خطّة غزّة السيئة وانعدامها الأسوأ

08 أكتوبر 2025   |  آخر تحديث: 15:04 (توقيت القدس)

طفلة فلسطينية في شارع في دير البلح وسط قطاع غزّة (5/10/2025 فرانس برس)

+ الخط -

استمع إلى المقال:

السؤال الذي يحمله العنوان أعلاه ساذج، لا لأنّ عديداً من البنود العشرين لخطّة الرئيس ترامب بشأن غزّة سيئ فحسب، بل أيضاً لأننا نعيش في زمن القوة المجرّدة التي تحدّد وحدها كل المصائر مثلما يحصل في الغابة تماماً بلا أي اعتبار لأي اتفاق ولا معاهدة أو قانون. لم يكن العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية محكوماً يوماً بالعدل المجرد وبقوة القانون المطلقة، ولكنه لم يكن يُدار قبل زمن دونالد ترامب بحجم العضلات وبتقديس السفالة حصراً مثلما هو حاصل حالياً. والخطة التي يخبرنا وزير الخارجية الباكستاني محمد إسحاق دار بأنها غير التي عرضها ترامب على وزراء خارجية عرب ومسلمين في نيويورك وطرحت قطر والسعودية ومصر والأردن تعديلاتٍ عليها، واعترف الرئيس الأميركي نفسه بأن إسرائيل بادرت إليها، بالتالي "ستكون ممتازة لها"، قد يكون أسوأ ما فيها أن اسمي ترامب وبلير مذكوران فيها في البند التاسع الذي يمنح الأول رئاسة مجلس السلام المشرف على إدارة غزّة بعد الحرب، وينصّب الثاني مشاركاً في المجلس المذكور، ثم في البند العاشر بما يتعلق بالرئيس الأميركي جاعلاً منه خبيراً اقتصادياً لإعادة بناء غزّة. ورغم أن ذكر اسم ترامب يفوق بلير، فإنّ الامتعاض الأكبر صوّب على رئيس الحكومة البريطانية الأسبق. لذلك قد يكون مفيداً تذكير المعجبين بالقيادة الروسية في البلدان العربية والعالم الثالث عموماً بقول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس الماضي، تعليقاً على بند إنشاء هيئة دولية في غزّة، إن "توني بلير سياسي متمرّس ويمكنه أن يلعب دوراً إيجابياً".

بجردة تقنية تناقش بنود الخطة لا النيات ولا تقرأ الغيب، أي أنها تفترض أن ما كُتب سينفذ بالفعل أو أن ما سينفذ لن يبتعد جذرياً عن الخطوط العريضة لما تحمله البنود العشرين، فإن المواد 9 و10 و11 أسوأ ما فيها. التاسعة كما بات معروفاً في تنصيبها "مجلس سلام" برئاسة ترامب النقيض للسلام، ومشاركة أمثال بلير وصياً على إدارة غزّة، والعاشرة في تكليفها "لجنة خبراء ساهمت في تطوير مدن حديثة مزدهرة في الشرق الأوسط صياغة خطة تنمية اقتصادية بقيادة ترامب لإعادة بناء غزّة"، والحادية عشرة في حديثها الغامض عن إنشاء منطقة اقتصادية خاصة بتفضيلات جمركية يتم التفاوض عليها مع الدول المشاركة. في ما عدا ذلك، جدير القول إن فيها بنوداً تقطع الطريق نظرياً على تهجير سكان غزّة، وتبقي على القطاع فلسطينياً، وتفتح احتمالاً لإعادة الإعمار، ولعيش من بقي من أهله بسلام.

إذاً، هل خطّة دونالد ترامب لغزّة جيدة؟ لا شيء جيداً في عصر ما بعد عملية طوفان الأقصى الكارثية. لكن أسوأ ما يمكن أن يحصل لن يكون بسوء ما هو متحقق في عامي الإبادة الإسرائيلية. لن تكون البنود السيئة أسوأ من استمرار الكارثة في ظل موازين القوى الحالية عالمياً وإقليمياً، واندثار معسكر السلام الإسرائيلي ومنسوب الوحشية الإسرائيلية والدعم الأميركي المطلق لهذه الحكومة الإبادية. هل الموافقة على الخطّة استسلام؟ ربما، لكن أسوأ استسلام أفضل من استمرار الإبادة. اليابان استسلمت في نهاية الحرب العالمية الثانية، كذلك فعلت ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. ومعلوم أين تقع هذه البلدان الثلاثة اليوم في مراكز بين العشرة الأوائل عالمياً في كل شيء، اقتصادياً وتقنياً وفي معدلات جودة التعليم والحرية والرعاية الصحية والصحافة والوعي بتحديات البيئة والأوبئة والرفاه.

خطّة غزّة سيئة ولكنها أفضل بأشواط من استمرار الإبادة. الخطّة انعكاس لموازين القوى العسكرية، سيتم دهس كثير من بنودها في طريق التطبيق، ووحده وعي الفلسطينيين واتحادهم قد يقلّل من الخسارة على درب التنفيذ، هذا إن أُنجرت المرحلة الأولى وأطلق سراح الأسرى. لكن التجربة لا تعد بآمال كثيرة في سياق التعويل على وحدة فلسطينية، والأكثر فداحة إن انتظرنا مفاجأة من صنف حرص عربٍ معنيين بخطّة غزّة على استقلالية القرار الفلسطيني وعلى الحدّ من الخسارة العربية.