جامعة الدول العربية في مهمة إنقاذ العالم

جامعة الدول العربية في مهمة إنقاذ العالم

06 ابريل 2022

وفد جامعة الدول العربية مع وزير الخارجية الروسي لافروف في موسكو (4/4/2022/Getty)

+ الخط -

مصريَّان اثنان يصرّان في كل مناسبة على معاكسة ما يُعرف به بقية أبناء بلدهما: خفّة الدم. إنهما وزير الخارجية سامح شكري المتجهّم دوماً، وسلفه في الوزارة، الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، الذي حبذا لو يحتفظ بملامح الوجوم بدل محاولة الإيحاء بامتلاك ما لا يملكه، أي حسّ النكتة. الرجلان قرّرا رمي نكتة في التوقيت الخاطئ، فتزعما وفداً عربياً اسمه "مجموعة الاتصال العربية على المستوى الوزاري"، ذكّرتنا وكالات الأنباء بأنه تم تكليفه في التاسع من مارس/ آذار الماضي بمهمة بحجم إنقاذ البشرية عبر "عرض الوساطة لحل الأزمة الدائرة بين روسيا وأوكرانيا"، على حد تعبير سامح شكري من موسكو، يوم الاثنين. جامعة الدول العربية إذاً استفاقت على غفلة، وأرسلت كلاً من شكري وأبو الغيط بمعية وزراء خارجية الأردن أيمن الصفدي والجزائر رمطان لعمامرة والسودان علي الصادق والعراق فؤاد حسين إلى موسكو ثم وارسو، للقاء سيرغي لافروف في الأولى، ونظيرهم الأوكراني ديمتري كوليبا في الثانية.

فكاهات كثيرة تتنقل ما بين عناصر الخبر. أولاً عنوان الحدث بحد ذاته: الجثة المسمّاة جامعة الدول العربية، الجاثمة فوق أكثر منطقة جغرافية في العالم تعرف حروباً ومجاعات وكوارث ومآسي وخراباً وخلافات بين بلدانها، لا تخجل من تكليف نفسها بدور بهذا الحجم. من بين البلدان الخمسة المتطوعة للتوسط، ثلاثة امتنعوا عن التصويت على إدانة الغزو الروسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي (العراق، الجزائر، السودان). والامتناع في هذه الحالة أقرب إلى التصويت برفض الإدانة بطبيعة الحال.

النكتة الثانية أنّ الجامعة كلفت الوزراء الخمسة والأمين العام بالتوسط بين المتحاربين قبل نحو شهر من صعودهم الطائرة والانطلاق إلى العاصمتين. استغرقت المباشرة في العمل شهراً ليرمي سامح شكري تلك الكلمات القليلة التي بشّر فيها بأن وفده عرض الوساطة على لافروف، وأنه شدد خلال محادثات في روسيا على "أهمية تسهيل خروج الجاليات العربية من مناطق الصراع، وضمان عدم تأثير النزاع على الدول الأخرى"، وذلك بعد شهر وعشرة أيام من تيهان المواطنين العرب في أوكرانيا، لا سفارات تسهّل أمورهم ولا وزارات تستنفر لإخراجهم من ورطتهم. أما ما هو ليس بنكتة أبداً في الخبر، فهو مصادفة وصول الوفد الوزاري العربي إلى موسكو في اليوم التالي لانكشاف أمر مذبحة بوتشا في ضواحي كييف. والمجزرة "كلاسيكية" في سيرة الحروب: عشرات الأشخاص أُعدموا بطلقات في مؤخرة الرأس من مسافة قريبة، في منطقة احتلتها روسيا لشهر تقريباً، ولم تدخلها أي جهة إلّا بعدما انسحبت القوات الغازية، وأظهرت الأقمار الاصطناعية أنّ الجثث كانت ملقاة في الشوارع بالفعل قبل الانسحاب الروسي. وشاءت الصدفة أن لافروف علّق على صور المذبحة قبل ساعات من لقائه ضيوفه العرب، فأخبر العالم بأنها مؤامرة زائفة وصورها وفيديوهاتها مركبة. أغلب الظن أن الوزراء لم يناقشوا مضيفهم في أمر مؤامرة بوتشا، فلا داعي لأن يقنعهم لافروف بألاعيب المؤامرات، فهم يعرفون جيداً كيف تُركب مشاهد المجازر والثورات في استديوهات، وكيف يقتل شعب نفسه لأن الأنظمة يستحيل أن تقتله، ولا روسيا تفعل ذلك حين تحتل أراض عربية. لو كان هناك متسع من الوقت لدى المجتمعين، لكان الوزراء العرب ذكّروا لافروف كيف انتحر السوريون في الغوطة وخان شيخون وحلب بالسلاح الكيميائي والفوسفور وغاز السارين، وكيف أن مجازر دارفور حيلة غربية لضرب سيادة السودان، وكيف أنّ مقتلة رابعة لم تطاول إلا إرهابيين.

في حضرة الدماء، تنعدم الرغبة كلياً في قراءة أخبار كتلك التي تتعلق بالوزراء العرب. في خضم المجزرة، الصمت، حين يكون الفعل مستحيلاً، هو السلوك الأكثر احتراماً للقتلى والمشردين والجائعين والمعذبين. في ظروف كهذه، هل يكون كثيراً لو نطلب من وكالات الأنباء والتلفزيونات احترام عقولنا وما بقي من مشاعر إنسانية فينا، والاعتراف بأنّ الوقت ليس مناسباً لنكات سمجة من نوع وساطة جامعة الدول العربية بين روسيا وأوكرانيا؟

أرنست خوري
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
أرنست خوري