دارفور: الطريق إلى الانفصال

22 فبراير 2025
+ الخط -

شهدت العاصمة الكينية نيروبي، الاثنين الماضي، اجتماعات التحالف السياسي الجديد، الداعم لتكوين حكومة في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع في السودان. ليست هذه الحكومة الموازية الأولى، لكن يبدو أنها ستكون الأكبر، فالتحالف الجديد يسعى إلى التوسّع عبر ضمّ المناطق الواقعة تحت سيطرة الحركة الشعبية لتحرير السودان - شمال، جناح القائد عبد العزيز الحلو. تضمّ هذه المناطق عاصمةً بديلةً جاهزةً، هي مدينة كاودا بمطارها. كما راج أن التحالف جهّز مساعدات وأجهزة طبية حديثة ستصل إلى مناطق سيطرته بمجرّد إعلان الحكومة. لكن هل تتّسع الاختلافات القبلية لهجرة أعداء الأمس إلى عاصمة خصمهم القديم، ومناطق نفوذه، لتأسيس عاصمةٍ للبلاد؟

يبدو تحالف "حكومة الدعم السريع" هشّاً ومثيراً للتأمّل. فهو يجمع كثيراً من التناقضات، وكثيراً من حملة السلاح الذين لا يتورّعون عن استخدامه، كما يجمع تنظيمات مسلّحة ومدنية، أغلبها انقسم عن تنظيمات أخرى. فالاقتتال والانقسام ليس خياراً بعيداً، خاصّة إذا أتى القائد الحلو إلى هذا التحالف يحمل أجندته المعروفة عن "علمانية الدولة"، بينما تأتي "الدعم السريع" تحمل أجندة السيطرة والسيادة، وحلم قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) بحكم البلاد مع شقيقيه. لا تبدو هناك "مشاريع" وطنية للتلاقي، إنما عدوّ مشترك، قد يجد الحلف الجديد صعوبةً في تحديده بدقّة. فحتى وقت قريب كانت قوات الدعم السريع هي اليد الباطشة لهذا العدوّ.

يواجه التحالف الهشّ ضغوطاً كبيرة من جهات عدّة، ومن ظروف كثيرة. أبرز الجهات هي المجتمع الدولي والإقليمي، ورفضه هذه الخطوة المهدّدة لوحدة البلد المضطرب. أمّا أبرز الظروف فهي تراجع مساحات سيطرة "الدعم السريع" مع تقدّم الجيش السوداني في عدّة مناطق، أبرزها العاصمة الخرطوم. وكان عددٌ من قادة الحلف الجديد قد بشّروا بإعلان حكومتهم من الخرطوم، لكن ذلك يبدو مجرّد أمنيةٍ غير واقعية مع خسارة "الدعم السريع" ما تبقّى من العاصمة المحطّمة بسرعة متزايدة. كما تضغط على هذا التحالف تناقضاته الداخلية، من جمعه أضداداً مختلفة، فيحمل بعضهم ثأراً ضدّ بعض، قد لا يستمرّ شهر العسل بينهم طويلاً.

الحكومة الموازية (بحسب زعم مؤيديها) لا تسعى إلى أن تكون دولة أخرى، إنما لأن تقاتل الحكومة العسكرية الموجودة حالياً، حتى تسيطر على البلاد. هكذا يحاول التحالف الجديد الهروب من تهمة "تقسيم السودان"، لكن الواقع أنها ستكون دولة أخرى، طال الزمان أو قصر. فحتى لو استمرّ النموذج الليبي (حكومتان في بلد واحد) لفترة، إلا أن الانفصال آت للبلد الذي جرَّبه قبلاً، لكنه لم يخرج به من دوّامة الاضطرابات والاقتتال الأهلي.

لم يكن الانفصال حلّاً لمشكلات البلد، الذي يقاتل نفسه منذ أكثر من نصف قرن. ورغم تبشير نظام عمر البشير بانطلاق البلاد في طريق التنمية، بعد التخلّص من عبء "الجنوب المختلف، ومثير المشاكل"، إلا أن السودان واصل الاحتراق في نار الحرب الأهلية باندلاع القتال في إقليم دارفور، قبل تسوية الحرب في الجنوب. اليوم يتكرّر الخطاب ذاته، الذي راج قبل انفصال جنوب السودان. خطاب عن العداءات التاريخية، وعن التشابه في الشكل والثقافة. خطاب عن المستقبل الذي ينتظرنا بعد التخلّص من الآخرين الذين يعوقوننا.

يبدو الانفصال الوشيك لإقليم دارفور مصيبةً تواطأ عليها الفاعلون. ربّما حتى أطراف من الحكومة العسكرية الحالية في بورتسودان، وقد جعلت انتهاكات وجرائم "الدعم السريع" في العاصمة الخرطوم، وولاية الجزيرة، خيار الانفصال جذّاباً للضحايا.

يرى المؤيّدون لإقامة حكومة موازية أن ذلك سيحلّ مشكلة الخدمات والأوراق الرسمية التي يواجهها كثير من السودانيين بعد الحرب لأسباب عرقية، كما أنه سيوفّر الحماية لضحايا غارات طيران الجيش. يبدو ذلك أمراً مشكوكاً في تحقيقه، حتى لو حصلت "الدعم السريع" على ما تحلم به منذ 2017. الطائرات الحربية... كانت هذه أزمة قائد "الدعم السريع"، وحلمه الذي سعى إليه كثيراً وفشل. تزعم المجموعات المؤيّدة لقيام حكومة موازية أن الحكومة تستطيع توفير طائرات حربية، وأنها ستحمي بها المدنيين من غارات طيران الجيش (!).

إعلان حكومة موازية سيزيد من تعقيد الحرب في البلد المنهك، ولا يملك المبشّرون بـ"حكومة السلام" غير التبشير بمزيد من القتال والحرب.