خلطُ أوراق في الإقليم

05 ديسمبر 2024
+ الخط -

استمع إلى المقال:

يستدعي التقدّم العسكري الذي حقّقته المعارضة السورية في محافظات حلب وإدلب وحماة، منذ الأسبوع الماضي، أسئلةً بشأن توقيته ودلالاته، في ظلّ التحوّلات التي يشهدها الإقليم منذ 7أكتوبر (2023)، وصولاً إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله.

وعلى الرغم من أن هذه المعارضة برّرت هجومها بأنه يأتي ''ردّاً على الضربات المتزايدة التي شنّتها القوّات الجوّية الروسية والسورية في الأسابيع الماضية ضدّ المدنيين في مناطق في إدلب"، وأيضاً لاستباق أيّ "هجمات من الجيش السوري''، إلّا أن ذلك لا ينفصل عن المتغيّرات الجيوسياسية، سواء المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية، أو بالعدوان الإسرائيلي على لبنان وغزّة.

كان للتطوّرات التي عرفتها الحرب الروسية الأوكرانية أثرٌ في إعادة صياغة الأولويات الروسية، بعدما أصبحت الجبهة الأوكرانية بالنسبة لموسكو معركةَ حياة أو موت في مواجهتها مع الغرب، ما يعني تراجعاً نسبياً في انشغالها بالملفّ السوري. صحيحٌ أن الروس لا يزالون يدعمون نظام الأسد، ويحتفظون بقواتٍ لهم في سورية، إلّا أن أوكرانيا تبقى أكثر أهميةً من سورية في حساباتهم. أيضاً، كان لتدخّل حزب الله في مجريات الحرب السورية دوره في ترجيح كفّة النظام على حساب المعارضة، لكنّ الضربة الموجعة التي تلقّاها، في حربه مع العدو الصهيوني، استنزفت جزءاً كبيراً من قوته، وجعلته يعيد ترتيب أولوياته، خاصّةً بعد اغتيال أبرز قادته السياسيين والعسكريين، وفي مقدّمتهم الشهيد حسن نصر الله، فضلاً عمّا لحق مخازن أسلحته من أضرار نتيجة القصف الإسرائيلي، وقد فرض عليه ذلك استدعاء معظم كوادره ومقاتليه الموجودين في الأراضي السورية. وبالطبع، فإن تراجعه وفقدانه جزءاً من أوراقه، وقبولَه باتّفاقٍ لوقف إطلاق النار يشكّل انتكاسة دالّةً لحليفته إيران، التي يبدو أن هناك توافقاً دولياً وإقليمياً على تحجيم دورها في سورية، بيد أن إصرارها على إرسال مليشيات شيعية موالية لها إلى دمشق لمؤازرة نظام الأسد يزيد المشهد الإقليمي تعقيداً، وبالأخص مع تطلّع تركيا لاستثمار هذه التطوّرات لمصلحتها، أولاً بإبعاد الوحدات الكردية (تعتبرها إرهابيةً) عن حدودها، وثانياً باللعب على التناقضات التي قد يخلفها تراجع النفوذ الإيراني في سورية. علاوة على ذلك، مثّل احتمالُ تطبيع تركيا علاقاتها مع النظام السوري في الفترة الماضية مصدرَ قلقٍ للمعارضة السورية، إذ إنه يفتح الباب، في حال تحقُّقه، أمام توافق سوري تركي روسي باستعادة النظام سيطرته على المناطق التي تقع تحت نفوذ المعارضة في شمال سورية.

لم تترك هذه التطوّرات هامشاً كبيراً أمام النظام لرصّ صفوفه وإعادة هيكلة قواته، لا سيّما أنه أخفق في معالجة الشروخ العميقة التي خلّفتها الحرب في النسيج المجتمعي السوري، بما في ذلك المناطق التي يُفترض أنها موالية له. وفي المقابل، كان ذلك فرصةً للمعارضة السورية للقيام بهجومها.

في السياق ذاته، تطرح تركيبة المعارضة السورية أسئلةً كثيرةً، ومنها تلك المتعلّقة بهيئة تحرير الشام المحسوبة على تنظيم القاعدة؛ هل اتّخذت القوى الإقليمية والدولية قراراً بإعادة النظر في محرّكات الصراع في الإقليم، وذلك بفتح جبهة استنزاف جديدة ضدّ روسيا الغارقة في المستنقع الأوكراني، ثمّ التغطية على المخطّطات الإسرائيلية المرتبطة بأعمال الإبادة والتطهير العرقي والتهجير في فلسطين؟ هل هناك تفاهمات إيرانية غربية، تتخلّى بموجبها طهران عن حليفها في دمشق في مقابل ضمان عدم تعرّضها لهجوم إسرائيلي أو أميركي؟

هناك خلط أوراق جديد في الإقليم، ربما يكون قد استدعى (على الأغلب) تقديم الدول الغربية الكبرى، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة، دعماً عسكرياً للمعارضة السورية، حتى لو كانت بعض أطيافها تندرج ضمن قوائم الإرهاب الدولية، ما دام ذلك يخدم المصالح الأميركية والغربية عموماً، وهو ما قد يُحوِّل سورية إلى ''أوكرانيا ثانية'' إذا ما تدخّل الروس لدعم نظام الأسد. ولعلّ السؤال الأكثر جدارةً بالطرح: هل يحتمل الإقليم إشعال جبهة روسية غربية جديدة، ربما تكون لها تداعيات ليس على النظام العربي ومحيطه الإقليمي فقط، بل على القضية الفلسطينية التي تجتاز منعطفاً خطيراً قد يُعجّل بتصفيتها إلى الأبد؟

95768568-C0E8-4560-9618-6131E931F5D6
محمد أحمد بنّيس

شاعر وكاتب مغربي