خليجيون في أسطول الصمود

05 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 10:06 (توقيت القدس)

سفينة من أسطول الصمود في ميناء أشدود بعد استيلاء إسرائيل عليها (2/10/2025 الأناضول)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

تناولت في مقالٍ سابقٍ، نُشر في فبراير/ شباط الماضي، بدايات التضامن الشعبي في بلدان الخليج العربي مع القضية الفلسطينية، على خلفية اختيار المنتدى الفكري السنوي للمنبر التقدمي في البحرين دورته أخيراً (الحادية عشرة) موضوع "شعوب الخليج العربي والقضية الفلسطينية"، حيث استعرض مقدّمو الأوراق من عدّة بلدان خليجية: السعودية والكويت وعُمان والبحرين، نشوء هذا التضامن ومراحله، تبعاً لتطوّر القضية الفلسطينية نفسها، منذ كان المشروع الصهيوني مجرّد فكرة، إلى أن نُفّذ باحتلال فلسطين وتهجير شعبها من أراضيه، بل باحتلال أراضي بلدان عربية أخرى.

يُستشفّ من محتوى تلك الأوراق أنّ تضامن شعوب الخليج العربي مع فلسطين وقضيتها لم يبدأ عشيّة النكبة في العام 1948، وإنما سبقها، لتشهد المراحل اللاحقة تطوّراً واسعاً في صوره ومداه، حيث تضاعف تفاعل شعوبنا في الخليج مع فلسطين، وصولاً إلى العدوان الصهيوني على قطاع غزّة منذ عامين، والذي يزداد وحشيةً وهمجيةً، حيث جرى تدمير القطاع كليّة، فلم يعد صالحاً للعيش، فيما استمرّ تهجير سكّانه من منطقة إلى أخرى، إضافة إلى جرائم تجويعهم المتعمّد، بغرض كسر إرادة من نجوا من القتل.

لذا تتعيّن قراءة مشاركة مواطنين خليجيين، من النساء والرجال، في أسطول الصمود، امتداداً للموقف الذي دأبت شعوب المنطقة على اتخاذه تضامناً مع نضال أشقائهم الفلسطينيين وصبرهم في وجه ما يواجهونه من بطش على مدار عقود، حيث انضمّ مواطنون من البحرين والكويت وعُمان وقطر إلى مئات المتطوعين من عشرات الدول، حاملين رسالة مزدوجة: التضامن مع غزّة المحاصرة وأهلها، وتأكيد أن وجدان الشعوب الخليجية لا ينفصل عن فلسطين مهما تغيّرت المعادلات الرسمية، وبين هؤلاء ناشطون في التضامن مع القضية الفلسطينية في بلدانهم، وأطباء وكتّاب، تعذّر على بعضهم مواصلة الرحلة لأسباب لوجستية، فيما واصلها آخرون، كالكاتبة العُمانية أمامة اللواتية التي أسرتها قوات الاحتلال مع كل من سامي عبد العزيز ومحمد عبد الله من البحرين، وعبد الله المطوع ومحمد جمال وخالد عبد الجابر من الكويت، شأنهم في ذلك شأن أشقائهم العرب وإخوتهم من مختلف البلدان المشاركين في الأسطول، حيث ترتفع الأصوات مطالبة بالإفراج عنهم، وحثّ حكومات المنطقة على الوقوف مع مواطنيها المحتجزين، الذين مثّلوا شعوبهم في هذه المهمة الإنسانية، وهم على علم بالمصير الذي ينتظرهم، حيث هدّدت دولة الاحتلال، منذ البداية، أنّها لن تسمح لسفن الأسطول ببلوغ غزّة، وستلقي القبض على المشاركين فيه.

من حيث الجوهر لا يختلف مغزى مشاركة مواطنين من بلدان الخليج في أسطول الصمود عن مغزى مشاركة ناشطين من بلدان عربية أخرى، وكذلك من بلدان من مختلف المناطق، ولكن يتعيّن القول إنّ مشاركة خليجيين تؤكّد صلابة واستمرارية الموقف الشعبي الخليجي الداعم لفلسطين وشعبها، وأنّ القضية الفلسطينية باقية في وجدان شعوب المنطقة، رغم اتسام بعض السياسات الرسمية في الخليج بالحذر أو التطبيع مع إسرائيل، بل تحمل هذه المشاركة، أيضاً، رسالة ضمنية برفض أي تقارب أو تطبيع مع العدو، فيما هو مستمرّ في قتل أشقائنا الفلسطينيين وتجويعهم وتهجيرهم.

أراد من شاركوا في أسطول الصمود، بمن فيهم مواطنو الخليج، إيصال رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي أنّ الحصار لم يعد مسألة فلسطينية فقط، بل قضية إنسانية عالمية تتقاطع فيها مشاعر شعوب ودول تمتلك تأثيراً متنامياً، كما أنّ رحلة الأسطول تشكّل رد اعتبار للتضامن الأممي مع القضايا العادلة، الذي عرفناه في مراحل تاريخية سابقة، وأظهر هذا التضامن هشاشة السردية الإسرائيلية الرامية إلى شيطنة كلّ ما هو فلسطيني وعربي، وإظهار المعتدي في صورة الضحية، غطاءً لما ارتكبه ويرتكبه من فظائع، كما يظهر ما بلغه الرأي العام في العالم من فهم وإدراك عميقَين لطبيعة الصراع الجاري في منطقتنا، بين أصحاب قضية وطنية عادلة سلبت أراضيهم وأهدرت حقوقهم وعصاباتٍ شوفينية متطرّفة، آتية، هي وأسلافها، من سياقات جغرافية بعيدة، إلى أرضٍ ليست لهم فيها جذور.

وبنظرةٍ على ما يدور حولنا، يمكن القول إنّه لم يسبق أن بلغت حملات نصرة فلسطين، منذ نشأت قضيتها، ما بلغته اليوم، ليس فقط بسبب ما أظهره العدو من وحشية، وإنما أيضاً لصمود الفلسطينيين وشجاعتهم، ولجهود حشد الرأي العام حول الحقّ الفلسطيني.

كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها
حسن مدن
كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها.