حملة إعادة بناء منظمة التحرير .. لماذا الآن؟

حملة إعادة بناء منظمة التحرير .. لماذا الآن؟

20 يونيو 2021
+ الخط -

عند الوصول إلى مرحلة طرح سؤال "لماذا الآن؟"، يكون السائل قد تجاوز حدود القناعة أو التردد إلى حيز التشكيك، على الرغم من أن الأصل في السؤال بحثي أو استفهامي، إلا أنه، فلسطينيا، تشكيكٌ ملثم ليخفي عشرات الأسئلة التخوينية. وإذا توقف أي فاعل فلسطيني عن فعله، منتظرا كل الإجابات على سؤال "لماذا الآن؟"، فإن الفلسطينيين سيجدون أنفسهم كأعمدة سبسطية، أو أنصافها، الملقاة والمعرّضة لخطر الاندثار أو الإخفاء أو النهب.

كانت الحملة الوطنية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية جاهزة لتنطلق منذ أشهر، وظلت تنتظر اللحظة الأنسب بالاعتماد على معطيات مختلفة، حتى وصل الأمر إلى تحديد 27 الشهر الماضي (مايو/ أيار)، مع العلم أن هذا التاريخ كان قد حدّد منذ شهر مارس/ آذار، من دون الضرب بالمندل ومعرفة ما سيجري في شهر رمضان وأحداث القدس، وما تبعها من نضال شعبي ومقاومة في فلسطين وخارجها. لذلك، لم تتعامل الحملة في تاريخ إطلاقها بوصولية وانتهازية، أو ضعف جهة على حساب أخرى، إلا بانتهازية واحدة، مردّها أن الحاجة أصبحت ماسّة، بل وملحة، لممثل وطني لكل الفلسطينيين، فأطلقت نفسها. وبذلك يمكن أن نضيف وصف الانتهازية لنعت الحملة.

وإذا انزعج بعض من يسمّون أنفسهم "القيادة" من إطلاق هذه الحملة، مكرّرين الأسطوانة نفسها إن معركتنا حاليا ضد الاحتلال، وليست فلسطينية فلسطينية، فإن الحملة تؤكد على المعركة نفسها التي تُنظّر لها تلك القيادة خطابيا نصيا، من دون عمل، إلا في مجلات حائط السلطة الفلسطينية المنصوبة على مؤسسات المنظمة المسلوبة.

مطالبة بقيادة وطنية منتخبة، يفرزها صندوق الاقتراع الذي سيتحدّى تأثيرات المناخ في كل دولةٍ على سطحها تجمع فلسطيني

نعم، معركة الحملة مع الاحتلال الذي لا تصدّه إلا مقاومة وطنية، تعمل ضمن استراتيجية عمل وطنية، يقرّها مجلس وطني أو قيادة تمثل الفلسطينيين، مقاومة غطاؤها الحراك الشعبي والقيادة السياسية الفلسطينية الشاملة، قيادة تدرك تماما كيف تستثمر بكل قطرة دم فلسطينية سالت في الأقصى أو الشيخ جرّاح أو حي تل الرميدة أو جبل صبيح أو غزة أو اللد أو اليرموك أو عين الحلوة، فلم تتحول البوصلة، وإنما زاد طول الطريق، بحكم الظروف التي فرضتها السلطة على كل الفلسطينيين.

يرى كتاب وناقدون إشكالا في مطالب الحملة، لظنهم أنها وجدت لتقف أمام مقرّات المنظمة، وتطالبها بإعادة بناء ذاتها، طارحين حلا بديلا بإنشاء قيادة مؤقتة، تقوم بتسيير الأعمال، حتى تصل بنا إلى انتخابات المجلس الوطني، أو قيادة مؤقتة بلا غطاء سياسي لمدة سنتين، كما يطرحه بعضهم ممن يغفلون عن أنه، وبالحديث عن مثل تلك القيادة المؤقتة، نعود إلى المعضلة نفسها، والملاحظة التي يستخدمها أصحاب فكرة القيادة المؤقتة أنفسهم ضد الحملة، فعلى أي أساس ستشكل تلك القيادة؟ ومن الذي سيسمح لها بالتصرّف؟ أليست هي القيادة نفسها التي لا نثق بها ونريد تغييرها؟

قارئ نصوص الحملة والمتابع لها سيصل إلى نتيجة أن الحملة تذهب إلى محاولة القفز عن هذه القيادة بقرار شعبي، وعدم انتظار المنّة والصدقة الجارية بصندوق اقتراع على قارعة الطريق يسد رمق الفلسطينيين المتعطشين للديمقراطية. وقد قدّم حيان جابر مقالة ناقدة للحملة، تحت عنوان "عن معضلات الجسم السياسي الفلسطيني" في "العربي الجديد"، أراها داعمة للحملة، على الرغم من نقاط النقد الثلاث التي فصلها الكاتب، نعم الداعمة، لأنه، أراد أو لم يرد، فإنه قد طرح وجهة نظره الخاصة عن إعادة بناء منظمة التحرير، وهذا هو الأهم، وان اختلف مع الحملة التي لا تملك كل المفاتيح وكل الحلول السحرية التي ربما يتسرّع بعضهم بطرحها، حين الحديث عن إعادة بناء المنظمة أو الانتخابات. وقد استخدم الكاتب معنى المحتوى البراق والخادع للحملة، وهنا لا بد من الرد والإفصاح عن بريق الحملة الخادع للعيان.

