خطاب السيساوي الناعم جداً

خطاب السيساوي الناعم جداً

31 ديسمبر 2020
+ الخط -

بكلمات مستترة تارة، ومرّة ملتبسة، وأحياناً تدخل الكلمات إلى حيّز الخجل، حيث لا حاجة لهذا الخجل أصلاً، خجل بسيماء الفجور الخفي الذي لا يعلن عن نفسه أبداً، ولو حتى بالضحك، ومرّة بالضحك أو تجاهل الأحداث المهمة التي تمرّ بالوطن، وذلك بتحويل الموضوع برمّته إلى هدف شيكابالا في الأهلي أو جمال ياسمين صبري، أو لماذا لا تكبر، يا أخي، ليلى علوي رغم مرور هذه السنوات؟ 

لؤم من استحوذ على السلطة بالحيل، ويختار خطابه بدقة متناهية، لا متباهياً بسلطةٍ مخطوفة، ولا يعطيك أدنى أملٍ بتحسن الوضع، ما دام الناس كسالى، ويريدون كل شيء، ابتداءً من الوظيفة حتى رغيف الخبز على طبق من ذهب من دون عناء أو مشقة. خطاب يتخلّص من أي مسؤوليةٍ سياسيةٍ للحاكم من أي نوع من سنواتٍ تقترب من الثمانية. وأحياناً، بالضحك الهادئ والمكيدة، يحيل جذر أسباب الفشل إلى "سنة الإخوان"، ووقفتهم ضد المسيرة. تضحك، فيضحك، ويتساءل: هل تعلم كم تتكفّل الدولة أمنياً لهذا الاستقرار؟ وكم تتكفّل الدولة لإدارة المحاكم وحراساتها؟ أرقام مهولة بالطبع. تضحك، فيكمل لك نقص عوائد السياحة وكورونا وعودة ملايين العاملين في الخليج، تسأله ضاحكاً: وهل للإخوان دخل في ذلك؟ يضحك ويقول لك: بالطبع لا، وإلا ما زادت تحويلات العاملين بالخارج من 18 إلى 26 مليار دولار، تقول له: إذاً، الدولة تعمل بكامل قوتها، بصرف النظر عن إخوان أو غيره، والدليل أن الحكومة، عوّمت الجنيه وتحمّل الناس، وموّلت حفر التفريعة وتحمّل الناس، وما زالت مرتباتهم على أساس سنة 2014، وتحمّل الناس ولم يقوموا بثورة ولم يقطعوا الطرق، كما حدث خلال "سنة الإخوان". واكتُشِفَت حقول ذهب وبترول وغاز، ولم يظهر ذلك على المواطن، بل زاد سعره على المواطن البسيط خمسة أضعاف، وما زال عبد الفتاح السيسي يقول للناس: "إحنا فقرا أووووي"، فلماذا تأخرت التنمية الموعودة على الرغم من مرور هذه السنوات، ومن تحمّل المواطن كل شيء، حتى أن 77% من مجمل الميزانية من جيب المواطن "الفقير أوي"؟ يضحك السيساوي الناعم جداً، ويطلب الطاولة. 

السيساوي الناعم جدا يضحك في هدوء، بشكلٍ ما، لمسخرات مرتضي منصور، طولاً وعرضاً، لأنه يعرف تماماً في أي قناةٍ تصبّ، وتطيل عمر النظام، حتى وإن أربكته ببعض الألفاظ الخشنة في صدور أعدائه، وراضٍ جداً عن تحليلات إسلام بحيري، وحتى وإن خرجت عن مألوف الدين، ويبستم لكل الدماء التي تقطر، ويحللها إبراهيم عيسى من بين أوراق الفقه الإسلامي فقط، بعدما ملأت عروق رقبة المصحف، من دون أن ينظر، ولا إلى أي قطرة دم واحدة، أتت من الغرب في حروبٍ سجلها التاريخ. 

السيساوي الناعم جداً لا يمتدح النظام وأبقاره علناً، وهي تأكل بالملايين من جيوب رجال أعمال النظام كبقرة أحمد موسى، أو أرانب أماني الخيّاط، أو حتى أفيال عبير موسى في تونس "وهي تشرب من آبار الإمارات وترتع تحت أبراج أبوظبي"، أو حتى ضاحي خلفان وهو يتوجه بقلبه إلى "إسرائيل"، راكعاً بالأمر المباشر. ولا يتكلم السيساوى الناعم جداً عن التطبيع من سنوات أبداً، ولكنه يفسّرها "بضعف عام للمرحلة". 

السيساوي الناعم جداً لا يرى في حليفه حفتر "بعد التعديل" جنرالاً أميركياً انهزم، ثم قضى جل عمره بجواز سفر أميركي، ولا أولاده يتاجرون في الخردة أبداً، بل يكاد أن يشير إليك أنه "غيفارا بتاعنا في الغرب الليبي رغم أننا لا نضمر إلا السلام لشعب ليبيا". السيساوي الناعم جداً فيه من بركة اليسار بقية باقية للتحليل والاستراتيجية، وفيه من جمال عبد الناصر صواريخ حلوان وطائرات حلوان، مع أن كل القطاعات تباع، ولكن هذا فقط لأن "الناس أصبحوا لصوصاً وفقدوا فكرة الانتماء الصحيح إلى الوطن". السيساوي الناعم جداً ما زال متمسّكاً بالدولة المدنية التي يؤسّس لها الجنرال من سنوات، وقد وضع خرسانة أساسها في "طرق كده"، وكباري ربطت العاصمة بالأطراف بسيناء بمطروح بالصعيد بالدلتا تسأله: وهل المدنية "طرق وكباري"، أو قوانين تساوي ما بين مواطنيها في الحكم والثروة؟، يضحك على كلامك، ويقول إنه "بيفكرني بالتلفزيون"، تسأله عن حادث مزلقان اليوم يقول لك: "إهمال بشري والمسيرة انطلقت والأخطاء لن تنتهي ما دام الإنسان"، ويطلب زهرين جديدين "للعشرة" الجديدة.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري