تونس: خشية الصندوق

تونس: خشية الصندوق

01 ابريل 2022
+ الخط -

لم تكن جلسة البرلمان التونسي الافتراضية يوم الأربعاء مثالية. كانت الفوضى ماثلة بقوة. مشكلات الإنترنت، وبدقة أكثر، العطل الذي طرأ على منصتي تيمز وزوم (لم يُعرَف بعد ما إذا كان متعمّداً) حال دون عقد جلسة سلسة افتراضياً، لكنها كانت الخيار الوحيد المتوفر. ومضمونها، الذي أبطل جميع مراسيم الرئيس قيس سعيّد، وإن جاء متأخراً ثمانية أشهر، كان ضرورياً، فلم يترك سعيّد خياراً آخر للنواب الذين علّق أعمالهم. يتغوّل، منذ 25 يوليو/ تموز الماضي، على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية. نصّب نفسه حاكماً فوق الجميع. يريد أن يدير الدولة على هواه، وألا يسمع سوى عبارة "أمرُك مُطاع". كل من يجرؤ على رفع الصوت مصيره القمع، فرداً كان أم مؤسسة. حاول الاستخفاف بقرار عقد الجلسة الافتراضية، لكن هذا لم يثنه عن أن يكيل لها الوعيد والتهديد، لأنه كان يدرك أن ما قبلها ليس كما بعدها، فإما أن يضطر إلى التعامل مجبراً مع ما صدر عنها، وإن كانت تعني تنازعاً إضافياً على السلطات، أو أن يتخذ خطوة تصعيدية إضافية على قاعدة ردة الفعل التي يسير عليها، وهو ما حدث فعلاً. لم ينتظر سعيّد سوى ساعات على انعقاد الجلسة بمقرّراتها حتى أعلن قراره حلّ البرلمان، بعدما كان يؤكد قبل أيام أنه لا سبيل لذلك حالياً ضمن مساعيه لتجنب الخطوة، وتفادي الدعوة إلى انتخاباتٍ مبكّرة. وأتبع ذلك بتوجيهاتٍ لملاحقة النواب الذين شاركوا في الجلسة ومعاقبتهم، بتهمة "التآمر على أمن الدولة"، حتى أنه وصف الجلسة بمحاولة انقلاب فاشلة، أما النواب فنعتهم بـ"الثعابين".

كل الضجيج الذي اصطنعه قيس سعيّد لتبرير قرار الحل لم يغطّ على حقيقة أنه تجنّب الإعلان عن التوجه نحو انتخابات مبكرة كما يُفترض، وهو ما يجعل من حصولها أمراً مشكوكاً فيه. ولن يكون مفاجئاً أن يخترع فتوى قانونية على مقاس رغباته تحول دون الانتخابات.

يخشى سعيّد صندوق الاقتراع، على الرغم من أن الصندوق هو ما أتى به إلى الحكم، وأتاح له تنفيذ مخططاته. لا يريد الرئيس التونسي، الذي فشلت استشارته الشعبية، ولم يشارك فيها سوى نحو نصف مليون تونسي، اختباراً شعبياً حقيقياً جديداً، ومع كل إجراءاته للتفرّد بالسلطة إلا أنه يدرك جيداً أنه ليس حاكماً مطلقاً بعد. لا يزال الشارع قادراً على التحرّك، وإنْ بخجل بين فترة وأخرى. ولا تزال الأحزاب، على تشتّتها، حاضرةً في المشهد، ويمكن للانتخابات أن تشكّل الرافعة التي تنتظرها لإعادة ترتيب صفوفها والحشد الشعبي المطلوب لإعادة تشكيل المشهد البرلماني، وفرض عودة عمل المؤسسة التشريعية بما لها من صلاحياتٍ تحدّ من تفرّد سعيّد.

يبقى الاختبار الحقيقي من الآن حتى الذهاب نحو الانتخابات، سواء خلال ثلاثة أشهر أو في ديسمبر/ كانون الأول 2022، مدى وعي الأحزاب وباقي القوى السياسية بخطورة المرحلة ومتطلباتها، لجهة التعالي على الخلافات، لإنجاح الاستحقاق متى ما جرى، فلا يزال العديد من هذه القوى يعمل على مبدأ تصفية الحسابات وتوظيف المرحلة لإضعاف خصومه السياسيين، متناسياً أن المعركة الأساسية اليوم تتخطّى الموقف من أي طرفٍ حزبي، وعنوانها الحقيقي والأهم الحفاظ على ما تبقى من مكتسبات الثورة التونسية التي يريد سعيّد إجهاضها، لأنه لا يؤمن بها بالأساس. وكل ما اتخذه من إجراءات ومراسيم يشكل ردة فاضحة عليها، وهو غير قادر على الاستمرار في ذلك، من دون أن يحوّل تونس إلى سجن كبير، وبكلفة ليست سياسية فحسب، بل اقتصادية عالية أيضا.

جمانة فرحات
جمانة فرحات
جمانة فرحات
صحافية لبنانية. رئيسة القسم السياسي في "العربي الجديد". عملت في عدة صحف ومواقع ودوريات لبنانية وعربية تعنى بالعلاقات الدولية وشؤون اللاجئين في المنطقة العربية.
جمانة فرحات