حياة وسط العدوان

21 مارس 2025

عائلات فلسطينية تهرب من القصف الإسرائيلي في بيت حانون شمال قطاع غزّة (18/3/2025 لأناضول)

+ الخط -

يبدو أن أمل خلاص المنطقة العربية من الحروب والصراعات والاعتداءات بات معدوماً، فمع كل بارقة أملٍ تشي بأن هدوءاً في طريقه إلى الاستتباب، تعود بنا الأحداث إلى النقطة الصفر، للبدء مجدّداً بالبحث عن وسيلةٍ لضمان الاستقرار والعودة تدريجياً إلى ما يشبه الحياة البشرية الطبيعية، التي لا تعيشها كثير من دولنا العربية، وخصوصاً في الشرق الأوسط.

وفي العادة، لا يكون الطريق إلى ذلك مفروشاً بالورود، فالوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزّة مرّ بمراحل امتدّت أكثر من سنة، قبل أن يحصل التفاهم حوله. وخلال هذه الفترة، كانت آلة الحرب الإسرائيلية تواصل قتل الغزّيين وتدمير ما تبقى من منازلهم. انهيار الاتفاق اليوم، وعدم الاتفاق على مرحلته الثانية، واستئناف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة وسقوط مئات الشهداء خلال أيام قليلة، تعيد المفاوضات إلى بدايتها، وهو ما بتنا نشهده يومياً من الاتصالات والرحلات المكوكية بين الدوحة والقاهرة.

عملياً، يمكن القول إننا عدنا كلياً إلى مرحلة استمرار العدوان، وكأن هذا الاتفاق والهدنة التي رافقته فترة وجيزة، لم يكونا. عُدنا إلى المشاهد اليومية للمجازر المرتَكبة بحق النساء والأطفال، وإلى الإدانات والمقترحات والمفاوضات، التي قد تستمر شهوراً، بينما نحن سنعتاد مجدّداً، حتى البلادة، على الصور الواردة إلينا من قطاع غزّة، ونلعن في داخليتنا الصمت العربي والتآمر الغربي والإجرام الإسرائيلي، ونمضي بشكل طبيعي في يومياتنا.

الأسوأ في عدوان اليوم على قطاع غزّة أنه يأتي في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبتنسيق كامل بين إسرائيل والولايات المتحدة. فرغم أن العدوان منذ بدايته في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كان مدعوماً من إدارة جو بايدن، إلا أن هناك مراحل مرّ بها هذا الدعم بخلافاتٍ كثيرة وضعت تزويد إسرائيل بالذخائر على المحك. لكن الوضع الآن مختلف، خصوصاً أن التنسيق والدعم مرتبطان بمشروعٍ مشتركٍ عنوانه تهجير سكان قطاع غزّة وتحويله إلى مشروع عقاري استثماري. ويبدو أن ترامب لا يزال متمسّكاً بهذا المشروع، الذي لم يفلح في تنفيذه بالضغط السياسي، فأرفقه، بالتعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالضغط العسكري لتدمير ما تبقى من أماكن صالحة للعيش في القطاع.

لا يقف هذا التنسيق عند حدود قطاع غزّة، بل امتد إلى ما يمكن اعتبارها "آخر جبهات الإسناد" التي فتحت في بداية العدوان، فبعد تحييد حزب الله في لبنان والمليشيات العراقية، لم يتبقّ غير الحوثيين في اليمن، الذين حاولوا خلال الشهور الماضية تقديم دعم لقطاع غزّة عبر إطلاق الصواريخ أو اعتراض الملاحة في البحر الأحمر. ومع عودة العدوان على القطاع، أعلن الحوثيون استئناف "الإسناد"، ليقابل ترامب ذلك بإدخال الجيش الأميركي مباشرةً في الحرب عبر غاراتٍ مكثّفة على مناطق متفرّقة في اليمن، وأعلن إطلاق "عملية حاسمة" ضد الحوثيين، مع توعّدهم بـ"الإبادة التامة". وهو ما قد يتطوّر في الأيام الماضية إلى ما هو أوسع.

لبنان أيضاً، ورغم إضعاف حزب الله وإخراجه نسبياً من معادلة العدوان على غزّة، لا يزال مسرحاً للاعتداءات الإسرائيلية التي تستبيح الجنوب والبقاع من الجو والبر، فالغارات والتوغلات لم تتوقّف، والاغتيالات تحصل بوتيرة عالية من دون ترقّب أي نوعٍ من الردود من الجانب اللبناني بعد الاتفاق الذي أبرم نهاية العام الماضي، والذي يبدو أنه يتضمّن بنوداً تشي عملياً باستمرار العدوان على لبنان، لكن من جانب واحد.

هذه الحياة وسط العدوان مرشّحة للاستمرار فترة غير قليلة، في ظل انسداد أي أفقٍ لحلولٍ دائمة، وهو ما يترافق مع عجز عربي وغربي كلّي عن تغيير واقع الاعتداءات شبه الدائمة.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".