حرب الكونغو... ليست قصة استعمار

05 فبراير 2025

تجمّع في كينشاسا عاصمة الكونغو يدعو إلى وقف الحرب مع رواندا (3/2/2025 فرانس برس)

+ الخط -

تُجدّد الحرب الحالية في الكونغو الديمقراطية شباب خطاب عالمثالثي يساري لا يملّ من تحميل المستعمر (البلجيكي) الذي لم يعد مستعمراً منذ 65 عاماً، مسؤولية فشل شعوب ونخب في بناء دول وهوية وطنية ومؤسسات. خطاب يحفر عميقاً ليحاول أن يجد أجوبة متوفرة على سطح الأرض، وأن يذكّر بما حصل قبل عقود وقرون ليتجاهل ما يحصل اليوم، فتقرأ مقالات ومداخلات ليساريين أوروبيين خصوصاً عن أسبابٍ لحرب اليوم تعود إلى إجراءات وقرارات اتخذها المستعمر البلجيكي للمنطقة كترسيم الحدود بين رواندا والكونغو الديمقراطية، وتشتت إثنيتَي التوتسي والهوتو بين البلدين، وتعزيز مكانة الهوتو في المجتمع والسلطة حيناً والتوتسي حيناً آخر، وكأن البلجيكيين هم من اخترعوا إثنيات أفريقيا وقبائلها، وكأن أي ترسيم للحدود لم يكن ليقسم القبيلة الواحدة إلى بلدين وثلاثة. تقرأ مطوّلات يفوتها إخبارك أن زمن الاستعمار ولّى منذ عقود، ولم يبقَ له وريث لتحميله كل تلك المسؤوليات الدموية، وتُذكر مصائب مجتمعات عالمثالثية أبقت الحرب متواصلة بوتيرة متفاوتة في فترة الاستقلال، منذ إبادة رواندا (1994)، وكأنها مجرد تفصيل في التاريخ والحاضر.

حركة 23 مارس التي تحتل مدينة غوما، عاصمة الشرق الكونغولي، مليشيا تحارب باسم أقلية التوتسي في الكونغو، ثاني أكبر بلد أفريقي (بعد الجزائر) بمساحة تزيد عن 2.3 مليون كيلومتر مربع، كلها "كونغو مفيدة"، خضراء وغنية بالثروات الطبيعية الكلاسيكية (الذهب والمياه) والمعادن الضرورية للصناعات التكنولوجية الحديثة وبطاريات السيارات الكهربائية، كالكولتان. ومظلومية التوتسي تشبه مظلوميات معظم المكونات في بلدان العالم الثالث. يحملون السلاح بوصفهم أقلية في الكونغو (زائير قبل 1965)، لا يزيد عددهم عن نصف المليون من أصل 102 مليون هم مجموع سكان هذا البلد. أما المليشيا المذكورة، فقد اتخذت اسماً لها لدى تأسيسها عام 2012 من تاريخ أحد اتفاقات السلام العديدة الفاشلة التي جمعت ما بين ممثلي التوتسي والسلطة الفاسدة في كينشاسا، في 23 مارس/ آذار 2009. وُلدت بدعم من رواندا، إحدى أصغر بلدان أفريقيا (26 ألف كيلومتر مربع و14 مليون نسمة)، وهي دولة حققت قفزة اقتصادية بعد حرب الإبادة التي عاشتها، لم تواكبها نهضة ديمقراطية. منذ ولادتها، احتلت المليشيا الوليدة أراضي كونغولية شاسعة مراراً، بدعم مطلق من رواندا، وسيطرت على مدينة غوما (يقطنها أكثر من مليون شخص) بمنسوب ثقيل من جرائم الحرب وانتهاكات لحقوق الإنسان. انسحبت وخسرت ثم عادت واحتلت بشكل متقطع منذ 12 عاماً، ودائماً بوصفها أشبه بفصيل في الجيش الرواندي. يتزعمها سلطاني ماكنغا، الذي يتصدر اللقطات الملتفزة الآتية من الكونغو هذه الأيام، بلحيته البيضاء الكثة، وهو ليس سوى ضابط سابق في الجيش الرواندي يحارب معه أربعة آلاف جندي وضابط من الجيش الرواندي بحسب تقرير للأمم المتحدة صدر العام الماضي (2024).

يمكن العثور على جذور الحرب الحالية في الإبادة الرواندية والـ800 ألف من قتلاها وغالبيتهم الساحقة من التوتسي قُتلوا على يد متطرّفين من إثنية الهوتو عام 1994، ولم تتوقف الإبادة إلا بتغير موازين القوى العسكرية بقيادة زعيم التوتسي في رواندا حينها بول كاغامي، الرئيس الحالي لهذا البلد. وخوفاً من انتقام واسع النطاق، فرّ مليون من الهوتو إلى الكونغو الديمقراطية في ذلك العام الأسود، وقد أخلّ ذلك بالتوازن القبلي الإثني شرقي الكونغو. وكم من حروب تتخذ من حماية الأقليات والإثنيات ستاراً لإخفاء الهدف الحقيقي، أي السرقة. فإن صدّقنا تقريراً للأمم المتحدة صدر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتلت مليشيا 23 مارس في السنوات الماضية عديداً من مناجم المعادن في الكونغو، وبلغ المعدل الشهري لسرقة الكولتان 120 طناً يتم إرسالها إلى رواندا.

حرب الكونغو عيّنة عن فشل طيف واسع من بلدان استقلت عن الاستعمار فلم تبنِ سوى مقابر. وكلما زاد عدد قبور الحروب الأهلية، علا صراخ يشكو مما جناه المستعمر علينا.