حرب التسقيط وحسابات المرحلة المقبلة في ليبيا

حرب التسقيط وحسابات المرحلة المقبلة في ليبيا

28 سبتمبر 2021
+ الخط -

مع تصاعد الخلافات والجدل السياسي في ليبيا بين البرلمان، برئاسة عقيلة صالح، من جهة، والمجلس الأعلى للدولة، برئاسة خالد المشري، وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، بقيادة عبد الحميد الدبيبة، من جهة أخرى، على خلفية الخلاف بين البرلمان والمجلس الأعلى للدولة بشأن المصادقة على قانون الانتخابات الرئاسية، وكذلك الخلاف بين البرلمان والحكومة على خلفية سحب البرلمان الثقة من حكومة الدبيبة، يبدو أنّ ليبيا قد دخلت منعطفاً سياسياً حرجاً قد يعيدها إلى الوضع الذي كان سائداً ما قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2020 عندما وقعت الأطراف الليبية المتحاربة (قوات حكومة الوفاق الوطني في الغرب وقوات شرق ليبيا) اتفاقاً لوقف إطلاق النار.
في ظل هذا المشهد الليبي، المثقل بانعكاسات التشقق والشقاق، تبقى الرهانات للخروج من هذا الوضع المتأزم مفتوحةً على عدد قليل من الطروحات، وسط سجالاتٍ حادّة تتباين فيها المواقف والآراء، مع تمسّك كل طرفٍ من أطراف الخلاف بصحة موقفه الذي يعلن أنّه يأتي تطبيقاً لبنود قانونية ودستورية، تخوّل له ما يُعلن عنه من إجراءات.

خطوة البرلمان في سحب الثقة من حكومة الدبيبة تعكس حدّة الصراع الداخلي على السلطة

إجراءات البرلمان الليبي التي أثارت تكهنات عديدة بشأن أهدافها وتداعياتها أو توقيتها، سواء المتعلقة بإصدار قانون انتخابات بشكلٍ منفردٍ، تجاوز موافقة المجلس الأعلى للدولة الذي يعد بمثابة الغرفة الثانية للبرلمان، وكذلك سحب الثقة من الحكومة التي ولدت بالتوافق وبرعاية الأمم المتحدة وفقاً للاتفاق السياسي، يمكن وضعها في إطار المعارك السياسية الهادفة إلى تصفية الحسابات السياسية مع قائمة (محمد المنفي – عبد الحميد الدبيبة) التي ربحت أمام قائمة (عقيلة صالح – فتحي باشاغا) في جنيف، وكذلك يمكن وضعها في إطار وضع العصيّ في العجلات لتعليق المسار السياسي في البلاد، وإطاحة خريطة الطريق الأممية والقضاء على أي أمل في انتخابات ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وليس مجرد تأجيلها، فإقرار البرلمان الليبي قانون الانتخابات الرئاسية المثير للجدل، والذي مرّر بشكل غير قانوني بداية شهر سبتمبر/ أيلول الجاري، والذي يسمح لأي عسكري أو مدني بالترشّح لمنصب الرئيس شرط التوقف عن العمل وممارسة مهامه قبل موعد الانتخابات بثلاثة أشهر، وفي حال عدم انتخابه يعود إلى سابق عمله، من دون موافقة المجلس الأعلى للدولة الذي أصدر قانون انتخاب بديل، يشترط على العسكريين الراغبين في الترشح مضي عامين على الأقل على انتهاء مدة خدمتهم للترشح، ومنع الحاصلين على جنسيةٍ أجنبيةٍ من الترشّح، سواء للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، أدخل إقرار هذا القانون البلد في معركة تضارب بالتشريعات المحدّدة لإجراءات الانتخابات الرئاسية، ما يقود حتماً إلى إطاحة بموعد إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويكرّر مشهد النزاع حول الشرعية الذي ساد بين سلطة حكومة الوفاق الوطني، برئاسة فايز السراج، وسلطة مجلس النواب خمس سنوات. كما أنّ خطوة البرلمان في سحب الثقة من حكومة الدبيبة تعكس حدّة الصراع الداخلي على السلطة، وتُظهر زيادة تمسّك رئيس مجلس ‏النواب ومن يتحالف معه بالسلطة. وتصبّ أيضاً في اتجاه عرقلة الاستحقاق الانتخابي المقبل، لأن الحكومة، وهي إحدى الركائز الداعمة للعملية الانتخابية، لن تستطيع ممارسة مهامها جرّاء فقدانها الصفة، نتيجة سحب الثقة، وهذا ما يسعى إليه عقيلة صالح، ومن خلفه حليفه خليفة حفتر.

خيار تعديل خريطة الطريق وتأجيل الاستحقاق الانتخابي قد يكون الأقرب إلى التطبيق في حال استطاعت الأطراف المعرقلة التوافق حول "صفقة"

في تداعيات هذه الإجراءات أيضاً يمكن القول إن استمرار الخلافات بين المؤسّسات الدستورية الليبية سيقود إلى نسف الاتفاق السياسي الموقع في جنيف وتونس، وانقسام مؤسسات البلاد مجدّداً، كما أنه قد يقود إلى تشكيل حكومة موازية في الشرق الليبي (طبرق) تحت سيطرة عقيلة صالح وخليفة حفتر، خصوصا وأنّ نوابا عديدين في البرلمان، محسوبين على عقيلة صالح وخليفة حفتر، كانوا قد طالبوا قبل سحب الثقة من حكومة الدبيبة بتشكيل حكومة موازية في الشرق الليبي تكون خاضعة لحفتر، الأمر الذي يعني إعادة البلاد إلى الوضع الذي كانت عليه قبل أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وما شهده من انقسام واقتتال.
خلاصة القول، بات الملف الليبي على مسافة قصيرة جداً من العودة إلى مربع ما قبل عام 2020، وباتت الاحتمالات مفتوحة على خياراتٍ عديدة، على المستويين، السياسي والعسكري، فكلما اقترب موعد الانتخابات الليبية المقرّر عقدها في ديسمبر/ كانون الأول المقبل كثرت المشكلات وحروب التسقيط المتبادلة بين الأطراف الليبية، الأمر الذي يستدعي جهداً متزامناً من الفاعلين كافة في الداخل والخارج، لإتمام إجراءات المسار الانتقالي، فعقد الانتخابات العامة في موعدها المحدّد يرتبط، في المقام الأول، بتجاوز الأطراف الليبية خلافاتها، وبوجود ضغوط شعبية ودولية تُعدّل من سلوكها، وإلا فإنّ خيار تعديل خريطة الطريق وتأجيل الاستحقاق الانتخابي قد يكون الأقرب إلى التطبيق في حال استطاعت الأطراف المعرقلة التوافق حول "صفقة" قد تقضي إلى تعديل الإطار الزمني للانتخابات، بدلاً من إسقاط كامل لخريطة الطريق. وهذا الخيار محكوم أيضاً بمواقف الدول والأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في المشهد الليبي، وإلا فإن الخيار البديل سيكون العودة إلى الصراع العسكري والاحتراب الداخلي بين الشرق والغرب، وتكريس الانقسام مجدّداً، في حال استمرار الانسداد السياسي، وفشل الأطراف السياسية الليبية في الوصول إلى توافق يتيح لها استكمال استحقاقات خريطة الطريق أو تعديلها، أو استمرار الوضع الراهن في أصعب الظروف.