جولة بايدن الشرق الأوسطية .. دوافعها وحساباتها

جولة بايدن الشرق الأوسطية .. دوافعها وحساباتها الاستراتيجية

21 يونيو 2022

الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض في واشنطن (8/6/2022/ Getty)

+ الخط -

أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن سيزور منطقة الشرق الأوسط في المدة 13-16 تموز/ يوليو 2022، تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والسعودية، حيث سيشارك في قمة تضمّ قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إضافة إلى مصر والأردن والعراق. ويتضمّن برنامجه أيضًا عقد قمة افتراضية في أثناء وجوده في جدّة، تجمعه بقادة المجموعة الاقتصادية الجديدة المعروفة بـ I2-U2، وتضم، إضافة إلى الولايات المتحدة، كلًا من الهند وإسرائيل والإمارات. وقد أثار قرار بايدن زيارة السعودية ولقاء المسؤولين السعوديين، بمن فيهم وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، نقاشاتٍ في الكونغرس، وتحديدًا بين الديمقراطيين، والمنظّمات المدافعة عن حقوق الإنسان. كما تدور نقاشات حول أهداف الزيارة: هل تتعلق أساسًا بأسعار النفط، أم تتناول إضافةً إلى ذلك قضايا التطبيع الخليجي مع إسرائيل.

دوافع الزيارة

تأتي زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط ضمن مساعي واشنطن إلى احتواء الصين والتعامل مع التداعيات التي ترتّبت على فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا، بسبب غزوها أوكرانيا، شملت قطاع الطاقة، ما أدّى إلى ارتفاع أسعارها على نحو بعيد، ومن ثم تعميق أزمة التضخم الاقتصادي على مستوى العالم الذي لم يتعافَ بعد من آثار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19). وقد وصلت نسبة التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.6%، وهي الأعلى في الأربعين عامًا الأخيرة، وقد أدّى ذلك إلى ارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية والكمالية ارتفاعًا كبيرًا؛ ما يهدّد بركود تضخّمي، قد يدفع الديمقراطيون ثمنه في الانتخابات النصفية المقرّرة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

تأتي زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط ضمن مساعي واشنطن إلى احتواء الصين والتعامل مع التداعيات التي ترتّبت على فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا

وفي حين تهدف واشنطن إلى ضرب قطاع الطاقة الروسي وحرمان موسكو من عوائده، فإنها تحتاج، في المقابل، إلى إقناع دول الخليج، وتحديدًا السعودية، بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض الفاقد الروسي. غير أن إدارة بايدن تُبدي قلقًا من تنامي علاقات حلفائها التقليديين في المنطقة بروسيا والصين، أيضًا، مع تزايد شكوك هؤلاء الحلفاء في التزام الولايات المتحدة بأمنهم.

وتأمل إدارة بايدن أن تسهم زيارة السعودية أيضًا في بحث سبل إنهاء الحرب في اليمن، التي دخلت الهدنة الهشّة فيه شهرها الثالث. كما تسعى إدارة بايدن إلى دفع عجلة التطبيع العربي – الإسرائيلي قُدمًا، والتي كانت أطلقتها إدارة الرئيس السابق، دونالد ترامب، تحت عنوان "اتفاقات أبراهام". وفي إشارة إلى ذلك، ستقلع الطائرة التي ستقلّ بايدن من تل أبيب إلى جدّة مباشرة، وهي الطريق نفسها التي سلكها ترامب عام 2017، حينما أقلعت طائرته من الرياض إلى تل أبيب مباشرة بعد حضوره القمة "العربية – الإسلامية – الأميركية".

إضافة إلى ما سبق، سيكون ملف تعثّر المفاوضات النووية مع إيران وتسريع الأخيرة مستويات تخصيب اليورانيوم من الموضوعات المهمة أيضًا على أجندة بايدن في إسرائيل والسعودية. وتسعى إدارته إلى تحقيق هدفين هنا: الأول، الضغط على إسرائيل التي تحظى بدعمٍ ضمنيٍّ من بعض الدول الخليجية، وتحديدًا الإمارات والبحرين، لتجنّب القيام بما قد يؤدّي إلى مواجهة عسكرية في المنطقة، إذ ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أخيرا، أن تل أبيب نشرت منظومة رادارات في الإمارات والبحرين. والثاني، تنسيق المواقف مع إسرائيل وبعض الأطراف الخليجية في طريقة التعامل مع إيران، سواء جرى التوصل إلى اتفاق نووي معها أم لا، وذلك حتى لا تتكرّر تجربة اتفاق عام 2015 الذي حاولت إسرائيل إفشاله، ولم تكن السعودية والإمارات والبحرين راضية عنه. 

