مجالات متعددة من ثقافة وعلوم وسياسة ... وهو أيضا، عضو رابطة الكتاب السوريين في لندن وبيت الإعلاميين العرب في اسطنبول ورابطة الصحفيين السوريين.