دردشة عن آل الريّس

دردشة عن آل الريّس

04 أكتوبر 2020

(نجيب ورياض الريس)

+ الخط -

أمر طبيعي أن يحتفي المثقفون السوريون ذوو النزوع الديمقراطي بالأديب والصحفي الراحل رياض نجيب الريّس (1937- 2020)، ويعزي بعضُهم بعضاً فيه، كما لو أنه أخ أكبر.. فللرجل مأثرةٌ يمكن اعتبارها خارقة: إلقاؤه، في أواخر الثمانينيات، حجراً على سطح مستنقع الصحافة السورية الراكد، المتصلّب، وفتحُه ثغرة للمتطلعين إلى تغيير حتى ولو كان بحجم رأس الدبوس.. وله مآثر شخصية لا ريب أن أصدقاءه المقرّبين يعرفونها. ولكنّ حفاوة شبه جماعية كهذه، عندما تنتشر على صفحات التواصل، كأنها نشيد يردّده الجميع بطلاقة ومتعة، يمكن أن تَحُول دون المفيد من الملاحظات والأفكار.

بالمرور على منشورات النعي التي كتبها مثقفون سوريون، في الصحف أو على صفحاتهم الخاصة، يكتشف المرء أن عدداً منهم يعرفون رياض نجيب الريس معرفة شخصية، (وقد نشروا صوراً مشتركة معه)، وآخرين لم يلتقوا به شخصياً؛ ولكنهم تعاملوا معه عبر صحيفة المنار والمجلتيْن، الناقد والنقاد، التي كان يملكها ويديرها، أو نشروا كتبهم في دار النشر المهمّة التي تحمل اسمَه، أو في دار "الكوكب" الموازية، أو اشتركوا في مسابقة يوسف الخال للشعر، أو مسابقة مجلة الناقد للرواية اللتين كان يشرف عليهما. وكان المرحوم بارعاً في العمل التجاري (وهذا ليس عيباً، بل إنه ضرورة). لذلك، فتح مؤسساته على بعضها بعضا، كما لو أنها الأواني المستطرقة، فالروايات التي تشارك في المسابقة، ولا تحقّق المركز الأول، كان يفاوض كاتبَها على نشرها، ويمكن، كذلك، إحالة القصائد المتميزة المشاركة في مسابقة الشعر إلى مجلة الناقد التي كانت منبراً رئيسياً للإعلان عن إصدارات دار "رياض الريّس للكتب والنشر"، وهكذا.

عمد الراحل رياض، منذ بداية عمله في الصحافة، إلى وضع اسم والده نجيب وسط اسمه، وهذا ليس دليل وفاء لوالده وحسب، بل هو ضربة معلم، فنجيب الريّس (1898- 1952) صحفي وشاعر ومناضل مشهور، كانت جرأته على الفرنسيين من خلال صحيفته "القبس" سبباً في إغلاقها على نحو متكرّر، ونفاه الفرنسيون سنة 1922 إلى جزيرة أرواد، حيث أنشد، في سجنه، "يا ظلام السجن خيّم/ نحن لا نخشى الظلاما.."، وهذا مطلع قصيدة له لا تقل شهرة وتداولاً عن مطلع قصيدة لأبو القاسم الشابي "إذا الشعب يوماً أراد الحياة/..". وقد جرى تحريف ذاك البيت الشعري من الذين نقلوها أو غنوها، كما يقول الصحفي أنس العباس، فأصبح "../إننا نهوى الظلاما"، وهذا معنى غريب، فالمناضلون لا يهوون الظلام، حتى من باب النكاية، بل يعشقون النور، والفجر، بدليل ما جاء في البيت الذي يليه "../ فجرُ مجد يتسامى".

كانت محتويات مجلة الناقد تدل على أنها مجلة قوية وشجاعة، تسعى إلى التصادم مع الواقع العربي بقوة، ولكن بعض موادّها كانت أقرب إلى مفهوم الصحافة الصفراء، كزاوية "دليل القارئ إلى الكتاب الرديء" التي شكّلت تهديداً خفياً لكل من يعمل على إصدار كتابٍ في مجالٍ ما، والمقالة الطويلة التي كتبها حكم البابا وتهجّم فيها على شخصيات أدبية وثقافية سورية عريقة وذات تاريخ حافل، استهزأ بهم تحت يافطة عريضة، هي انتماؤهم للشللية الشيوعية! وعلى الرغم مما حملته هذه المادة من إساءات، إلا أنها كانت سبباً في شهرة مجلة الناقد بين السوريين، وسرعة تداولها بين المدافعين عن هاتيك الشخصيات من جهة، والشامتين بهم من جهة ثانية.. وأما الخدمات الجليلة التي تلقتها "الناقد" فكانت من الرقابة في وزارات الإعلام العربية التي كانت تمزّق صفحاتٍ منها، وهذا يثير فضول القرّاء، ويدفعهم للبحث عن محتويات الصفحات الممزّقة.

أخيراً؛ وبمناسبة هذا الحديث، لا بد من التنويه بالصحفي والمؤرخ المرموق، منير الريس (1912- 1992)، ومؤلفه "الكتاب الذهبي للثورات في المشرق العربي"، الذي يعد، بحق، من أهم المراجع المتوفرة في موضوع الثورات العربية.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...