تسخين جبهات وتبريد أخرى

06 ديسمبر 2024
+ الخط -

مع اقتراب تولي الإدارة الأميركية الجديدة مهامّها في مطلع العام المقبل، من الواضح أن هناك عملاً على تهدئة بعض الجبهات المشتعلة في العالم، في مقابل تسخين أخرى وانتظار كيفية تعاطي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب معها.

هذا العمل، الذي تتولاه الإدارة الأميركية الحالية، نجح إلى حد الآن في لبنان، بعدما تمكّنت الوساطة الأميركية من التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، ووقف العدوان الإسرائيلي على لبنان. هذا الاتفاق، وإن كان هشّاً، لا يزال صامداً رغم الخروقات الإسرائيلية شبه اليومية.

تسعى الإدارة الأميركية  إلى تكرار هذا "الإنجاز" في قطاع غزّة، ووقف العدوان الإسرائيلي المستمر منذ أكثر من عام. جهود الوساطة أصبحت جدية في الأيام القليلة المقبلة، وهو ما أعاد الوسيط القطري إلى لعب الدور الذي سبق أن علّقه بسبب انعدام الجدّية.

اللقاءات والاتصالات في ما يتعلق بملف غزّة تسير في أكثر من اتجاه، ولعلّ أهمها البحث عن الصيغة المثلى لإدارة القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، وهو ما بحثه وفدان من حركتي حماس وفتح في القاهرة منذ أيام، وعلى أساسه جرى إعلان التوصل إلى "اتفاق مبدئي" على تشكيل لجنة لإدارة القطاع. غير أن هذا الاتفاق سيكون أمام اختبار التفاصيل والدخول في الأسماء والصلاحيات، والتي لن يكون تجاوزها يسيراً إلا بفعل التدخلات والضغط من الوسطاء، وهو الأمر المرتقب بفعل الحاجة إلى وقف العدوان قبل وصول الإدارة الأميركية الجديدة.

التركيز على التهدئة في قطاع غزة ولبنان نابعٌ من عدم الاختلاف الجذري في الطريقة المرتقب أن يتعاطى فيها الرئيس المنتخب مع هذين الملفّين، بل من المحتمل أن يزاود لاحقاً على الإدارة الحالية ويعدّل شروط الاتفاقات لتصب أكثر في صالح إسرائيل، رغم أن إدارة بايدن لم تقصّر في هذا الشأن، خصوصاً في ما يتعلق باتفاق لبنان، الواضح أنه يضم بنوداً سرّية تسمح لإسرائيل بحرية العمل، وهو ما يتجلى يومياً في جنوب لبنان.

في مقابل هذه التهدئة، هناك تسخينٌ لجبهاتٍ جديدة، في مقدّمتها الحرب الأوكرانية، والتي يسعى الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى إنهائها وفق شروطٍ لا يبدو أنها تتماشى مع الرغبة الأوكرانية والأوروبية. لذا كان القرار أخيراً بالسماح لكييف باستخدام الصواريخ الأميركية بعيدة المدى ضد أهدافٍ روسية، وهو ما فعلته القوات الأوكرانية، ما أعاد الجبهة إلى الاشتعال، وأعاد الحديث الروسي عن استخدام الأسلحة النووية. ولكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو أنه مدركٌ المناورة التي يقوم بها الغرب قبل وصول ترامب، وهو غير راغبٍ في الانجرار خلفها كلياً، بانتظار الدخول رسمياً في مرحلة حكم الرئيس الجديد، وانتظار خطوته الأولى باتجاه ملفّ حرب روسيا وأوكرانيا. وبحسب ما سبق أن تسرّب عن محيط ترامب، قد تكون الخطوة وقف الحرب مقابل تنازلاتٍ روسيةٍ عن بعض الأراضي التي استولت عليها من أوكرانيا، مقابل ضمان عدم دخول كييف حلف شمال الأطلسي.

إضافة إلى أوكرانيا، هناك التطور الأبرز والأكبر الحاصل في سورية مع سيطرة قوات هيئة تحرير الشام وفصائل أخرى على حلب وحماة وإدلب بالكامل، أمام انهيار مفاجئ وغير مفهوم لقوات النظام وحلفائه، وسط صمت سياسي شبه مطبقٍ للفاعلين في الملفّ السوري، والاكتفاء بالتصريحات العامة. لا يشمل هذا الأمر  الطرف الإيراني، والذي يبدو أنه المعني الأول بالتطورات الميدانية، باعتبار أنها تؤثر على مستقبل وجوده في الأراضي السورية. من المبكّر الجزم بما ستؤول إليه الأمور في سورية، بما أن هناك غموضاً حول من يقف حول حركة الفصائل المعارضة، وأي تحالف إقليمي ودولي سمح لهذه الفصائل بتوسيع سيطرتها.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".