حرب إسرائيل العدوانية على إيران... القرار وتوازن القوى وخيارات طهران (2)

16 يونيو 2025

دخان يتصاعد من مستودعات شهران للنفط شمالي طهران عقب قصف إسرائيلي (16/6/2025 فرانس برس)

+ الخط -

في سياق تصميم إسرائيل على الاستمرار في احتكار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، اتخذ الكابينت السياسي والأمني الإسرائيلي، في 9 يونيو/ حزيران 2025، قراراً بشن الحرب على إيران، بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي فجر 13 من الشهر ذاته، أطلقت إسرائيل حربها العدوانية بهدف القضاء على المشروع النووي الإيراني، وبرنامج إيران الصاروخي، وصولاً إلى إضعاف النظام وإسقاطه.
وقد ساهمت مجموعة من العوامل في تهيئة الشروط الملائمة لاتخاذ إسرائيل هذا القرار، والحصول على موافقة الإدارة الأميركية في هذا الشأن، أهمها فقدان إيران عديداً من عناصر القوة التي كانت لديها، من خلال حدوث تطوّرات متسارعة؛ بعضها نتيجة لعملٍ إسرائيلي أو استغلالٍ لوضع ما بعد عملية طوفان الأقصى، أبرزها: أولاً، تحييد قوة حزب الله على نحو واضح وحاسم؛ فقد كانت ترسانة الأسلحة التي يمتلكها تشكّل احتياطاً استراتيجياً لإيران لردع إسرائيل عن مهاجمة منشآت المشروع النووي الإيراني. ثانياً، فقدان إيران تمركزها العسكري في سورية. ثالثاً، سقوط النظام السوري. رابعاً تحييد إسرائيل قوة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العسكرية. خامساً، وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، الذي كان قد انسحب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018.
وقد جاء قرار إسرائيل بشن هذه الحرب في أعقاب حملة طويلة استمرت نحو ثلاثة عقود من التحريض المنهجي ضد إيران ومشروعها النووي. وكانت إسرائيل، في سياق سياستها احتكار السلاح النووي في المنطقة، قد دمرت المفاعل النووي العراقي في عام 1981، والمنشأة النووية في سورية في عام 2007.

من المتوقع ألّا تقتصر الضربات الإسرائيلية على مواقع النووي الإيراني والبنية التحتية العسكرية فقد تمتدّ إلى البنية التحتية الاقتصادية

استعدادات إسرائيل للحرب
أعدّت إسرائيل نفسها جيداً لهذه الحرب على مختلف الصعد؛ فقد استكملت في الأشهر الأخيرة الحصول من إدارة الرئيس ترامب على الذخيرة والأسلحة الضرورية التي تمكّنها من ضرب العمق الإيراني، لا سيما طائرات التزويد بالوقود في الجو. ومنذ أكثر من ثلاثة عقود، شرعت في إعادة هيكلة قواتها المسلحة وبنائها على أسس جديدة، في أعقاب التحوّلات التي طرأت على طبيعة الحرب الحديثة، إلى جانب التغير في طبيعة الأعداء الذين تواجههم، بعد التوصل إلى اتفاقيات سلام مع دول عربية عديدة تخلّى بعضها رسمياً عن الخيار العسكري لاستعادة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة. وفي هذا السياق، قرّرت إسرائيل تحويل جيشها إلى "جيش صغير وذكي" بتعبير رئيس الأركان ورئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، والتركيز على تطوير سلاح الجو، وتزويده بأحدث الطائرات والمسيّرات العسكرية، وتطوير الاستخبارات العسكرية، والأجهزة الأمنية المختلفة، ومنظومات السايبر العسكرية، ولاحقاً الذكاء الاصطناعي، وتخصيص الميزانيات الضخمة لذلك. وعلى مدى 50 عاماً، كانت ميزانية سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يزيد عدد قواته النظامية وقواته الاحتياطية على 90 ألف عنصر، تشكّل أكثر من نصف مجمل ميزانية الجيش الإسرائيلي. وقد أسهمت عملية إعادة الهيكلة هذه في تمكين قوة الجيش الضاربة من الوصول إلى الدائرة الثانية من الدول التي تقع حدودها على بُعد يتجاوز ألف كيلومتر، بما في ذلك إيران.
ميزان القوى وردّة فعل إيران
يميل ميزان القوى العسكري بين إسرائيل وإيران كثيراً إلى مصلحة إسرائيل التي تمتلك مئات الطائرات العسكرية القاذفة والمقاتلة الأكثر تطوراً في العالم، إضافة إلى طائرات حديثة لتزويد الطائرات بالوقود في الجو، ومئات المسيّرات المتطورة، والعديد من الأقمار الصناعية، والصواريخ الدقيقة البعيدة المدى، ولديها كذلك سلاح بحري حديث وغوّاصات عديدة متطوّرة في إمكانها توجيه ضربات إلى الموانئ الإيرانية، إضافة إلى أهداف كثيرة في إيران. وتمتلك، أيضاً، عدة منظومات متطوّرة مضادة للصواريخ، إلى جانب منظومة "ثاد" التي أرسلتها الولايات المتحدة إليها مع طواقمها الأميركية.