اسم الحملة ووجودها يكفيان لأن يسجلا لها دورا وشكلا من أشكال التغيير والأثر الذي ستتركه أينما حلت

بريق الحملة أنها تطالب بقيادة وطنية منتخبة، يفرزها صندوق الاقتراع الذي سيتحدّى تأثيرات المناخ في كل دولةٍ على سطحها تجمع فلسطيني، وهذه القيادة ستحدّد كل الأمور الأخرى، والتي من المفروض أنها تقع على عاتق منظمة تحرير فلسطينية، من تمثيل للفلسطينيين، والمحافظة على هويتهم وتاريخهم وقيادة مشروعهم الوطني. هذا هو البريق اللامع. أما الخدعة في الموضوع فهي إن خلف المطلب الرومانسي، والمحق، بالديمقراطية، فكرة فلسطين كل فلسطين من نهرها إلى بحرها، وإن فلسطينيي الـ 48 سينتخبون أيضا من يمثلهم في هذا المجلس الوطني. والخدعة الثانية أننا بتلك الانتخابات نطالب بإزاحة كل الفاسدين والمستبدين والمستسلمين وخائني الأمانة الوطنية، لتتبدّل تلك الوجوه الصدئة إلى وجوه شابّة تُبرق لنا أملا جديدا. والخدعة الثالثة أن دور الحملة لا يتوقف عند الانتخابات نفسها، بل تستمر في نشاطها حتى تجسيد إعادة بناء منظمة التحرير، واعتماد المشروع الوطني الفلسطيني التحرّري.

لم تعتمد الحملة الوطنية لإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على العرائض، ولا تستبعدها أسلوبا إن احتاج لها الأمر مستقبلا، ولكون الحملة شعبية، فإنها تضع المطلب الشعبي بين أيدي أبناء الشعب الفلسطيني، وتجعل منه مطلبا وطنيا عاما، وإن دفع مناصريها ومتبني فكرتها إلى خط المواجهة، حتى يعم هذا المطلب الشارع الفلسطيني، ولتهشّم الحملة من خلاله كل حواجز الخوف والتردّد، وعدم الفهم الحقيقي للمشكل أحيانا أو عدم الوضوح القانوني للواقع أحيانا أخرى. ولنا في حي الشيخ جرّاح مثل، فاللبس في الوضع القانوني لعقود الإيجار وغيرها من الوثائق لم يمنع الشعب الفلسطيني من أن يقرّ حقا من حقوقه، ببقاء أهالي الحي في بيوتهم، وبالطريقة نفسها، سيقر حقه بممثل فلسطيني شرعي، وإن التبس عليه الأمر بفعل فاعل.

يدرك القائمون على الحملة تماماً أن الآراء ستختلف في ما يخص توجهاتها وأهدافها وطريقة عملها وتوقيتها

اسم الحملة ووجودها يكفيان لأن يسجلا لها دورا وشكلا من أشكال التغيير والأثر الذي ستتركه أينما حلت، وحينما تصل، بفكرتها ومطالبها، إلى أسماع 14 مليون فلسطيني وأبصارهم، محرّضة إياهم على رفع الصوت عاليا، للمطالبة بإعادة بناء المنظمة من خلال انتخابات مجلس وطني، مرورا بتشكيل قيادةٍ جديدةٍ، ووصولا إلى برنامج وطني مبني على الثوابت الوطنية وميثاق المنظمة لعام 1968، فنجاح الحملة سيقاس بمدى التفاعل الشعبي مع مطالبها على المدى البعيد، وليس بتحقيق الأهداف نفسها فقط.

بالنظر إلى الوضع الفلسطيني العام، بتناقضاته أو توافقاته، وبوحدته أو فرقته، وبأمله أو تشاؤمه، فإن القائمين على الحملة يدركون تماما أن الآراء ستختلف، فيما يخص توجهاتها وأهدافها وطريقة عملها وتوقيتها، فلم يعد مفاجئا أن يرى بها بعضهم بريق أمل، وأن يرى آخرون في ذلك البريق خدعةً، بينما يرى فيها مفكّرون حملةً ينقصها طرحٌ لدستور جديد للدولة الفلسطينية، أو أنها تكتل ساحر، سينتج شكلا للانتخابات، ويضع مقياسا لمن هو الفلسطيني، بل وربما أنه سينفذ الانتخابات نفسها، ويختار من سيترشّح لها، وربما من "يجب" أن ينجح فيها.

فلا "يجب" بخطاب الحملة إلا "اليجب" الملقاة على من يصفون أنفسهم بالقيادة، ولن تطرح الحملة على الشعب الفلسطيني أطروحات واقتراحات ونظريات أساسها "يجب"، بل أساسها النضال من أجل استرداد الحقوق الفلسطينية من كل من استولى عليها. ولذا فإنها حملة "لنعمل سويا" من أجل ما نستحق.

أحمد فراسيني
أحمد فراسيني
إعلامي وسينمائي ورسام كاريكاتير فلسطيني في بلجيكا