تونس في اليوم التالي للاستفتاء

تونس في اليوم التالي للاستفتاء

28 يوليو 2022

في مركز اقتراع في ولاية القصرين وسط غرب تونس (25/7/2022/فرانس برس)

+ الخط -

مع تنظيم الاستفتاء في تونس على الدستور الجديد تكون خطوات الرئيس قيس سعيّد نحو إعادة هيكلة النظام السياسي للبلاد قد بلغت منتهاها. وليس مهماً بالنسبة لأنصار النظام الحالي حجم المشاركة الشعبية ولا الظروف التي حفت بتنظيم الاستفتاء ولا حتى مضمون الدستور ذاته، المهم أنه مر وبنسبة موافقة تسعينية معتادة لدى الأنظمة العربية والمنظومة العالمثالثية عموماً.

واقعياً، كان الرئيس يتمتع بكلّ الصلاحيات وتخضع له كل السلطات منذ 25 جويلية (يوليو/ تموز) 2021 وكان تسيير الشأن العمومي يتم وفق المرسوم 117 الصادر في 22 سبتمبر/ أيلول 2021، غير أنّ خلاصة ما جرى بعد الاستفتاء أنّ السلطات التي كانت تُمارس وفق المراسيم تحولت الآن إلى صيغة دستورية، يتم الاستناد إليها لإصدار المراسيم والأوامر الرئاسية في غياب أي سلطةٍ موازية مهما كان نوعها.

الأكيد أن تونس مرّت بحالة من الانغلاق السياسي في سنواتها الماضية، غير أنّ واقع أزمتها لم يكن سياسياً في جوهره، وإنما هو مشكل تمتد جذوره في أزمات اجتماعية متراكمة، يتداخل فيها غياب التنمية والتفاوت بين الجهات، بالإضافة إلى البطالة رافقتها حالة من التململ الاجتماعي. وإذا أضفنا إليها تصاعد الأزمة الاقتصادية التي ساهمت في تفاقمها عوامل داخلية تتعلق بسوء التسيير وعوامل خارجية ذات صلة بأزمة الغذاء العالمي ومشكلات التزود بالطاقة. ولكلّ هذه الأسباب، فإنّ الذين شاركوا في دعم الإجراءات أخيراً يتصوّرون أنّ مشكلاتهم المتراكمة قد تجد سبيلها إلى الحل، إذا تغير النظام السياسي، وهذا نوع من الوهم الذي جربته شعوب متعدّدة من دول العالم الثالث عاشت أزمات مماثلة.

جملة من التساؤلات بشأن قدرة منظومة الحكم الحالية على توفير الحاجات الأساسية للشعب

واقعياً، على النظام الحاكم أن يعترف بجملة الأزمات التي عليه مواجهتها وإيجاد حلول عاجلة لها، فالسلطة التي أصبحت متمركزة لدى طرف واحد لن تجد المبرّرات التقليدية حول تنازع الصلاحيات أو انتظار مداولات البرلمان، ففي المرحلة الحالية يمكن اتخاذ القرار وإنفاذه مباشرة من دون مشاورات ولا مداولات، وهو ما يعني تحمّل المسؤولية عن أي فشل قادم. وهو ما يطرح جملة من التساؤلات بشأن قدرة منظومة الحكم الحالية على توفير الحاجات الأساسية للشعب، ومواجهة المشكلات الاقتصادية الكبرى، وفي مقدمتها مشكلة المديونية المتضخمة والرغبة في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي الذي ما زال يتمنّع رغبة في فرض شروطه القاسية، والتي تحاول الحكومة الحالية تقديم الضمانات اللازمة لتأكيد الاستجابة لها. وفي ظل وجود معارضة قوية في الشارع، تجسّدت في ضعف المشاركة الشعبية في التصويت على الدستور الجديد، فستكون أمام النظام الحالي خيارات قليلة هي في كلّ الأحوال ليست جيدة، ومنها اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام وتجاهل الأزمة الاقتصادية الخانقة، والتوجه نحو خنق أصوات المعارضة السياسية، وتركيز الجهد على الصراع السياسي الجانبي، وإغفال الملف الاجتماعي الذي يمكن أن يتفجر في أي لحظة جارفاً الجميع، أو أن يحاول الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي، وما يستتبعه من ضغط على معيشة الناس، وهو خيار ستكون عواقبه صعبة بكل تأكيد.

اليوم التالي للاستفتاء سيكون الأشد صعوبة في التعامل مع الوضع التونسي، بكلّ مشكلاته وأزماته

ربما كان جزء من الشارع السياسي الذي انحاز إلى الخيارات الجديدة يعتقد أنّ المهم هو استبعاد الطبقة السياسية برمّتها، وتصفية الحساب معها، خصوصاً مع تيار الإسلام السياسي، للتفرّغ بعدها لحلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الحادة، وهو استنساخ لتجربة زين العابدين بن علي في الحكم في فترة التسعينيات، غير أنّ هذا التصوّر لا يدرك مدى التبدل الذي أصاب المجتمع التونسي في الداخل، بالإضافة إلى التحولات العميقة في الوضع الدولي عموماً. ففي زمن حكم زين العابدين بن علي، وجد النظام متنفساً اقتصادياً هائلاً في ليبيا المجاورة، إذ كان ملايين البشر يستفيدون من التجارة البينية، بالإضافة إلى أنّ الاتحاد الأوروبي، الذي كان في مرحلة تشكله النهائية وقتها، كان راغباً في الاستفادة من حكم بن علي في محاربة الهجرة غير النظامية مقابل منح مالية ضخمة وقروض. وأخيراً، لم يعرف العالم في تسعينيات القرن الماضي وباء كورونا ولا حرب أوكرانيا، وإنما كان الوضع الدولي مستقراً ومتجانساً. هذه العوامل جميعاً تغيب عن المرحلة الحالية، وسيكون الانفراد بالحكم بمثابة الفخ الذي سيتحمل تبعاته من اختار هذا التوجه.

اليوم التالي للاستفتاء سيكون الأشد صعوبة في التعامل مع الوضع التونسي، بكلّ مشكلاته وأزماته، وبكلّ صراعاته بين أحلام المؤيدين ورفض المعارضين، وما يعتمل خفية في نفوس الأغلبية الصامتة التي لا أحد يدري عن طبيعة ردود أفعالها المقبلة، والتي سيكون من الصعب توقعها أو التحكّم فيها.

B4DD7175-6D7F-4D5A-BE47-7FF4A1811063
سمير حمدي

كاتب وباحث تونسي في الفكر السياسي، حاصل على الأستاذية في الفلسفة والعلوم الإنسانية من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بصفاقس ـ تونس، نشرت مقالات ودراسات في عدة صحف ومجلات. وله كتب قيد النشر.