من غير المرجّح أن تتخذ إيران قراراً بالانسحاب من معهاهدة منع انتشار الأسلحة النووية أو من المفاوضات مع واشنطن

ولدى إسرائيل مئات القنابل النووية والهيدروجينية والنيوترونية، ولديها كذلك قدرة على توجيه الضربة النووية الثانية، من خلال امتلاكها ستّ غواصات ألمانية الصنع من طراز "دولفين" مُعدّة لإطلاق صواريخ تحمل رؤوساً نووية إلى مسافات بعيدة. ولديها، أيضاً، مركز قيادة حصين محمي من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، في جوف جبل في القدس الغربية بالقرب من مقر رئيس الحكومة الإسرائيلية، لإدارة حرب نووية إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.
أما قدرات إيران العسكرية، فتبدو محدودة مقارنةً بقدرات إسرائيل، بسبب نظام العقوبات المفروض عليها؛ إذ تفتقر إلى سلاح جو حديث، ولا تستطيع طائراتها (يعود أكثرها إلى فترة حكم الشاه) الوصول إلى إسرائيل. ومنظومات دفاعها الجوي في أغلبها محلية الصنع ومحدودة القدرات. إضافة إلى ذلك، لديها عدد محدود من منظومات "إس 300" الروسية القديمة، و"إس 400" التي يصعب عليها التصدّي للطائرات الإسرائيلية الحديثة. وتعتمد في الرد على العدوان الإسرائيلي على صواريخها البعيدة المدى التي طوّرتها في العقود الماضية، لكن يبدو أن هذه الصواريخ لا تستطيع إصابة أهدافها بدقة؛ ومن ثم، فهي لا تشكّل خطراً حقيقياً على البنية التحتية الاستراتيجية الإسرائيلية، مثل منشآت المشروع النووي، ومحطات الطاقة، والكهرباء، والمطارات، والموانئ.
في مقابل ذلك، تمتلك إسرائيل القدرة على استهداف منشآت البرنامج النووي والبنية التحتية الاستراتيجية الإيرانية خلال فترة طويلة ما دامت تحظى بتأييد إدارة الرئيس ترامب، وتحصل على الأعتدة والذخائر اللازمة للاستمرار في قصف الأهداف. فقد صار سلاح الجو الإسرائيلي، كما يبدو، مسيطراً على الأجواء الإيرانية إلى حدّ بعيد، وصارت مسيّرات إسرائيلية كثيرة قادرة على التحليق طوال الوقت فوق أجواء طهران، ومناطق أخرى في إيران؛ لجمع المعلومات وتوجيه الضربات إلى أهداف محددة.
ومن المتوقع ألّا تقتصر الضربات الإسرائيلية على مواقع المشروع النووي الإيراني المختلفة وعلى البنية التحتية العسكرية الإيرانية، وأن تمتدّ تدريجياً إلى البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية التي تشمل منشآت الغاز والنفط وتوليد الكهرباء والمصانع والموانئ والمطارات. وتبذل إسرائيل قصارى جهدها للحصول على موافقة الإدارة الأميركية على توسيع أهدافها لتشمل كلّ البنية الاقتصادية الاستراتيجية الإيرانية. وهي تسعى كذلك إلى انخراط الولايات المتحدة في الحرب، على نحو مباشر وفعّال، من أجل القضاء على المشروع النووي الإيراني بمختلف مكوناته؛ فقدرات إسرائيل العسكرية الذاتية لا تستطيع الوصول إلى بعض المواقع المحصّنة تحصيناً كبيراً في عُمق الأرض، على غرار موقع "فوردو" على سبيل المثال.
وتبدي إيران مقاومة صلبة مستندة إلى سلاح الصواريخ، ولديها تحدٍّ كبير متمثل في الحفاظ على تماسك جبهتها الداخلية، ومواجهة آثار الحرب الاقتصادية الهائلة في حال استمرارها. ومن المرجّح أن تبذل ما في وسعها لتجنّب صدام عسكري مع الولايات المتحدة؛ لذلك يُستبعد أن تستهدف القواعد العسكرية الأميركية أو مصالحها في المنطقة، أو أن تُقدِم على إغلاق مضيق هرمز، أو تستهدف ناقلات للنفط، أو حقولاً نفطية، في الدول العربية المجاورة؛ لأن ذلك يعطي الإدارةَ الأميركية تبريراً للدخول في الحرب ضدها على نحو مباشر؛ وهو هدف إسرائيل الرئيس.
وبناءً على ذلك، يواجه صاحب القرار الإيراني جملةً من التحديات التي تستدعي اتخاذ مواقف وقرارات خلال الفترة المقبلة، ومن ضمنها استئناف المفاوضات مع الإدارة الأميركية بشأن مشروعها النووي، والسماح للمراقبين الدوليين بمراقبة هذا المشروع باستمرار، فضلاً عن مسألة الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وفي هذا الشأن، من غير المرجح أن تتخذ إيران قراراً بالانسحاب من هذه المعاهدة، أو أن تنسحب من المفاوضات المتعلقة ببرنامجها النووي مع الإدارة الأميركية. ولكن المعضلة الأكثر أهمية هي مسألة اتخاذ القرار بشأن الشروع في إنتاج السلاح النووي؛ فإيران تمتلك، وفقاً للمعطيات المتوفرة، كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي تكفي لصناعة نحو 10 قنابل نووية، وفي إمكانها - حتى في ظروف استمرار الحرب - تخصيبها لتصل، خلال أسابيع فحسب، إلى نسبة 90%. ويتعلق التساؤل الأهم، في هذا السياق، بالمدة الزمنية التي تحتاج إليها إيران لإنتاج قنبلتها النووية الأولى وتثبيتها على صاروخ لتصبح صالحة للإطلاق؛ لتُشكِّل، من ثمّ، ردعاً لإسرائيل، أو توازناً رادعاً؛ وذلك لأن استخدام السلاح النووي غير ممكن. هذه، إذاً، عملية معقدة، وتكاد تكون مستبعدة.

