جرعة أخرى من الأمل

جرعة أخرى من الأمل

18 مارس 2021
+ الخط -

بانتظار الجرعة الثانية من لقاح أكسفورد الذي حظيت بجرعته الأولى قبل أسابيع، أعيش أيامي ما بين الأمل والرجاء من جهة، وقليلٍ من الخوف المسيّج بالأسئلة والأجوبة من جهة أخرى. لم يكن لدي أدنى شك باللقاح الذي دعتنا وزارة الصحة لتلقيه على سبيل مقاومة فيروس كورونا، فقد كان الأمل المنتظر بعد رحمة الله. ولهذا ما أن توفر، حتى سارعتُ إلى تسجيل اسمي في النظام المخصص لذلك. وعندما وصلت إلي الرسالة الهاتفية التي تُبلغني بموعدي القريب، تهيأت للأمر نفسيا جيدا. سارت الأمور على خير، فشكّة الإبرة الدقيقة كانت من الرقّة بحيث لم أشعر بها، وهي تخترق جلدي لتمدّ جسدي بماء الحياة الجديدة، بعيدا عن فيروس كورونا ومضاعفاته، أو على الأقل تقليلا من شأنه، إن كان لا بد من زيارته.

بعد أن أعلنت عن خبر أخذي اللقاح، ونشرت صورة الشهادة التي زوّدني بها المركز الطبي مثبتا فيها نوع الجرعة وتاريخها على حسابي في منصة تويتر، بهدف تشجيع من حولي، وتقليلا من خشيتهم البادية، والتي جعلتهم يتردّدون في أخذه، صرتُ هدفا لأسئلتهم عن المضاعفات والتداعيات والأعراض التي شعرت بها. لم يصدّق كثيرون أنني لم أشعر بسوى صداع عالجته بفنجان إضافي من القهوة، وألم خفيف بمكان الأبرة كالذي يحدُث دائما في مثل تلك الحالات.. وانتهى الأمر. كثيرون منهم تبرّعوا بسرد القصص المخيفة لمن سبقني بأخذ اللقاح، فهناك من توفاه الله بعد دقائق قليلة من التطعيم، وهناك من عانى أمراضا كثيرة أوصلته، في النهاية، إلى غرفة العناية الفائقة في المستشفى، وهناك من أصيب بفيروس كورونا، ولم يستطع اللقاح حمايته، لا من الفيروس ولا من أعراضه القوية.. وهكذا توالت القصص المخيفة التي أعلم أنها غير صحيحة، أو على الأقل مبالغ فيها كثيرا جدا. لكن أصحابها يصرّون على أنها الحقيقة، ويدللون بها على أنني تسرّعت كثيرا بخطوتي تلك، في حين أنني لست من الفئات الأكثر تعرّضا للفيروس!

ما يخيف الآخرين من أمرٍ ما يجعلهم غالبا يحاولون نقله إليه لتشاركهم الخوف، فيجتهدون في ابتكار أسباب منطقية وغير منطقية، لزرع الخوف في نفسك، بطريقة مباشرة أحيانا، وطريقة غير مباشرة أحيانا أخرى، بل لعلهم غالبا لا يعرفون أنهم يفعلون ذلك، فهم يُقدمون عليه سلاحا لدفع الخوف الذي يعيشونه بدورهم، فيظنون أن التشارك فيه يساهم في تبديده. وهكذا أصبحت هدفا لسهام التخويف التي أطّرني بها الخائفون، باعتبار اللقاح ليس سوى مؤامرة غير مأمونة العواقب، وأنني سرعان ما أندم على خطوتي المبكرة بالخضوع لدعاية مروّجيه. لا أدري من أين تسرّب هذا النوع من السهام إلى مساحة الوعي، بل إلى مساحة الخوف من المرض نفسه. وكيف أن الخوف من اللقاح سبق الخوف من الفيروس، فهذا جديدٌ جدا وغير مسبوق، ذلك أننا بدأنا بأخذ اللقاح تحت ظلال الجائحة المستمرّة والمتسارعة بوتيرتها الزمنية وخطورتها المتصاعدة. ومع هذا، بدا لنا أن الكوّة الوحيدة التي يمكنها أن تكون سبيلنا إلى النجاة هي نفسها التي أصبح ينظر إليها الناس باعتبارها خطرا إضافيا .. هل لأنها مجهول جديد؟ أم أنه التوجّس الذي يصاحب الأشياء في بداياتها وقبل أن تكون من الطبائع؟ ربما.. لكن الأكيد أننا نعيش واحدة من معضلات البشر في ما يتعلق بثقة الفرد بنفسه وبالآخر، سواء أكان هذا الآخر هو الحكومة أم السلطات الصحية أم العلم المكتشف أم الطبيب .. أم حتى الفرد المساوي له في فرديته.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.