حملة روسية لمصلحة نظامٍ مفلس

حملة روسية لمصلحة نظامٍ مفلس

14 مارس 2021
+ الخط -

يفتتح وزير الخارجية الروسي، لافروف، في زياراته الخليجية مسارا ثالثا للتشاور ومحاولة تقديم حل يخص الوضع السوري المعقد، فالملف ما زال مفتوحا على مستوى الأمم المتحدة، وهناك مبعوث لأمينها العام إلى سورية، يقوم بتنسيق الجهود ووصل إلى نقطة اللجنة الدستورية، وهي يمكن أن تستمر وقتا يمتد إلى سنوات، قبل أن تجد مخرجا مناسبا، في ظل تمييع النظام هذا الاستحقاق. وهناك مسار أستانا الذي بدأ على شكل تشاور بين روسيا وتركيا وإيران، وقد بدا حينها أن جلوس إيران وتركيا على طاولة واحدة، وأمامهما الملف السوري، يبشّر بنوع من التراخي الذي قد يؤدّي إلى حل ما، ولكن ما أسفر عن كل مسار أستانا كان تراجعاتٍ في موقف المعارضة العسكرية، وصولا إلى راهنٍ ثبتت فيه الجبهات، محاطة بمجموعةٍ من نقاط المراقبة التركية، ونقاش مطوّل بشأن طرق المواصلات الأساسية. وتأتي الجولة الدبلوماسية اليوم في ظرف وصول النظام في دمشق إلى حافّة الإفلاس، وتجاوز الوضع المعاشي العام حالة المجاعة. برعاية روسية، تفتتح مشاورات مسارٍ ثالث، أعمدته روسيا وتركيا وقطر، مع غياب لإيران، في دلالة على أن روسيا قد تنحو منحىً مختلفا عن الذي اعتمدته في السنوات السابقة.

استبق لافروف الاجتماع الثلاثي في الدوحة بلقاء وزيري الخارجية السعودي والإماراتي في الرياض وأبوظبي، فيما يبدو محاولة لإطلاعهما عما سيدور في الاجتماع الثلاثي وطريقةً دبلوماسية مقبولة للقول: أنتم معنا. ولكن ما خرج عن وزراء الخارجية الذين مرّ بهم لافروف يدعو إلى إعادة القراءة عدة مرّات، فالسعودية والإمارات كرّرتا مواقف سابقة عن الحل السلمي، وزادتا عليه بالحديث عن عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، فيما ترى الدوحة، كما عبر وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن الظروف التي أودت بالنظام إلى خارج الجامعة ما زالت قائمة، غير أنها مع حل سلمي ومساعدة الشعب السوري. أما وزير الخارجية التركي، شاويش أوغلو، فقد رد بصورةٍ جمعته مع رئيس الوزراء السوري المنشق، رياض حجاب، في إشارة واضحة إلى تبنّي المعارضة بشكل كلي، وخصوصا ذلك الجزء "العاقل" القابل للنقاش، بعيدا عن التحشد العسكري. يمكن أن يمثل حجاب بديلا مقبولا، ولكنه شخص واحد، فيما البحث يدور عن تيار متماسك واسع وقوي.

يبدو أن روسيا ترى انكفاءً أميركيا عن الخليج يلوح في الأفق، وقد صدر عن إدارة جو بايدن ما يفيد بأنها ستعيد النظر في سياسة بيع الأسلحة للمنطقة وصيغ التحالف، ووضعت قضية خاشقجي على رأس ملفاتها في الخليج. وقد جعلت طريقة التعاطي الأميركي هذه مع السعودية، روسيا ترى أن هناك نافذة مفتوحة على الخليج، قد تسمح معها السعودية والإمارات بمزيدٍ من التقارب، ما يجعل الملف السوري قابلا لبعض الزحزحة في المواقف، وكل ما تبحث عنه روسيا أموالا خليجية تضخّ في السوق السورية، لتستفيد من ريوعها في تمويل بقائها الطويل، وبعث بعض الروح في الأسواق السورية التي أصابها موات الإفلاس. ولكي يمعن الروس في تصديق الحلم الذين يرسمونه، لا بد من استرضاء قطر وتركيا، فمن دونهما لا يمكن التقدّم خطوة واحدة.

لا تبدو الخطوة الروسية قابلة للنجاح، في ظل سياسة أميركية ما زالت ترى أن لها مصالح حيوية في سورية. ولا تبدو المواقف الأميركية المنكفئة تجاه الخليج نهائية، وهي قابلة للمراجعة والتدقيق مرارا. ولا تبدو الإدارة الأميركية مستعدّة للتخلي عن قوانين الضغط الاقتصادي المطبقة على سورية وعلى روسيا كذلك، ولا يبدو الاتحاد الأوروبي أيضا في موقفٍ مساندٍ لما تحاول روسيا أن تقول به من استجداء للأموال، خصوصا أنه لا توجد خطة روسية أو استعداد منها للتخلّي عن بشار الأسد الذي يستعد لتجديد حكمه سبع سنوات أخرى، بينما الإفلاس يحيق بالبلاد.