حاشية على النبأ الأردني

18 ابريل 2025
+ الخط -

كشفت استطلاعاتُ للمؤشّر العربي الذي ينتظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في إنجازها سنوياً أن دائرة المخابرات العامة أولى مؤسّسات الدولة الأكثر ثقة من الأردنيين. وفي هذا، ينفرد أهل المملكة الهاشمية بين الشعوب العربية الذين جرى استطلاع آرائهم في تصدّر ثقتهم بالمخابرات على ثقتهم بالمؤسّسات الأخرى (الحكومة والبرلمان وغيرهما) في بلدهم (حدث أن تقدّم عليهم السعوديون في هذا في مؤشّر 2022). ولكنهم، في الوقت نفسه، في منزلةٍ متأخّرة (العاشرة أو بعدها بين 15 دولة عربية مثلا) بشأن الثقة بوسائل الإعلام المحلية... ولمّا أعلنت الحكومة الأردنية، نقلاً عن المخابرات، الثلاثاء الماضي، عن كشف 16 عنصراً كانوا يصنّعون صواريخ مسيّرة، ويخزّنون أسلحة، لعدة أغراض، منها "استعمال" هذه الأسلحة "على وجهٍ غير مشروع"، سيكون نافعاً استدعاء معطيات "المؤشّر العربي" تلك، منذ 2011، (تمكن العودة إلى تفاصيلها في الموقع الإلكتروني للمركز العربي...)، والاستئناس بها بشأن تلقّي الأردنيين هذا النبأ، ومطالعتهم معالجات الصحافة المحلية، المكتوبة والإلكترونية والمرئية، له. وسيكون مدهشاً، أو طبيعيّاً في توصيفٍ أكثر دقّة، أن غالبية الأردنيين استقبلت بمصداقيةٍ عاليةٍ ما كشفته المخابرات الأردنية، مما سُمح بنشرِه، وهو جزء "يسير" بحسب إيضاح الناطق باسم الحكومة الوزير محمد المومني، غير أن في وُسعك أن تخمّن أنهم تلقّوا "التدخّل" الواسع الذي بادر إليه جمعٌ عريضٌ من الكتّاب والمحلّلين والمعلقين والإعلاميين في "الميديا" المحلية بقليلٍ من الاعتداد والاحترام. ما قد يعود إلى أن هؤلاء ألبسوا أنفسهم أثواباً واسعةً عليهم، عندما اعتبروا شخوصهم قضاةً وأصحاب سلطةٍ في إصدار الأحكام، بل أيضاً في توصية أهل القرار في البلد بما عليهم أن يصنعوه. وقد اتضحت، لدى أصحاب هذه الأوهام عن ذواتهم، جهاتُ التخطيط والتنفيذ والتدريب، وكذا عموم المقاصد والأغراض التي أراد المتّهمون الـ16 تنفيذها، في استهداف أمن الأردن وفي التعدّي على سلطة الدولة. وذلك كله، فيما قال الزملاء المؤشّر إليهم، إنهم يحترمون القضاء في بلدهم، من دون أن يرفّ لأيٍّ منهم جفن، وهو يخصم من سلطة القضاء، ويُطلقُ تعميماتٍ وأحكاماً مبرمة، واللازم بصددها.

القول هنا هو التأكيد على رفض حيازة أي أحدٍ سلاحاً غير مرخّص قانوناً، ومحاسبة من يرتكب هذا الفعل، ولو بادر به بأي دعاوى عن نصرة المقاومة في فلسطين المحتلة. والتأكيد ثانيةً على رفض كل ما من شأنه أن يعرّض أمن الأردن ومواطنيه للخطر، والإخلال بالأمن العام في البلاد. وعندما تُخبرنا الحكومة أن ما أعلنته للجمهور العام جزءٌ قليلٌ من تفاصيل كثيرة، رأت الجهات المختصة، في تقديرها الموقف، عدم إذاعتها حالياً، فإن علينا، نحن أهل الإعلام، أن نتواضع، ولا نفترض في أنفسنا الأهلية في بناء الرواية الكاملة والحقائق المؤكّدة. وعندما تمتنع السلطات الأمنية، ذات المسؤوليات الحسّاسة، وكذا المستوى التنفيذي في الدولة، عن تعيين جهاتٍ أو كياناتٍ حزبيةٍ أو مجتمعيةٍ أو سياسيةٍ متهمةً بما خطّط له المقبوض عليهم، المراقَبون منذ سنوات، فهذا لا يُجيز اللتّ والعجْن الكثيرَيْن اللذين مضى الشطط فيهما كثيراً على شاشات التلفزيونات وفضاءات "السوشيال ميديا"، عندما يعمَد أصحابهما (اللتّ والعجن) إلى إشهار اتهاماتٍ قاطعة، ترمي جماعة الإخوان المسلمين بمسؤولية كاملة عن التدبير (المُدان والمرفوض بداهة) الذي كان الشبّان المتورّطون ينوونه، ليس فقط من باب الحرص على الدقّة، بل أيضاً وعلى المهنية الإعلامية، ولأن التحقّق من صدق ما جاء في بياني جماعة الإخوان المسلمين وجبهة العمل الإسلامي، أو عدم صدقه، موكولٌ إلى جهاتٍ مسؤولةٍ وذات اختصاص، فلسنا في جلسات نقاش عن تعرفات دونالد ترامب الجمركية، في وسعنا أن نشرّق ونغرّب فيها كما نشاء، وإنما الأمر هنا يتعلّق بأمن مجتمعي وسياسات عليا وخيارات وطنية ومؤسّسات حزبية ومجلس نواب منتخب.

لا تُعطى هنا دروسٌ لأي أحد، ولا يُتَجاوز على حقّ أي أحدٍ في التعبير عن مشاعره ومواقفه بشأن أمن الأردن وأمان مواطنيه، بل يشدّد صاحب هذه السطور، مرّة أخرى، على رفض ما كان ينويه العناصر المقبوض عليهم، ومن يقف وراءهم أياً كانوا، وإنما المسألة هنا التنبيه إلى وجوب احتراس أهل الرأي والتعليق والصحافة في الأردن في الذي يخوضون فيه بلا أي اعتبارٍ لسقوف أدوارهم، فالمسألة، أيّها الزملاء، أمام القضاء، ولا داعي لأي تحريضٍ أو مزايدات.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.