حماس أيضاً وأيضاً

حماس أيضاً وأيضاً

24 مايو 2021
+ الخط -

افتقد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، الشيخ محمد حسين، إلى مقادير واجبةٍ من الحصافة، وإلى التقاط الحسّ العام، عندما خصّ، في خطبته في صلاة يوم الجمعة الماضي في المسجد الأقصى، الرئيس محمود عبّاس بالإشادة، واعتصم عن إزجاء مثلها إلى المقاومة التي كانت للتوّ قد أعلنت وقفا متزامنا لإطلاق النار مع جيش الاحتلال. وأيضا عندما لم يبادر إلى إقامة صلاة الغائب على شهداء العدوان الإسرائيلي. ولكن انتقاد الشيخ على هذا لا يعني أبدا قبولا بتهجّم مصلّين غاضبين من السلطة الفلسطينية على شخصه، وهتافهم مطالبين بطرده، فقد كان في الوسع التعبير عن امتعاضٍ مما فعل بغير هذا السلوك، سيما وأن لسماحته مواقف وطنية مشهودة في وقائع سابقة. وتنطق الحادثة المستنكرة هذه بمدى ما صارت عليه مشاعر شرائح واسعة من الفلسطينيين، سيما المقدسيين، تجاه السلطة ورئاستها. وفي البال أن هذا الذي جرى في المسجد المبارك جاء ساعاتٍ بعد هتافات من احتشدوا في القدس نفسها، فجر ذلك النهار، فرحين بوقف إطلاق النار، محتفين بالمقاومة. وفي الأثناء، رمى بعضُهم الرئيس عبّاس بنعوتٍ بالغة الحدّة. ولا يحتاج واحدنا إلى دلائل مضافةٍ على التردّي المهول الذي صارت عليه صورة السلطة الفلسطينية، بعد أن أظهر أداء رئاسة هذه السلطة سقوفَها الواطئة، وانعدام دورها في توجيه الأحداث في أحد عشر يوما من الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية والضربات الصاروخية المقاومة ردّا عليها، وإنْ حظي الرئيس عبّاس بمهاتفةٍ من الرئيس الأميركي بايدن.
وقائع حي الشيخ جرّاح وباب العامود في القدس العتيقة، ثم اشتباك صواريخ المقاومة مع الاحتلال تلبيةً لطلب أهل القدس من غزّة تحرّكاً، تتابعت أياما بعد قرار الرئيس عبّاس إرجاء الانتخابات التي كان مقرّرا انتظامها أول من أمس السبت، بذرائع لا نظنّها مقنعةً لمن صاغوها. وبذلك تضاعفت مقادير التآكل الفادح في مكانة السلطة، وقبلها وبعدها مكانة منظمة التحرير وفاعليتها، في الشعور الفلسطيني العام والعريض. وموازاةً مع هذا كله، كانت حركة حماس تتقدّم إلى صدارة المشهد، وتنفذُ إلى الوجدان الشعبي الفلسطيني، فتُحرز فيه موقعا مقدّرا. وفي الأثناء، صارت الحركة، فعلا وحقيقةً، العنوان الذي تتوجّه إليه عواصم إقليمية ودولية وازنة (وكذا الأمم المتحدة) بوصفه الطرف المفاوض الذي يحوز قراري المواجهة والتهدئة. وبدا ما يصدر عن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنيّة، هو الأدعى للمتابعة والترقب، لا ما تنقله الأخبار عن اجتماعاتٍ تنعقد في رام الله، واتصالاتٍ يجريها الرئيس عبّاس أو يتلقاها.
وإذا تتسمّى حركة حماس، بلغة أهل الأكاديميا، فاعلا غير رسمي، في خريطة تشابكاتٍ في صراعٍ راهن، فإن هذا الفاعل، بقدر ما صار يُحرز مساحاتٍ مضافةً من الفاعلية، وأصبح الاتصال به والتواصل معه من ضروراتٍ لم يعد في الوسع تفاديها، يخصم من مساحات الفاعل الرسمي التي صارت تتناقص وتضيق، ليس فقط لجدارةٍ شعبيةٍ وميدانيةٍ وقياديةٍ لحركة حماس، وإنما أيضا لمراكمة هذا الفاعل، أي السلطة الوطنية ورئاستها في رام الله، قراراتٍ مرتجلةً، تُنبئ عن حال الاستضعاف الذي تقيم فيه. ومن العجيب هنا أن بؤس أداء هذه الرئاسة يأتي شهورا بعد أداءٍ محمودٍ كانت عليه إبّان تصدّيها لصفقة ترامب ــ نتنياهو. والجدارة المؤشّر إليها هنا تجعل الإدارة الأميركية على يقينها بأنها عندما تتواصل مع القاهرة والدوحة، من أجل تثبيت وقفٍ لإطلاق النار، إنما تفاوض، بكيفيةٍ غير مباشرة، المكتب السياسي لحركة حماس. وعندما تعلن المستشارة الألمانية، ميركل، إن الوقت حان لحوار غير مباشر مع "حماس"، فلكلامها هذا أهميته القصوى، إذ ينطوي على أن أبوابا مغلقة، وأخرى مواربة، ستنفتح قريبا لهذا الحوار، المرشّح لأن يصير مباشرا، مع غير برلين مثلا. وليس سرّا أن الاتحاد الأوروبي بدأ يدرس "التخريجة" الممكنة لهذا الحوار الذي قد تبادر إليه الولايات المتحدة في طور بعيدٍ أو غير بعيد، عندما تنبني على مفاعيل حرب الأحد عشر يوما، أو مفاعيل صواريخ الـ250 كيلومترا، تفاصيلُ من غير الحكمة التعجّل بتحسّس مفاجآتها المحتملة.
اللحظة الفلسطينية، في شأنها بالغ الحساسية هذا، بدلالة الذي تعرّض له المفتي في الأقصى، تفترض شعورا عاليا بالمسؤولية الوطنية والسياسية، عند الجميع، وفي المقدّمة حركة حماس، المؤمّل منها التحلّي بما يلزم من مقادير التواضع شديدة الإلحاح، وتغليب الوطني العام على الفصائلي، والعلم الفلسطيني على العلم الأخضر، والعمل على إنقاذ منظمة التحرير بأفق الشراكة، أقله بإحياء المتّفق عليه في جولات حوار وفيرة مع حركة فتح في هذا الأمر .. وغيره.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.