تنمّر وتصدٍّ

07 ابريل 2025

(Getty)

+ الخط -

يُعَدّ التنمّر من أشكال العنف الذي يمارسه فرد أو مجموعة من الأفراد ضدّ شخص، فيُصار إلى مضايقته بطرق متعدّدة ومتكرّرة. ولعلّ أبشع أشكال التنمّر هو الموجّه نحو أحد ما بناءً على شكله أو لإعاقةٍ ابتُلي بها، تجعله موضوعاً للسخرية والتندّر، وفي ذلك انحطاط أخلاقي، وانعدام ضمير وحسّ إنسانيين، وانحدار إلى الدرك الأسفل.
يُعرَّف التنمّر في علم النفس بأنه سلوك عدواني متكرّر يهدف إلى إلحاق الأذى والضرر بشخص آخر، جسدياً أو نفسياً، وتشمل التصرّفات التي تعتبر تنمّراً إلحاق الأذى الجسدي وإطلاق الألقاب المهينة والإساءات اللفظية أو المكتوبة، التي تتضمّن تشويهاً وتحقيراً للضحية، الذي يكون على الأغلب ذا قدرات نفسية وبدنية أضعف من تلك لدى أقرانه، تحول دون الدفاع عن نفسه، ما يُنغّص عليه حياته، ويحوله كائناً منطوياً على نفسه، كارهاً لمحيطه، فاقداً للثقة بذاته، يجد في الانعزال عن مجتمعه ملاذاً آمناً يقيه من مشاعر سلبية وإحساس بالدونية.
وتُعدّ المدارس والجامعات وأماكن التجمّعات الشبابية، وأحياناً البيوت، مناخاً خصباً لتنامي هذه الظاهرة المؤسفة، التي تخلّف لدى الضحية آثاراً نفسيةً خطيرةً قد تؤدّي به إلى الانتحار أو ارتكاب جرائم القتل، كما حدث في حالات كثيرة. ويتّصف المتنمّر بالميل إلى استخدام العنف اللفظي أو الجسدي وسيلةً للسيطرة، واستغلال القوة أو النفوذ للحطّ من شأن ضحاياه، وبانعدام حسّ التعاطف وعدم القدرة على الإحساس بالآخرين ومراعاة مشاعرهم وتفهّم نقاط ضعفهم، والاستخفاف بحقوقهم واحتياجاتهم، وبالانفعالية المفرطة تترجم ردّات فعل غير متوازنة أو مبالغاً فيها، وبالغرور والتكبّر ووهم الأفضلية والتفوّق، وبالقلق من فقدان السيطرة، وبعدم التسامح، وبالحسد والغيرة من نجاح الآخرين.
غالباً ما يكون سلوك المتنمّر نتاج بيئة عنيفة، حيث الخلافات الزوجية المستمرّة، وتفشي مشاعر العداء والكراهية بين أفراد العائلة، ما يعرّضه منذ الطفولة لضغوط عاطفية ونفسية تؤدّي به إلى اللجوء إلى التنمّر وسيلةً دفاعيةً لا يعرف غيرها في التعامل مع تلك الضغوط، علاوة على التأثير الكبير لوسائل التواصل الاجتماعي المتاحة للجميع، التي يطغى على مستخدميها الخطاب العدواني من تشهير وتنمّر وإيذاء نفسي، ينجو فاعلوها من العقاب.
يقترح اختصاصيون نفسيون وسائل عدّة للتصدي للمتنمّرين، منها التواصل الفعّال من خلال مواجهة الشخص المتنمّر والتحدّث معه بقوة وصراحة، وتوعيته بشأن الحدود المقبولة وغير المقبولة عند التعامل مع الآخرين، وشرح أضرار التنمّر في الضحايا، وكذلك التقييم الدوري لسلوكه، وتوجيهه بضرورة اللجوء إلى المساعدة النفسية والخضوع للتقييم النفسي، للوقوف على دوافعه وأسباب تصرفاته غير السويّة، والبحث في العوامل النفسية التي قد تكون الدافع إلى تلك السلوكات المؤذية، إضافة إلى الدعم العائلي والتدريب على مهارات التواصل الاجتماعي الإيجابي، ومهارات التحكّم بالغضب، والتفكير في مدى الأذى الذي يسبّبه للغير... ذلك كلّه ممكن التحقق فيما لو اعترف المتنمّر بالداء، وسعى مخلصاً إلى العلاج، غير أن ذلك لا يحدث في الواقع (للأسف!)، ما يتطلّب الشغل على الضحية نفسها من خلال توفير الدعم النفسي والاجتماعي اللازم، لتمكين المُعتدَى عليه من الانتصار لنفسه، والتصدّي بثقة وقوّة للمتنمّر (الجبان بالضرورة) الذي سيتراجع حتماً عند المواجهة.
وتقع هذه المسؤولية على الأهل بالدرجة الأولى، وعلى مدى وعيهم وقدرتهم على دعم أبنائهم المتعرّضين للتنمّر من خلال تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتوفير البيئة الآمنة لنموهم، من حبّ وتقدير واحترام، ومراعاة لاحتياجاتهم، والإصغاء لهم بانتباه واهتمام، والمبادرة إلى مساعداتهم في حلّ مشاكلهم وتنمية قدراتهم وتأهيلهم، لمواجهة هذا العالم القاسي المكتظّ بالمتنمّرين، ممّن لا يرحمون الضعفاء، بل يتغذّون بسادية مقزّزة على نقاط ضعفهم.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.