يضمن انخراط الولايات المتحدة مباشرة في الحرب، وفقاً لوجهة النظر الإسرائيلية إنهاء المشروع النووي الإيراني

من المرجّح أن تسعى إسرائيل إلى جعل هذا الموضوع قضية أساسية في جدول اهتمامات إدارة ترامب لحضّها على التدخل عسكرياً مباشرةً من أجل منع إيران من حيازة السلاح النووي. وقد تحاول جعل مصير اليورانيوم المخصّب إحدى القضايا المركزية لدى إدارة ترامب، حتى يضغط على إيران كي توافق على التخلي عن مشروعها في سياق أي حلّ كان.
خاتمة
تسعى إسرائيل إلى الاستمرار في حربها ضد إيران حتى تحقيق أهدافها، ما دامت تحظى بتأييد الإدارة الأميركية في ذلك. وتهدف إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية وإلحاق الضرر بها إلى أقصى حدّ ممكن. وتهدف، أيضاً، إلى توسيع اعتداءاتها لتشمل البنية التحتية الاقتصادية، ولا سيما منشآت النفط والغاز ومحطات إنتاج الكهرباء، من أجل إضعاف النظام الإيراني وإهانته داخلياً وإقليمياً، على نحو يؤدي إلى إسقاطه. وفي كل الأحوال تبذل إسرائيل قصارى جهدها حتى تنخرط الولايات المتحدة مباشرة في الحرب؛ لأن هذا الأمر، وفقاً لوجهة نظرها، هو الذي يضمن إنهاء المشروع النووي الإيراني.