خيمة أم سعد والحركة الإسلامية الفلسطينية

خيمة أم سعد والحركة الإسلامية الفلسطينية

14 أكتوبر 2021

(معمّر مكّي)

+ الخط -

يقف عضو كنيست ليكودي ليوبّخ أعضاء كنيست عرباً و"مسلمين" لأنهم صوّتوا ضد قانون تدريس اللغة العربية في مدارس الكيان الصهيوني، ويزداد المشهد سوريالية، حينما يذكّرهم الليكودي بأن العربية هي لغة القرآن الكريم، وأن من المعيب على "حركة إسلامية" أن تقف ضد هذا القانون!

المشهد حينما تقتطعه من سياقه تُصاب فيه بالدوار، فكيف لـ"حركة إسلامية" أن تقف ضد مشروع قانونٍ كهذا، بل كيف لحركةٍ تنتمي للإسلام أصلا أن تعمل تحت سقف الكنيست الصهيوني، والذي لا يصبح عضوا فيه إلا من أدّى قسم الولاء للكيان؟

القصة تشبه مقارنة أو مفارقة أم سعد في قصة "خيمة أم سعد" للراحل غسان كنفاني، حينما قالت إن خيمةً عن خيمة تفرِق، كما أن حركة "إسلامية" عن حركة إسلامية أخرى تفرِق، فخيمة الفدائي غير خيمة اللاجئ. ولأن كل مقارنة عرجاء، كما يقول المثل الألماني فلا بد من كثير من الإيضاح، خصوصا لمن وقعوا فريسة أحابيل الساسة المتصيّدين، الذين يبحثون عن أي كذبة كي ينالوا من الحركة الإسلامية، أي حركة، في فلسطين أو غيرها. ونحن هنا لسنا بصدد تبرئة ساحة أحد، بقدر ما يعنينا وضع النقاط على بعض الحروف المعجمة.

رفض القائمة العربية الموحدة في الكنيست قانون تعليم اللغة العربية في إسرائيل كان بسبب التزامها برفض أي مشروع قانون تقدّمه المعارضة

أعضاء الكنيست العرب الذين صوّتوا ضد هذا القانون هم ممثلو "القائمة العربية الموحدة"، هذا اسمهم الحقيقي، وليس أعضاء الحركة الإسلامية. لكن اللبس أو النصب المقصود جاء من أصل تكوين القائمة، وهذا أمرٌ يحتاج بعض الشرح، ففي فلسطين، كما هو في غيرها، قامت حركة إسلامية مستلهمة فكر "الإخوان المسلمين" وغيرهم من جماعات "الإسلام السياسي". وكما هو مألوف في العمل السياسي، وقع الانشقاق والخلاف، كما حصل مع انشقاق حزب التحرير الإسلامي، مثلا، عن جماعة الإخوان المسلمين، بل إن هذه الجماعة نفسها "فرخت" الكثير من الحركات التي انتهجت سبيل العنف، وليس من الإنصاف هنا أن تُحاكم الجماعة بوصفها مسؤولة عمّن انشقّ عنها، وانتهج سبيل العمل العنيف، وهو بالضبط ما يجب أن يقال عما حصل في فلسطين أخيرا، بشأن الالتباس في تحميل الحركة الإسلامية وزر ما حصل في الكنيست الصهيوني.

وكي تتضح الصورة أكثر، لا بد من العودة قليلا إلى ما حدث بشأن التصويت على تعليم العربية في مدارس الكيان، حيث صوّتت القائمة العربية الموحدة التي يترأسها منصور عباس، وهي أحد مكونات الائتلاف الحكومي في الكيان، ضد قانونٍ تقدّم به عضو الكنيست عن حزب الليكود المعارض، ياريف ليفين، يطالب فيه بتعليم اللغة العربية بالمدارس. ودفع ذلك ليفين إلى مهاجمة القائمة العربية الموحدة، بعد رفضها مشروع القانون، قائلا باللغة العربية، مذكّرا بنشأتها "الإسلامية": "لا يوجد حركة إسلامية بالعالم تصوت ضد اللغة العربية لغة القرآن، عيب عليكم". وأضاف: "الكرسي أهم من اللغة العربية، أنتم حركة إسلامية؟ الكرسي أهم من اللغة. أنتم حركة إسلامية أم حركة كرسية؟ كل المسلمين في الدولة يجب أن يعرفوا أن الحركة الإسلامية ضد اللغة العربية". وبدا أن بعضهم وجد هذا التصريح فرصة ذهبية للنيْل من الحركة الإسلامية الفلسطينية، من دون أن يكلّف نفسه بالغوص في تفاصيل الصورة، ووقع جرّاء هذا، في روع بعض من لا يعرفون خلفيات المشهد، أنّ إسلاميي فلسطين مجرّدون من إسلاميتهم، وفلسطينيتهم حتى!

من الظلم تحميل اجتهادات هذا الطرف أو ذاك للإسلام وحركاته

الحقيقة الأولى التي يجب أن تُعرف، أن رفض القائمة العربية الموحدة القانون كان بسبب التزامها برفض أي مشروع قانون تقدّمه المعارضة، التزاما بشروط الائتلاف الحكومي الذي تشارك فيه. أما الحقيقة الثانية، وهي أكثر أهمية، فأن هذه القائمة لا تمثل الحركة الإسلامية في فلسطين، فهي جماعة انشقّت عن الحركة الأم. وباختصار، انشقّت الحركة الإسلامية الجنوبية عام 1995 عن الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل (المحظورة حاليا)، والتي يقودها الشيخ رائد صلاح. وترى الحركة الإسلامية الجنوبية في الكنيست "أداةً واقعيّةً وإضافيّةً لخدمة المجتمع الفلسطيني في الداخل، بعد اتفاق أوسلو، ويجب الانخراط فيه" وذلك على عكس حركة رائد صلاح "الشماليّة" التي ترفض أن يكون الكنيست منصّة ممارسة سياسية للفلسطينيين في داخل الأراضي الـمحتلة عام 1948.

ويعد الشيخ رائد صلاح رمزاً للمقاومة بين عرب 48، ولعب دوراً مهماً في التصدّي للممارسات الإسرائيلية، خصوصا في القدس، وضد المسجد الأقصى، فيما تشارك الحركة المنشقّة في الائتلاف الحكومي الصهيوني الذي يقوده رئيس الوزراء المتطرّف المستوطن، نفتالي بينت. وفي وسع من يريد الاستزادة العودة إلى المصادر التي تشرح كيف حصل الانشقاق، ولماذا رائد صلاح في السجن، فيما يجلس منصور عباس في مقاعد الائتلاف الحكومي الصهيوني.

خيمة عن خيمة تفرِق، وحركة عن حركة تفرق. ومن الظلم هنا تحميل اجتهادات هذا الطرف أو ذاك للإسلام وحركاته، من دون البحث في تفصيلات الصورة التي قد تخدع البسطاء الذين لا يكلّفون أنفسهم عناء البحث.