حين تقرع "حماس" باب دمشق

حين تقرع "حماس" باب دمشق

05 يوليو 2022
+ الخط -

لا يرقى ما هي بصدده هذه العجالة إلى مستوى قضية رأي عام، سواء أكان ذلك على الصعيد العربي أم كان في المجال العام الفلسطيني، كما لم يكن النبأ الذي لم يحظَ بالتغطية الإعلامية محلّ نقاش علني إلا في أضيق الحدود، ليس لقلة اهتمامٍ بالحدث الواقع على هامش التطورات الكبيرة الجارية بتسارع شديد في غير مطرح واحد، وإنما لأنّ الأمر مجرّد كلام في كلام، لم يترتب عليه أي فعل يبرّر الانشغال الواسع به.
قبل أكثر من أسبوع، أعلنت حركة حماس، على لسان مصدر رسمي فيها، أنّها أخذت قراراً بعودة العلاقات مع دمشق، بعد نحو 11 عاماً من مغادرتها العاصمة السورية، إثر انفجار ثورة الحرية والكرامة التي كانت تبشر ببزوغ فجر سوري ديمقراطي مديد، قبل أن يدخل على خطها الإرهاب، ويتآمر عليها المتآمرون من كل حدب وصوب، فكان قرار الحركة الوازنة أخلاقياً ومعنوياً قراراً مهماً في حد ذاته، جرّد نظام الأسد من ورقةٍ كان يتغطّى بها لتسويغ خطابه الزاعم أنه يتعرّض لمؤامرةٍ كونيةٍ، جرّاء موقفه المبدئي إزاء القضية الفلسطينية.
واليوم، وقد قرّرت "حماس" العودة إلى حضن الأسد، فإنه يمكن تسجيل ملاحظاتٍ جديرةٍ بجملة من علامات الاستفهام والتعجب: أولاها، أن القرار من جانب واحد، وهو أقرب ما يكون إلى إعلان نيات. وثانيها، أن دمشق لم تستجب لمثل هذه الرغبة التي يبدو أنّ حزب الله قد عمل عليها منذ مدة. وثالثها، أنّ المسألة لم يجرِ النقاش فيها إلّا من جانب كتّاب قلائل مؤيدين للحركة الإسلامية في الخارج، من دون أن ينبس أحد من قادة الحركة ببنت شفة. ورابعها أنّ المعلقين على القرار تساءلوا بحرقةٍ وتشكيكٍ عن العوائد التي ستجنيها المقاومة في غزّة.
في التفاصيل المتصلة بهذه الملاحظات، يمكن القول إنّ القرار الذي تفرّدت به "حماس" بين سائر الفصائل المقيمة في دمشق، قبل نحو عقد، كان صحيحاً، يُحسَب في ميزان حسناتها، كما نال استحسان المعلقين السوريين المعارضين، وأثنى عليه كتّاب ومثقفون فلسطينيون كثر، بمن فيهم منتقدون للإسلام السياسي، فيما أثار قرار العودة هذا جزع مؤيدي الحركة المجاهدة، أكثر بكثير من غضب المتحفّظين على أدائها الداخلي وسياساتها الخارجية، ففيما ظل الصمت مطبقاً لدى منتقدي "حماس" إزاء هذه العودة غير الميمونة، تبارى مريدوها على التنديد بها، (اعتبرها بعضهم خطيئة) وإبداء مشاعر الدهشة على منح النظام القاتل المعزول شرف المصافحة المجانية، مجاملةً لإيران وحزبها اللبناني، في هذه اللحظة السياسية البائسة.
ويبدو أنّ الطريق إلى دمشق ليست سالكة بعد، إذ لم تصدر أدنى إشارة، رغم مرور ما يكفي من الوقت، إلى ترحيب نظام الأسد بهذه العودة، على العكس مما كان يبديه ناطقوه من ترحيبٍ بالغ، وتهليل بأي تصريح عربي داعم، أو بوصول زائر عزيز إلى "قلب العروبة النابض" أتى يعضّ على أصابع يديه، نادماً على انسياق بعض الأشقاء وراء المؤامرة الصهيو- أميركية، حتى أن إدانة "حماس" العدوان الإسرائيلي، أخيرا، على مطار دمشق، قد جرى تجاهلها إعلامياً، مع أنّ تنديد الحركة هذا كان الصوت العربي الوحيد الشاجب للاعتداء الذي أخرج المطار عن الخدمة نحو أسبوعين.
وإذا أجاز المرء لنفسه الدخول على خطّ السجال، فإنّه سيقول إنّ الحركة المحاصرة في القطاع المحاصر تتصرّف بعقلية المأزوم، وتأخذ مواقفها تحت الضغط، تقاتل ببطولة في الميدان وتخسر في السياسة، وما قرار العودة إلى دمشق، التي ليس فيها خيلٌ تهديها ولا ماء، إلّا أحد تجليات هذه الخسائر الفادحة للحركة التي تعتمد استراتيجية صائبة، وتنتهج تكتيكات طائشة، تماماً على ما بشّرت به معركة سيف القدس من مكاسب سياسية، ضاعت سدىً في حمأة المنافسات الداخلية على فتات مصالح جزئية.
وأحسب أنّ قرار العودة إلى حضن الأسد، الذي يصعب عليه تقبّل الأمر من دون اعتذار علني من قادة "حماس"، الذين قال فيهم الشبّيحة كلاماً أكثر مما قاله الإمام مالك في الخمر، يندرج في إطار عملية استرضاء إيران، الحريصة على بقاء "حماس" خرزة زرقاء في حلف الممانعة، للتغطية على حقيقة هذا الحلف المذهبي، المهووس بزعزعة العالم العربي، وأخذه من الداخل، الأمر الذي سيجعل من هذا القرار خطوة إلى المكان الخطأ في الوقت الخطأ، يبرّر لمعظم العرب تشديد الحصار على الحركة المحاصرة.

45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي