حدود التوتر بين الرياض وواشنطن

حدود التوتر بين الرياض وواشنطن

22 ابريل 2022
+ الخط -

كشفت تقارير صحافية أميركية عديدة، أخيرا، عن وجود توتر مكتوم بين الولايات المتحدة والسعودية، وأن الأمر وصل إلى حدِّ أن يتجاهل وليُّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، الردَّ على اتصالات هاتفية من الرئيس الأميركي، جو بايدن، تفادياً لضغوطٍ منه بضرورة رفع المملكة إنتاجها من النفط لتعويض النقص في المعروض منه دولياً. وكان الغرب قد فرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا جرّاء غزوها أوكرانيا، طاولت قطاع الطاقة الروسي، وهو ما تسبّب في ارتفاع أسعارها عالمياً بشكل كبير. وحسب التقارير نفسها، كان بن سلمان قد صرخ في وجه مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، في لقاء جمعهما في السعودية، في سبتمبر/ أيلول 2021، بسبب طرح الأخير موضوع اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، في إسطنبول عام 2018. وتفيد بعض تلك التقارير بأن الرياض ألغت زيارة لوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في الخريف الماضي، وأخرى لوزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الشهر الماضي (مارس/ آذار). وفي تعبير عن مستوى الاحتقان في العلاقات، خصوصاً من الرياض، بثت إحدى قنوات "أم بي سي" السعودية، قبل أيام، مقطعاً كوميدياً ساخراً من بايدن، وهذا أمر غير مسبوق في العلاقات بين البلدين. وكان بن سلمان قال في مقابلة مع مجلة "أتلانتيك" الأميركية، مطلع الشهر الماضي، إنه لا يهتم بما يعتقده الرئيس الأميركي عنه. وما زالت السعودية ترفض إدانة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، الأمر الذي يزعج واشنطن.

ما سبق هو بعض تعبيرات التوتر في العلاقات الأميركية – السعودية، والتي يصفها بعض الإعلام الأميركي بأنها وصلت إلى الحضيض. وفي حين يطالب خبراء أميركيون بضرورة معاقبة السعودية، يرى آخرون أن على إدارة بايدن أن لا تنجرّ إلى التصعيد معها مخافة أن يدفع بها ذلك إلى أحضان كل من روسيا والصين. ومما يضاعف من استياء الرياض أن إدارة بايدن تطالبها بضرورة الإفراج عن وليِّ العهد السابق، محمد بن نايف، وشقيق الملك، أحمد بن عبد العزيز، وهو ما تعدّه سلطات المملكة تدخلاً في شأن داخلي.

الرياض مستاءة مما تراه تثاقلاً أميركياً في توفير ضماناتٍ أمنية لها

معروفٌ أن الاحتقان بين إدارة بايدن والرياض يذهب إلى أبعد من كل ما سبق، فمنذ كان بايدن مرشّحاً رئاسياً تعهد غير مرّة بمعاملتها على أنها منبوذة بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، ومن ذلك اغتيال خاشقجي، فضلاً عن المآخذ الأميركية عليها في حربٍ في اليمن. ومنذ أصبح رئيساً، أعلن بايدن وقف دعم بلاده للحرب السعودية – الإماراتية في اليمن. وأتبع ذلك بسماحه بنشر تقرير لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه) "يؤكّد" تورّط بن سلمان في اغتيال خاشقجي. ثمَّ إنه مضى في تنشيط المفاوضات النووية مع إيران، العدو الإقليمي المركزي للرياض. وبعد ذلك سحب منظومات صواريخ باتريوت من المملكة، في سبتمبر/ أيلول الماضي، وهو ما تركها مكشوفة أمام الهجمات الحوثية بالصواريخ والطائرات من دون طيار. وكانت ثالثة الأثافي في رفع الحوثيين من قائمة المنظمات التي تصنّفها واشنطن إرهابية.

إلا أن الغزو الروسي لأوكرانيا خدم السعودية كثيراً. مع العقوبات الغربية الصارمة على موسكو ومحاولات فطم أوروبا عن النفط والغاز الروسيين، أو على الأقل تخفيض اعتمادها عليهما، اضطرّت واشنطن إلى اللجوء إلى المملكة بوصفها أكبر منتج للنفط، والوحيدة القادرة على تعويض الفاقد الروسي منه. وهنا وجدت الرياض ضالتها للضغط على إدارة بايدن، إذ أعلنت التزامها بتفاهمات أوبك+ التي تحدّد مستوى المعروض عالمياً ونسب زيادته شهرياً، بل ذهبت الرياض إلى أبعد من ذلك عبر تواصل محمد بن سلمان مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الوقت الذي يقال فيه إنه يتجاهل اتصالات بايدن. ورغم هذا الاحتقان البادي للعيان، إلا أن الطرفين حريصان على أن لا تصل الأمور إلى قطيعة تامة بينهما، حيث يقول السعوديون إن ثمَّة اتفاقاً على 90% من القضايا المشتركة، في حين بادرت إدارة بايدن إلى نشر أنظمةٍ من صواريخ باتريوت مرة أخرى في المملكة، الشهر الماضي، بعد هجماتٍ حوثية صاروخية وبطائرات من دون طيار على منشآت سعودية للطاقة.

قرار سعودي بوقف الاعتماد على الأسلحة الأميركية أمر يستغرق عقوداً

ويتفق الخبراء الأميركيون على أن الرياض مستاءة مما تراه تثاقلاً أميركياً في توفير ضماناتٍ أمنية لها. وعلى هذا الأساس، يقول هؤلاء إن الرئيسين، الروسي، بوتين، والصيني، شي جين بينغ، قد يكونان، في حسابات بعض صانعي القرار السعوديين، رهاناً أفضل على المدى البعيد، بدلاً من المخاطرة بالتعويل على مسؤولين غربيين منتخبين لفترات محدّدة، كما كان الحال مع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. ومع ذلك، يمثل الرهان على ضمانات أمنية روسية أو صينية مقامرة كبيرة قد لا تؤمن عواقبها سعودياً. إذ حسب خبراء أميركيين، ليس لروسيا والصين سوابق في حماية المملكة ضد خصومها وأعدائها الإقليميين. كما أنهما لا تملكان وجوداً عسكرياً ذا معنى في منطقة الخليج العربي. دع عنك أنه تربطهما علاقات وثيقة ومصالح متبادلة مع إيران، ومن غير المرجّح أن تضحيا بها. أضف إلى ذلك أن قراراً سعودياً بوقف الاعتماد على الأسلحة الأميركية أمر سيستغرق عقوداً وسيكلف مئات مليارات الدولارات. والأهم من كل ما سبق أن المنظومة الأمنية والعسكرية السعودية متمحورة حول مركزية أميركية، ومستظلة بظلها.

باختصار، ما زالت أسباب التحالف بين الطرفين والمصالح المشتركة التي تجمعهما قائمة، والسعودية تقدّم خدمات جليلة لواشنطن في المنطقة مقابل الضمانات الأمنية. ومع ذلك، من الحكمة أن تحرص الرياض على أن لا تؤتى من ركونها للحليف الأميركي، وأن لا تخلط بين مناكفة إدارة والاصطدام بحسابات الدولة التي تمثلها، وأن لا تقلل من قدرة الولايات المتحدة على تعكير صفوها، ولعل في ما تكابده روسيا اليوم عبرة.