جريمة الساحل ومخاطر تفجير سورية

16 مارس 2025

سيارات محترقة بعد اشتباكات في جبلة غربي سورية (11/3/2025 الأناضول)

+ الخط -

موقف القوميين في تونس من الحدث السوري مفهوم جداً. لم يتوقّعوا أن تسقط سورية في أيدي الإسلاميين بهذه السهولة، فهم خسروا آخر نظام يدّعي أنه مدافعٌ عن شرف الأمة وحياضها. لهذا السبب، بقوا يتابعون الملفّ السوري من زاوية البحث عن أي ثغرة، وأي خطأ ترتكبه السلطة الجديدة للتشنيع بها، واتخاذه منطلقاً للتبشير بعودة حلفاء الأمس إلى مواقع السلطة. لهذا، رأى التيار القومي ما حصل في الساحل السوري دليلاً قاطعاً على ما سمّاها دموية النظام الجديد، ودعا في بياناتٍ له الشعب السوري إلى التمرّد والثورة على حكام دمشق. لكن الموقف الغريب الذي أعلنه بعض الناصريين التونسيين أدهشني إلى حد بعيد، فقد طالب هؤلاء بمحاسبة التونسيين المساندين للرئيس أحمد الشرع، واعتبارهم "خلايا نائمة لداعش ووجوب تتبّعهم" أمنياً وقضائياً. ... وأتفهّم حالة الإحباط الشديد الذي عليه هؤلاء، لكن ذلك لا يبرّر هذا التشنّج الشديد الذي يجعل المرء يفقد قدرته على التمييز بين الألوان والأشياء.

ما حدث في الساحل السوري جريمة من الحجم الثقيل، وورطة لا يمكن الفكاك منها إلا بتحقيق جدّي وشامل، يتوّج بمحاسبة المسؤولين عنها بقطع النظر عن مواقعهم، فالقتل على الهوية ذنبٌ لا يُغتفر، خصوصاً أنه استهدف مئاتٍ من المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال. وقد تؤدّي لجنة التحقيق التي أُنشئت مهمّة التقصي والتحرّي، ويتحمّل المكلفون بها مسؤولياتهم كاملة تجاه قتل 813 مدنياً لقوا مصرعهم في هذه المجزرة. ومن المهم جداً السماح لوفد أممي بتقصي الحقائق الذي سيكون له رأي وموقف.

... لم يستسلم من يصفهم خطاب السلطة بفلول النظام البائد كلياً، فبعض المقرّبين من بشّار الأسد يحاولون منع نظام الشرع من التمتع بالهدوء والاستقرار. من بين قادة هؤلاء غياث دلة الذي أنشأ هيكلاً سمّاه "المجلس العسكري لتحرير سوريا"، وأطلق هذا الهيكل الشرارة الأولى لأحداث الساحل، حيث قتلت مجاميعه، حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، 172 عنصراً على الأقل من القوات الأمنية والعسكرية، إضافةً إلى ما لا يقل عن 211 مدنيّاً. في المقابل، أكدت الشبكة مقتل ما لا يقلّ عن 420 شخصاً من المدنيين والمسلحين منزوعي السلاح، بينهم 39 طفلاً و49 امرأة و27 على يد قوى مسلحة تابعة للنظام، منها تنظيماتٌ إسلامية أجنبية منضوية شكلياً تحت مظلة وزارة الدفاع، وفي ذلك توريط مباشر للسلطة القائمة في دمشق.

بناءً على ما تقدّم، هناك من بدأ المجزرة، وهم ضبّاط "الفرقة الرابعة" في النظام السابق، الذين اتهمهم ابن خالة بشار الأسد في تدوينة له بأنهم "تاجروا بدماء العلويين" وارتكبوا أعمالاً غبية، كادت تقضي على الطائفة العلوية حسب قوله. وبقطع النظر عن الصراعات التي تشقّ أنصار الأسد، المؤكّد أن هؤلاء ضالعون في الجريمة من دون تبرير ما ترتّب عن ذلك. وقد تبنّى هذا الموقف الاتحاد الأوروبي في بيان له.

ما جاء على لسان الرئيس التركي أردوغان صحيح، عندما أشار إلى وجود أطراف داخل سورية وخارجها تعمل على تأجيج الحرب الطائفية، منها إسرائيل، من خلال المحاولة المكشوفة لدفع السوريين الدروز نحو الحكم الذاتي. لهذا السبب، كان الاتفاق التاريخي الذي وقّعه الشرع مع الأكراد من جهة، ومع دروز في السويداء من جهة ثانية، سياسة حكيمة وخطوة استراتيجية على غاية كبرى من الأهمية. وهو ما يدلّ على أن محاولات تأليب السوريين على النظام الحالي غير منتجة، وتدل على قصر واضح في النظر.

مصلحة تونس في طيّ صفحة الماضي، ودفع السلطة نحو بناء علاقات واضحة وجدّية مع النظام القائم في دمشق. وفي المقابل، المطلوب من القوى السياسية في تونس تجنّب تحويل المسألة السورية إلى معركة داخلية متواصلة تزيد من إرهاق الطبقة السياسية، وتعمّق الانقسام الوطني، وتحرّض السلطة على المخالفين في الرأي.

266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس