جنبلاط مستشعراً الخطر

06 مارس 2025
+ الخط -

يُحمد للزعيم الدرزي اللبناني، وليد جنبلاط، استشعاره الخطر، كما تُحمد له عروبته، ومواقفه الثابتة بربط الطائفة بالمنطقة، لا التزلف لإسرائيل من تحت الطاولة أو فوقها، خاصّة أنّ زعامته، في شقّ كبير منها، ليست سياسية وحسب، بل تتعلّق بطائفة قليلة العدد، وبلا مرجعيات كبرى حقيقية، في منطقةٍ لا يمكنك الرهان على مفهوم المواطنة في دولها.

وفي هذه أفلح جنبلاط، كما فعل من قبله والده الزعيم الكبير كمال جنبلاط، في استبدال قلّة العدد وغياب الدعم من الدول الكبرى (الاستعمارية سابقاً)، بالتحالف مع التيّارات الصاعدة في المنطقة، وفي بلاده خصوصاً، تلك التي تتعالى على الانتماءات الضيّقة، ذات البعد الطائفي أو القَبَلي، وتمثّلت في حينه في المقاومتين اللبنانية والفلسطينية.

يعرف جنبلاط، كما ساسة المنطقة، أن سورية ضعيفةً تعني مشرقاً عربياً في مهبّ الريح، وثقوباً تسمح بالتدخّلات الخارجية الفجّة كما حدث مع النفوذ الإيراني، الذي توحّش في حقبة بشّار الأسد، وأن الفراغ الذي أحدثه فرار الأسد وخروج إيران قد يكون مغرياً لأطرافٍ في المنطقة، وتحديداً إسرائيل، لملئه، وأن لا خيار للدروز الذين يمثّلهم سوى أن يكونوا أنفسهم، مع أيّ مشروع عربي في المنطقة، وضدّ إسرائيل. لذلك حرص الرجل على أن يكون أول الساسة اللبنانيين في زيارة دمشق، وإنشاء علاقات مع العهد الجديد هناك، لا من منطلق العلاقات بين الدول وحسب، أو ابتهاجاً برحيل عدوّ مشترك (بشّار ومن قبله حافظ الأسد)، بل من منطلق ربط الطائفة بتيّار أكبر، وضمان التواصل بين أفرادها المتفرّقين بين عدة دول في المنطقة.

كما حرص على أن يكون ضمن الفعل لا خارجه، مؤثّراً إذا أمكن لا ردّة فعل، بعد حدث الجمعة في مدينة جرمانا في الجوار السوري، الذي ترافق مع تهديدات إسرائيلية للعهد السوري الجديد كانت أشبه بحفلات الردح، وشارك فيها نتنياهو ووزير أمنه، تحت غطاء من الدخان الزائف الذي يدّعي وصلاً بليلى، والإيحاء بأن إسرائيل هي أمّ الولد الدرزي والمدافعة عنه والوصية عليه، وتلك لا تنطلي على زعيم يحمل على كتفيه عبء عدم "تطييف" جماعته وتوظيفها (رغم أنها طائفة من الأساس) خاصّة من إسرائيل، التي نجحت في شقّ الطائفة، على الأقل في الداخل الفلسطيني، ودمجه في مؤسّساتها، بل وجيشها.

تسعى إسرائيل إلى حلف من الأقلّيات في المنطقة، بل تشجّع عليه وتقوّيه، ما يُضعف المنطقة ويقسّمها، ما يُفسّر سكوت إسرائيل الطويل عن بقاء بشّار الأسد في الحكم، وعداءها منذ الأول للعهد الجديد في دمشق. ومن شأن إثارة مخاوف دروز سورية، أو تضخيم أوهام بعضهم، التساوق مع المشروع الإسرائيلي الكبير في المنطقة، وهو التقسيم والشرذمة، وتحويل شعوب المنطقة تجمّعاتٍ سكانيةً أو أقلّيات دينية ومذهبية لا تملك من أمرها شيئاً سوى الانضواء تحت جناحها، ولذلك جاء ادّعاؤها بالوصاية على دروز سورية، والتطوّع لحمايتهم، وبعض القوم لا يعنيه السؤال عن حمايتهم مِن مَن ولماذا، ما دام محكوماً بذهنية الأقلّيات لا المواطنة، التي وإنْ افتقرنا لوجودها في دولنا فلا يعني عدم سعينا من أجل الوصول إليها، وهو ما يبدو أن جنبلاط أكثر استشعاراً له من زعماء كثيرين في المنطقة.

يؤخذ على العهد الجديد في سورية بطؤه في الشأن المتعلّق بإسرائيل تحديداً، على قاعدة أن الاشتباك معها الآن قد يؤخّر التقدّم في بناء سورية ما بعد الأسد، وهذا ليس من الحكمة في شيء، خاصّة أن إسرائيل تتربّص بك، سواء عاديتها أو أرجأت ذلك إلى حين، وفي الظنّ أن مشروع الكانتون الدرزي، الذي يتخوّف جنبلاط، وقطاع عريض من السوريين منه، يظلّ خطراً داهماً على سورية والمنطقة، رغم أن فرص إنفاذه قليلة، لكن الرهان على دروز سورية وحدهم لإفشاله لا يكفي، بل يفترض بناء جبهة عربية عريضة تحول دون مجرّد التفكير فيه، وهو ما أظنّ أن جنبلاط يفعله قبل الرئيس السوري أحمد الشرع، بتوثيق علاقاته مع دمشق ما بعد الأسد، وتعبيد الطريق إلى أنقرة وليس إيران، لغياب بديل عربي ينخرط بثقل لإحباط المشروع الإسرائيلي. وعلى الشرع أن يردّ التحيّة، لا على سبيل المجاملة، بل بناء الاستراتيجيات، وتصليب المواقف، قبل أن تستفرد إسرائيل بمواطنيه في الجنوب السوري بأسره.

زياد بركات
زياد بركات
قاص وروائي وصحفي فلسطيني/ أردني، عمل محررا وكاتبا في الصحافتين، الأردنية والقطرية، وصحفيا ومعدّا للبرامج في قناة الجزيرة.