تحتاج واشنطن إلى إقناع دول الخليج، وتحديدًا السعودية، بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض الفاقد الروسي

وعلى الصعيد الفلسطيني – الإسرائيلي، يزعم مسؤولون في إدارة بايدن إن زيارته ستكون فرصة لمحاولة استعادة دور أميركي أكثر توازنًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومناسبةً لإعادة التأكيد على تأييد حل الدولتين، بعد أن شهد الموقف الأميركي انحيازًا غير مسبوقٍ لصالح إسرائيل في عهد ترامب، علمًا أن إدارة بايدن أضاعت وقتًا ثمينًا في الرهان على الحكومة الإسرائيلية الجديدة لمجرّد أنها ليست حكومة بنيامين نتنياهو، مع أن رئيسها، نفتالي بينت، لا يقل سوءًا، إن لم يكن أسوأ من نتنياهو، في كل ما يتعلق بقضية فلسطين، ولم تُبدِ إدارة بايدن اهتمامًا حقيقيًا بالصراع الفلسطيني - الإسرائيلي على مدى عام ونصف العام من وجودها في السلطة، ولم تبذل جهدًا فعليًا لوقف انتهاكات إسرائيل في حقّ الفلسطينيين، ووقف عمليات الاستيطان وهدم البيوت في الضفة الغربية، بما في ذلك في القدس الشرقية، واستمرار الحصار على قطاع غزة. 

وقد أبقت إدارة بايدن على كثير من سياسات إدارة ترامب، كالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ولم تُعِد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، ولم تفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وسيحرص بايدن خلال زيارته إسرائيل، بحسب مسؤولين في إدارته، على إظهار التزامه بأمنها، ومن ذلك زيارة بعض أنظمتها الدفاعية التي قدّمتها أو موّلتها الولايات المتحدة. 

إعادة ضبط العلاقات الأميركية – السعودية 

تُعدّ إعادة ضبط علاقة الولايات المتحدة مع السعودية أحد أبرز أهداف زيارة بايدن المنطقة، كما صرّح هو نفسه، بعد أن شهدت هذه العلاقة توترًا ملحوظًا منذ تولّيه الرئاسة مطلع عام 2021، خصوصًا أنه كان تعهّد، خلال حملته الانتخابية، بالتشدّد مع السعودية بسبب استمرار حرب اليمن، واغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وغيرهما من انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان. وبعد انتخابه رئيسًا، رفض بايدن التعامل مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وحصر التواصل مع والده، الملك سلمان. ثمّ أعلن عن وقف دعم الولايات المتحدة السعودية والإمارات في حرب اليمن، وحظر عليهما الحصول على "أسلحة هجومية". وأتبع ذلك برفع السرّية عن تقرير لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) يلمّح ضمنًا إلى وقوف محمد بن سلمان شخصيًا وراء إصدار الأمر بقتل خاشقجي، وفرض عقوبات على المسؤولين عن الجريمة، مستثنيًا إياه، أي وليّ العهد. ثمَّ إنه تحت ضغط أقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001، الذين يتهمون الحكومة السعودية بالتورّط فيها مباشرة، سمح بايدن برفع السرّية كذلك عن وثائق مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بشأنها، وإنْ لم تحتوِ على أيّ دليل ملموس يؤيد مزاعمهم ضد السعودية. 

تخشى واشنطن من أن يؤدّي استمرار قطيعتها مع محمد بن سلمان إلى ابتعاد السعودية أكثر عنها، واقترابها من روسيا والصين

كما رفعت إدارة بايدن، في شباط/ فبراير 2021، جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب الأميركية، التي كانت إدارة ترامب وضعتها فيها. وفي أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، سحبت واشنطن بطاريات باتريوت من السعودية في وقتٍ كانت تتعرّض فيه لهجمات حوثية متكرّرة بصواريخ باليستية وطائرات من دون طيار. واشتكت الرياض أكثر من مرّة، منذ تنصيب بايدن رئيسًا، على الرغم من تلبيتها مطالب أميركية كثيرة، ومنها تكثيف الجهود لإنهاء الحرب في اليمن، ومحاولة تحديث البلاد، بما في ذلك إضعاف نفوذ رجال الدين ومنح المرأة مزيدًا من الحقوق، وفتح حوار مع إيران بالتوازي مع المفاوضات الجارية في فيينا حول برنامجها النووي، فضلًا عن تعميق الاتصالات والتعاون مع إسرائيل، فإن إدارة بايدن، كما يقول المسؤولون السعوديون، في المقابل، لم تُقدّر بما يكفي تلك الخطوات، بل طلبت تقديم المزيد، مثل استقبال لاجئين أفغان، أو مساعدة الاقتصاد المتعثر في لبنان، أو تقديم الدعم لاستقرار العراق .. إلخ. 

غير أن غزو روسيا لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، وما ترتب على ذلك من تداعياتٍ على الاقتصاد العالمي، بما فيه الأميركي، خصوصًا في قطاع الطاقة، دفع إدارة بايدن إلى إعادة النظر في مقاربتها للعلاقة مع السعودية على أساس محاولة إيجاد توازنٍ بين القيم والمصالح في سياستها الخارجية. 

