حذاء أليكسي نافالني والقمع الروسي

حذاء أليكسي نافالني والقمع الروسي

25 نوفمبر 2022
+ الخط -

تفيد أحدث الأخبار الواردة من روسيا أن المعارض الروسي البارز، أليكسي نافالني، قرّر مقاضاة السجن بسبب رفض منحه حذاءه الشتوي في الوقت الذي تنخفض فيه درجات الحرارة إلى ما دون الصفر. وما عجزت موسكو عن تحقيقه في 2020، بعد نجاته من محاولة التسميم التي تعرّض لها أو من خلال محاولات السجن السابقة، تحاول أن تحققه عبر الإهمال الذي يعاني منه في السجن.

شرح نافالني، عبر حسابه على "تويتر" الذي تحول إلى وسيلة لتسريب رسائله، ماذا يعني غياب الحذاء والملابس الشتوية في سجن تصل فيه درجة الحرارة إلى ستة تحت الصفر، قائلاً إن ذلك يعني الاختيار بين عدم الخروج على الإطلاق أو الإصابة بالمرض، وهو أمر "مُحبِط بشدة" في السجن، حتى لو كانت المدة التي يسمح له بالخروج من زنزانته ساعة ونصف الساعة فقط، وحتى لو كانت الساحة المخصّصة له اسمنتية بمساحة "أصغر بكثير من الزنزانة". وطبعاً لم ينس نافالني أن يذكّر الروس بضرورة "فعل شيءٍ ما من أجل تقريب روسيا من الحرية".

خاض نافالني معارك عدة ضد السلطات الروسية تحديداً في مجال مكافحة الفساد، لكن قدرته على تحريك الشارع في زمن الحرب لم يكن أمراً من الممكن أن تتحمّله موسكو، لذلك لم تتأخر في اختراع قضايا لتمديد سجنه منذ اعتقاله في يناير/ كانون الثاني 2021 لدى عودته من برلين، حيث كان يخضع للعلاج من محاولة تسميمه. لكن ذلك لم يسكته، حتى أنه هاجم بوتين مجدّداً متهماً إياه في أحدث تغريداته يوم الأربعاء الماضي، بأنه "رجل عجوز مجنون، يعيش في أوهام حول كونه قائد عسكري عظيم ولديه شعبية غير عادية في أوكرانيا".

وإذا كان نافالني يتصدّر الوجوه المعارضة، ويدفع ثمن ذلك بسجنه، فإن زميله المعارض إيليا ياشين ليس في وضع أفضل حالاً، خصوصاً بعد تمديد حبسه حتى مايو/ أيار المقبل بتهمة الإساءة للجيش. ليس الخبر مفاجئاً بطبيعة الحال، لكن الأكثر مدعاة للسخرية تبرير القاضية التي أصدرت القرار بامتلاك ياشين حصّة في شقة في بلغاريا، وهي "دولة غير صديقة، عضو في الاتحاد الأوروبي، ما سيخلق مشكلات مع تسليمه في حال مغادرته روسيا".

يشكّل نافالني وأقرانه ممن لا يخافون انتقاد بوتين قبل أي مسؤول آخر، وتقديم سردية مغايرة للتي يحاول سيد الكرملين إحاطة نفسه به، الهاجس الأكبر لبوتين، لا سيما أن هؤلاء يصرّون على البقاء في روسيا، مهما بلغ حجم الضغوط عليهم والتنكيل بهم.

منذ اليوم الأول للحرب، بدا أن موسكو تخوض المعركة على جبهاتٍ متعدّدة، الأولى في أوكرانيا في محاولة لإنجاح غزوها، والثانية في الداخل في مواجهة معارضي الحرب لإدراكها جيدا خطورة التحرّكات المنادية برفض الحرب.

لم توفر روسيا وسيلةً لإسكات الأصوات الرافضة غزو أوكرانيا. شنّت منذ اليوم الأول حرباً بلا هوادة على المحتجّين، اعتقلتهم بالآلاف لكم أفواههم. كانت حصيلة الاعتقالات اليومية بالآلاف داخل العاصمة وفي مدن أخرى. وعلى الرغم من تراجع وتيرة الاحتجاجات مع بداية الشهر العاشر للحرب، إلا أن ذلك لم يمنع السلطات الروسية من الاستمرار في سياسة التنكيل بمعارضي الغزو.

كلما طال أمد الحرب الأوكرانية يمكن توقع أن توغل روسيا في قمعها. عنوان التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية "ستُعتقل بأي حال" يلخص سياسة موسكو الحالية ضد المعارضين والإعلام، على اعتبار أن "السلطات الروسية ليست عازمة فقط على منع ومعاقبة أي احتجاج بشدة، مهما كان سلمياً، بل والتقليل من أي وعي عام به".

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات