تنظيمات جهادية على التليغرام

14 فبراير 2025
+ الخط -

يكاد لا يمر يوم منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول (2024) لا نسمع فيه خبرا في سورية عن عملية خطف أو قتل أو العثور علِى جثث لأشخاص أعلن عن اختفائهم قبل أيام. وغالبا لا تتناقل وسائل التواصل الاجتماعي سوى الحوادث والانتهاكات التي تتعلق بالأقليات، ولا سيما العلويين، رغم أن باقي المحافظات تشهد الحالة نفسها من عمليات الخطف والقتل والسرقة والانتهاكات اليومية، ولأن أخبار تلك المحافظات لا تحقق المطلوب من الشحن الطائفي لا يتم تناقلها إلا ضمن نطاق ضيق؛ بينما هناك مئات من الصفحات الإلكترونية المخصّصة لنشر (وتناقل) أي خبر يمس الأقليات والعلويين على وجه الخصوص، حتى لو كانت أخبارا زائفة أو ملفقة، خصوصا مع ظهور قنوات على التليغرام تابعة لفصيل جهادي مشبوه ظهر فجأة ليتبنى كل عمليات القتل والخطف والانتهاكات التي تتم بحق العلويين.

سرايا أنصار السنة هو الفصيل الذي، كما يقال، يقوم بالارتكابات ضد العلويين، وبحسب بياناتٍ يصدرها، فهو يستهدف العلويين والشيعة فقط من دون تمييز، أي لا يعنيه إن كان هذا الشخص مرتكباً أو له يد في الدم السوري أم لا، ولا يعنيه تاريخه إن كان معارضا لنظام الأسد أم لا، مجرد كونه علويا أو شيعيا فهو عرضة للاستهداف الآن أو غداً. يتزعم هذا الفصيل شخص يدعى أبو عائشة الشامي، الذي قرر الانفصال عن هيئة تحرير الشام بعدما رفض تساهلها مع (الروافض والشيعة). والمعلومات المتناقلة عن الفصيل كلها مأخوذة عن الصحافي الفرنسي سيدريك لا بروس المتخصص في ديناميكية المجموعات المسلحة والمعارضة المدنية في سورية؛ بينما لم تصدر عن السلطة الجديدة أي كلمة بخصوص هذا الفصيل وما إذا كان فعلا ينتمي سابقا إلى الهيئة أم هو مجرد ادعاء لإضفاء المصداقية على وجوده وإبعاد الشبهات حول حقيقته، أو لتكذيب البيانات التحريضية التي تبثها قنواته على التليغرام.

سنكون واهمين إن ظننا أن هذا الفصيل لا يبث الخوف في نفوس علويي سورية، وهم الذين اعتادوا على سماع نظرية أن سقوط نظام الأسد سوف يتسبّب لهم بمذبحة أبدية. وسنكون أيضا واهمين إن اعتقدنا أن العلويين يثقون بالحكومة الجديدة، وهذا لا يعني أنهم يتمنون عودة النظام السابق، فهم اكتشفوا، أخيرا، أنهم لم يكونوا أكثر من وقود يحرقه كما ووقتما يشاء في حرب حفاظه على السلطة؛ لكن الأمر هو شعورهم بأنهم متروكون لمصير مجهول ويتم تناقل أخبار عن أنهم سوف يحرمون من وظائف الدولة ومن الانتساب لقوى الأمن وللجيش ومن التعليم في الجامعات. وهذه كلها أخبار تتناقل عن لسان مسؤولين في السلطة الجديدة دون أي إسناد حقيقي ولكن أيضا دون أي نفي لها من السلطة.

يشعر العلويون حاليا بأن الجميع يتخلون عنهم تماما، وهو ما يشجع كل المتربصين بسورية لاستثمار هذا التوجس والخوف لديهم ودفعهم نحو التقوقع أكثر أو نحو طلب الحماية من ألد أعداء سورية، ذلك أن فقدان الإحساس بالمواطنة يلغي قيمة الوطن، وقد اختبرنا هذا جيدا في سنوات الثورة الأولى، حين طالب الثوار بحماية دولية لمناطقهم تنجيهم من إجرام نظام الأسد، وكانوا محقين في طلبهم ذلك؛ ورغم أن علويي سورية حتى اللحظة لم يتعرضوا لجزء بسيط مما تعرّضت له بيئات الثورة (السنية)، ولكن لا يمكن التحكّم بالخوف وبنتائجه. هذا يعرفه جيدا من اخترعوا فصيل سرايا أنصار السنة، ومن يبثون بياناته المحرضة. وفي رأيي، هذا الفصيل مرتبط بدول إقليمية لا تريد لسورية أي استقرار، أو ربما يعنيها أن تتقسم سورية وتتشكل من مجموعة من الدويلات الطائفية التي يكثر الحديث عنها حاليا في الشارع السوري، البعيد عن دمشق وحلب وحمص وحماة.

الكرة الآن في ملعب السلطة الانتقالية لكشف من وراء هذا الفصيل المخرّب وفضحهم أمام الرأي العام، ولطمأنة الخائفين من السوريين، إن كانت سلطة لكل سورية، كما تقول عن نفسها، وإن كان السلم الأهلي أول أهدافها كما يفترض أن يكون.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.