ويبرّر مسؤولون في إدارة بايدن التحوّل في موقفه في علاقات الولايات المتحدة بالسعودية عندما كان مرشّحًا بأنه ينظر إلى الأمور على نحوٍ مختلفٍ بوصفه رئيسًا الآن، وخصوصا أن تركيزه ينصبّ حاليًا على قضايا الحرب في أوكرانيا وإسقاطاتها على موضوع الطاقة، الأمر الذي يحتاج معه إلى تعاون السعودية. إضافةً إلى ذلك، تخشى واشنطن من أن يؤدّي استمرار قطيعتها مع محمد بن سلمان إلى ابتعاد السعودية أكثر عنها، واقترابها من روسيا والصين. وكان ابن سلمان قد دعا، أخيرا، الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة الرياض. وسرّبت السعودية معلومات مفادها بأنها مستعدّة لتقاضي ثمن جزء من صادراتها النفطية إلى الصين باليوان، في مؤشّر على تنامي التعاون بين البلدين. والجدير ذكره هنا أن رئيس المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، زار الرياض، في نيسان/ أبريل 2022، لتدارك التدهور في العلاقة معها وإقناعها بإلغاء صفقة كبيرة لشراء الأسلحة من الصين، من بينها صواريخ باليستية. 

لم تخرُج إدارة بايدن عن النهج الواقعي تاريخيًا للسياسة الأميركية، حيث تتقدّم المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والانتخابية على ما عداها

وقد شجّع حلفاءُ واشنطن الأوروبيون، مثل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بايدن على إنهاء الخلاف مع محمد بن سلمان. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تصدُر عن الطرفين إشاراتٌ إلى تحسّن العلاقات بينهما، حيث أشادت إدارة بايدن بخطواتٍ اتخذتها السعودية، مثل موافقتها، مطلع حزيران/ يونيو 2022 على تمديد الهدنة في اليمن التي توسّطت بها الأمم المتحدة، مطلع نيسان/ أبريل الماضي، مدة شهرين آخرين، ثم إعلان مجموعة "أوبك+"، التي تقودها السعودية، رفع إنتاجها من النفط في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، بنحو 250 ألف برميل إضافة إلى الـ 400 ألف برميل المنصوص عليها في اتفاق رفع الإنتاج التدريجي. وتأمل واشنطن أن تقوم السعودية بزيادةٍ أكبر على مدار العام، نظرًا إلى القدرة الاحتياطية التي تملكها في إنتاج النفط. في المقابل، تطالب الرياض بالتزام أميركي واضح بالدفاع عن أمنها، وإعادة تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية، وألّا تكون هناك مفاجآت من واشنطن، خصوصًا فيما يتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران، فضلًا عن تخفيف حدّة الانتقادات الأميركية لسجل حقوق الإنسان في السعودية. وعلى الرغم من أن بايدن أكّد أنه لن يغيّر وجهة نظره في خصوص موضوع حقوق الإنسان، فإنه عقّب على ذلك بقوله "لكن بصفتي رئيسًا للولايات المتحدة، فإن وظيفتي هي إحلال السلام إذا استطعت". 

خاتمة

لم تخرُج إدارة الرئيس بايدن عن النهج الواقعي تاريخيًا للسياسة الأميركية، حيث تتقدّم المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والانتخابية على ما عداها. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجّهها عدد من الديمقراطيين والمنظمات الحقوقية لما يرونه تفريطًا من بايدن في وعوده حول الالتزام بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، فإن المعطيات الجيوسياسية عالميًا، في تقدير مسؤولي إدارته، أكبر وأخطر من أن يجري اختزالها في وعود وشعارات انتخابية. ومع ذلك، يرى ناقدون لإدارة بايدن أن التسامح مع قضايا حقوق الإنسان يشجّع منتهكيها، وأن مقاربة الإدارة في موضوع الطاقة مبنيةٌ على افتراضات واهية؛ ذلك أن قدرة السعودية والإمارات على تعويض الصادرات الروسية من النفط مُبالَغ فيها، فضلًا عن أن السعودية لا يمكنها التخلّي عن الاعتماد على السلاح الأميركي، وهي غير قادرة على تحمّل التكلفة الكبيرة لتحويل بناها وهياكلها العسكرية المعتمدة على أنظمة التسليح الأميركية إلى الصينية أو الروسية. ومع ذلك أيضًا، لا يبدو أن إدارة بايدن مستعدّة لأخذ مخاطرة، مهما كانت محدودة، في الظرف الدولي السائد، حيث ينصبّ جل تركيزها على إضعاف روسيا واحتواء الصين، ومنع دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، على الرغم من أن هذه الأهداف تبدو متضاربة وغير قابلةٍ للتحقق على نحو متزامن.