حكومة ليبيا .. النجاح والفشل

حكومة ليبيا .. النجاح والفشل

31 مارس 2021
+ الخط -

بعد إعلان تسلّم الحكومة الليبية المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مقاليد الأمور في بنغازي، إثر إجراءات التسلم مع الحكومة الموازية، برئاسة عبد الله الثني، يصبح كامل التراب الليبي تحت سلطة الحكومة الجديدة الفعلية، ومقرها طرابلس. ولأول مرة منذ سنوات يحدث هذا. ولكن الأمور ليست بهذه البساطة بالتأكيد، فهناك عوائق لا بد من اجتيازها، وأزمات ينبغي حلّها، فهذه الحكومة الانتقالية منوطٌ بعهدتها تحويل قرار وحدة التراب الليبي من مجرّد شعار سياسي إلى واقع فعلي، وهو ما يتطلب إجراءات واقعية وعاجلة، ليس أقلها توحيد مؤسسات الدولة التي توزّعت بين طرابلس وبنغازي، وإيجاد صيغة لبناء مؤسسة عسكرية وأمنية موحدة، تكون ذات صبغة مهنية، وتحترم موقعها الدستوري، بعيدا عن التجاذبات السياسية، وهو ما يبدو أمرا صعبا، على الأقل في ظل تمسّك المليشيات الموالية للواء المتقاعد خليفة حفتر بمواقفها، حيث تظاهر عناصرها للتأكيد على أن ما يطلقون عليه "الجيش الوطني" تابع لحفتر، مهدّدين بمواجهة كل من سيحاول فصله عنه. الأكيد أن خليفة حفتر يشعر بالقلق الفعلي من أي خطوات قادمة للحكومة الانتقالية، على الرغم من أنها لم تعلن عن أي خطوات فعلية على الأرض، فهو يدرك، قبل غيره، أن فكرة إطلاق اسم "الجيش الوطني" على المسلحين التابعين له لن يجعل منهم مؤسسةً وطنيةً تابعةً للدولة، فهناك في الغرب الليبي قوات عسكرية أخرى تابعة لحكومة الوفاق المنتهية مدتها تعتبر نفسها الجيش الحقيقي للدولة، وهو ما يستوجب إعادة بناء المؤسسة العسكرية بمواصفاتٍ مختلفة، بعيدا عن المحاصصة بين أمراء الحرب وقادة المليشيات، بمن فيهم حفتر نفسه.

الملف الثاني الذي ينبغي على الحكومة المؤقتة العمل عليه هو مجموعات المرتزقة المنتشرة في البلاد، ففي السنوات الماضية أصبحت ليبيا مسرحا للتدخل العسكري من دول شتى (مصر، الإمارات، تركيا، روسيا، فرنسا)، وتم استجلاب أعداد ضخمة من المقاتلين الأجانب، يقدّر الخبراء عددهم بما يصل إلى عشرين ألفا من جنسياتٍ متعدّدة، وهو يتطلب خطة عاجلة لسحبهم من البلاد، بوصفهم عامل توتير للوضع، وعائقا أمام فرض حكومة الوحدة الوطنية لنفوذها الفعلي على الأرض.

بقي الملف الثالث المتعلق بالأمن الغذائي، وإعادة الحياة اليومية إلى نسقها المعتاد، مثل إصلاح شبكات الكهرباء وتشغيل مواقع الإنتاج النفطي بطاقتها القصوى، للحصول على التمويلات الضرورية لإدارة المرحلة. كل هذه الملفات المفتوحة قد لا يتم الانتهاء منها في الفترة الانتقالية التي تنتهي إثر الانتخابات المقررة في شهر ديسمبر/ كانون الأول المقبل.

ستحل التحالفات الحزبية والصراعات السياسية محل فوضى السلاح، وستكون هده الخطوة مهمةً في التأسيس لنظام ديمقراطي تعدّدي يستحقه الشعب الليبي

غير أن هذه العوائق لا تنفي أن حكومة عبد الحميد الدبيبة توفرت لها عوامل للنجاح لم تتوفر لأي حكومة ليبية من قبل، فهي تحظى بدعم أممي واسع، وهو ما يجعل كل من يحاول التمرّد عليها في مواجهةٍ مع الأطراف الدولية المؤيدة لحكومة الوحدة الوطنية. وإذا أضفنا إلى هذا العامل حصول تغيراتٍ مهمة في الساحة الإقليمية، وفي مقدمتها المصالحة المصرية التركية التي ستسهم قطعا في الضغط على حلفاء الدولتين على الأرض الليبية. كما أن زيارة وزراء خارجية ألمانيا وايطاليا وفرنسا إلى طرابلس، أخيرا، بالإضافة إلى إعلان الإليزيه عن دعم الحكومة الجديدة، إثر اللقاء بين الرئيس الفرنسي، ماكرون، ورئيس المجلس الرئاسي الليبي، محمد المنفي، يكشفان عن حرص دولي واضح على إيجاد حالة استقرار في ليبيا، حيث أثبتت الحرب الأهلية أن حالة الفوضى في ليبيا تؤثّر سلبا على الوضع الأمني في حوض البحر المتوسط برمته، سواء من خلال تصاعد الهجرة غير النظامية إلى أوروبا عبر سواحلها أو الانقطاع المتكرّر لنفطها عن الدول الغربية الشريكة لها اقتصاديا. وإذا أضفنا إلى هذا حجم الفوائد التي ستجنيها هذه الدول من إعادة إعمار ليبيا، يصبح قرار تثبيت الاستقرار وفرض التعايش على الفرقاء الليبيين مصلحة إستراتيجية للدول المختلفة، وبعضها كان طرفا في دعم المليشيات المتحاربة.

الوضع الليبي مقبل على تهدئة شاملة وتوافقات واسعة، على الرغم من العوائق الكثيرة والمشكلات العالقة، فالحسابات الدولية والأوضاع الداخلية تفرض على الجميع التنازل، ولا مجال أمام زعماء المليشيات والفصائل المسلحة إلا الخضوع للسلطة الجديدة. وفي ظل تسارع التطورات في اتجاه تنظيم انتخابات شاملة، تفرز سلطة منتخبة، ستحل التحالفات الحزبية والصراعات السياسية محل فوضى السلاح، وستكون هده الخطوة مهمةً في التأسيس لنظام ديمقراطي تعدّدي يستحقه الشعب الليبي.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.