حكومة الشرع وملفّ العقوبات الملحّ

27 ابريل 2025

أحمد الشرع يترأس اجتماعاً للحكومة السورية (8/4/2025 موقع وكالة الأنباء السورية)

+ الخط -

كميّة العقوبات المفروضة على نظام الأسد المخلوع قياسية، تضمّنت حصاراً من كل الفئات والألوان، وشملت عقوبات ذات طبيعة سياسية وأخرى اقتصادية، طاولت أفراداً وكيانات مدنية وهيئات حكومية، بالإضافة إلى عقوبات خصّت المؤسّسات العسكرية. حاولت العقوبات شلَّ كل جوانب حياة النظام السابق وتعطيل مؤسّساته، ولم يطبّقها طرف واحد، بل مجموعة دول ومنظّمات وتجمّعات ذات أهداف عديدة. ورغم كل تلك العقوبات بقي النظام يتنفّس، فقد استطاع التملّص حيناً والتلاعب على القوانين حيناً آخر، وحوّل نفسه آلةً إجرامية تمتهن الخروج عن القوانين بصفة قصدية ونحوٍ منهجيّ، فتاجر بالمخدّرات والبشر، ووصل تأثير تجاوزاته إلى ما هو أبعد من حدود الإقليم المجاور. تعامل الأسد بالممنوعات، ليؤمّن حصّة لأفراده من المال، ويبقى محافظاً على آلات القمع اللازمة للإبقاء على السيطرة. وعندما انهار البنيان فوق رؤوس مسؤوليه الكبار، هربوا جميعاً في ليلة واحدة، وبقيت العقوبات التي ورثها النظام الجديد في ما ورث من مشكلاتٍ مستعصيةٍ وخراب واسع، وأصبحت مسألة رفع العقوبات أولوية ملحّة للبدء بعملية إعادة تنظيم شاملة.

شهدنا في الأيام الأولى لولادة الحكومة الجديدة نشاطاً كبيراً لوزير الخارجية أسعد الشيباني، فرأيناه يقفز من مكان إلى آخر، ويعود إلى دمشق لعقد مزيد من الاجتماعات، وكان رفع العقوبات عنواناً عريضاً لكلّ حراك سياسي قام به. لم تكن الأيام الأولى مبشّرة، وطبيعة الوفود التي جاءت بسرعة إلى دمشق كانت من نمط العلاقات العامّة أو لاستطلاع ما يحدُث، ولم يرافقها رفعٌ مُجدٍ للعقوبات رغم تخفيف بعضها، فكأن الوفد كان يأتي ليعطي دروساً أو يلقي محاضراتٍ ويذهب، بينما الشارع السوري متروكٌ ليتعايش مع الحصار المُطبق. ولم يكن مفهوماً تماماً سببُ عدم رغبة الدول التي فرضت عقوباتها بالأصل على النظام السابق برفعها، بعد أن خرج رأس النظام ومجموعته مدحورين، وكان لدى تلك الدول مطالب محدّدة تريد من النظام السابق تنفيذها لترفع العقوبات، ورفضها بإصرار وعناد.

بعد فترة الأشهر الثلاثة وولادة الحكومة الانتقالية الجديدة التي يترأسها أحمد الشرع، تغيّر الوضع قليلاً. ويبدو أن الحكومة المتشكلة قد لاقت صدى دولياً جيداً، ورحبت بها معظم الدول، وبدأ الجليد يتكسّر ببطء من حول العقوبات المفروضة، فخفّفت معظم الدول منها، لكن الولايات المتحدة التي تتفرد بالحصّة الأكثر فعالية قدّمت شروطاً ثمانية، بعضها، على ما قيل، واجبُ التحقيق، ومنها ما هو في صالح الإدارة الجديدة، لكن منها ما هو بالفعل ذو طبيعة سيادية محضة، ويتطلب التفكيرَ مليّاً، وربما تحتاج الموافقةُ عليه اتفاقاً داخلياً واسعاً، خصوصاً في ما يتعلق بالسماح للولايات المتحدة بتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب على الأراضي السورية ضدّ أي شخصٍ تعتبره واشنطن تهديداً للأمن القومي. يمكن عقد طاولة حوار لذلك البند وإيجاد مخرج له، فالولايات المتحدة التي تقف وراء أفدح العقوبات والقيود الأكثر خطراً على بناء الدولة الجديدة ما زال عتادها العسكري موجوداً في شرق البلاد؛ لذا لا بدَّ من الوصول إلى تفاهم معها لتتمكّن الحكومة من مزاولة عملها بحرية أكبر، وتحقّق الهدف المنشود بإطلاق عملية التنمية الشاملة.

قد تكون بريطانيا من أكثر الدول التي تجاوبت مع الحالة الجديدة، فقد أزالت، قبل أيام، عن قوائم عقوباتها معظم الكيانات الرسمية السورية، التي تخصّ الأمن والجيش، وهي خطوة جيدة لكنها غير كافية، فهذه الكيانات لا تمارس الاقتصاد، لكنها تساعد بالفعل في تحقيق الأمن الضروري لتهيئة المناخ المناسب للبناء... الطريق تكتنفه صعوبات جديّة، ومن المفيد أن تقوم الحكومة الجديدة ببعض المفاوضات التي يمكن أن تفضي إلى إزالة شاملة للعقوبات، ولا بأس بتقديم تنازلات ضرورية لضمان سير العملية، ولا بدّ أنّ حكومة الشرع جادّة في هذا المسعى الذي سيدفع باتجاه عودة سورية إلى أن تكون دولةً طبيعية.