حرصاً على التجربة في سورية
من الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الحوار الوطني السوري في دمشق (25/2/2025 الأناضول)
منذ اليوم الأول لسقوط نظام بشّار الأسد في سورية، ظهرت تساؤلاتٌ عديدة بشأن المسار الذي ستمضي فيه البلاد في ظل الحكام الجدد. ورغم أن هذه التساؤلات كانت، ولا تزال، مشروعة، كان التفاؤل طاغياً على ما دونه، على قاعدة أنه بغض النظر عما سيحمله المستقبل، لن يكون أسوأ من الماضي الذي عاشه السوريون تحت حكم نظام الأسدين.
لكن هذا التفاؤل، والذي كان قد بدأ، في الأسابيع الأولى، بالتضاؤل مع مرور الوقت، خصوصاً أن لا تغييرات ملموسة على أرض الواقع، رغم محاولات الإدارة الجديدة في الانفتاح على الدول العربية والغربية لتخفيف العقوبات التي كانت مفروضة على النظام السابق، والتي انعكست تردّياً في حياة المواطنين السوريين.
غير أن التعاطي مع هذا الانفتاح لم يُترجم فعلياً، رغم كل الوعود التي ساقها المسؤولون العرب والغربيون، إذ لا يزال الانتظار سيد الموقف. انتظار أساسه كيفية إدارة الرئيس السوري أحمد الشرع ومعه الحكومة للمرحلة الانتقالية والحوار الوطني، وكيف سيكون شكل اللجنة التشريعية والإعلان الدستوري، ومن ثم استبيان على أي درب ستسير "سورية الجديدة".
كانت تجربة الحوار الوطني الذي انعقد قبل أيام الاختبار الأول. وللأسف لم تكن نتائج هذا الاختبار على المستوى المأمول. فرغم العناوين الكبيرة، والجيدة، التي خرجت في البيان الختامي للحوار، آلية التنظيم والطريقة التي عقد فيها واستبعاد وجوه بارزة في الحياة السياسية والثقافية السورية يوحيان بأن هناك تعمّداً في احتكار شكل سورية الجديدة، ربما على قاعدة "من يحرّر يقرّر" التي تداولها كثيرون من أنصار هيئة تحرير الشام، رغم أن الشرع رفضها. حتى إن الدعوات التي أرسلت إلى بعض المثقفين السوريين في الخارج جاءت قبل 24 ساعة من انعقاد المؤتمر، ما يوحي بأنها كانت من باب "رفع العتب". ورغم ذلك لم تصل هذه الدعوات أيضاً إلى كثيرين من السياسيين وأصحاب التجربة في فترة الثورة.
إضافة إلى ذلك، يمكن التوقف كذلك عند كيفية إدارة هذا الحوار الوطني، والذي لم يستمر أكثر من 24 ساعة، وحتى أقل من ذلك. فكيف يمكن لنحو 600 شخص التعارف والتداول في قضايا مصيرية خلال هذه الفترة؟ وكيف يمكن لبلاد عاش أهلها حرباً خلال 14 عاماً، وجزء منها كانت أهلية، أن تطوي صفحة الماضي من دون حوار حقيقي بين أبنائها، وهو ما لم يحصل في ما شهدنا في الأيام الماضية.
جاءت صورة الحوار الوطني التي أرادت السلطات الجديدة تقديمها للسوريين والغرب بنتائج عكسية، وزادت من القلق على الوضع العام في سورية، ورفعت من حدّة الانتقادات التي توجه إلى الرئيس والحكومة، حتى من أناس كانوا حتى الأمس القريب من مؤيّدي القرارات التي اتخذتها الهيئة، وهو ما بدأنا نشاهده ونقرأه على وسائل التواصل الاجتماعي.
من المفترض أن تكون هذه الصورة، والامتعاض من آلية تنظيم الحوار ومخرجاته، قد وصلت إلى السلطات الجديدة، وأن تسعى إلى إدراكها في الاختبار الثاني القريب، ففترة الحكومة الانتقالية من المرتقب أن تنتهي في الأيام القليلة المقبلة، ومن المتوقع أن تحلّ حكومة جديدة تمثل كل أطياف الشعب السوري، بحسب ما وعد الشرع في المقابلات التي ظهر فيها. الجميع الآن في انتظار إعلان هذه الحكومة وتشكيلتها، والتي سيحدّد الكثير على أساسها، سيما في ما يخص الدول العربية والغربية وطريقة تعاطيها في المستقبل مع النظام الجديد في سورية.
أمام الشرع وحكومته فرصة تاريخية لإنجاح تجربة حكمهم سورية ووضعها على المسار السياسي الصحيح، خصوصاً مع ما تتعرّض له من اعتداءات إسرائيلية وفوضى أمنية تحمل مخاطر أمنية على السلم الأهلي.