ترسيم لرئيس فلسطين المقبل بلا انتخابات

30 ابريل 2025

الرئيس محمود عبّاس (يسار) وحسين الشيخ في رام الله (22/2/2023 فرانس برس)

+ الخط -

مجلس بلا شرعية يأخذ قراراً ليس من حقه لاستحداث منصب لا ضرورة له، وبذلك يتم اغتصاب النظام السياسي الفلسطيني. هذا مشهدٌ سوريالي تتشابك فيه الخطوط، وتتداخل فيه الألوان، ليُنتج لوحة بهذه الدرجة من الكآبة. هذا هو الموضوع، لا بل هكذا يبدو الموضوع، ولكن حقيقة الأمر أن الموضوع أكثر عمقاً من هذا.

أعطت صيغة القرار الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، أن يعيّن خلفه، وهذا هو جوهر القرار، وهو يعني أن الانتخابات والنظام الديمقراطي قد انتهيا ولم يعد لهما وجود. ثانياً، أن الرئيس تجاوز بصيغة القرار اللجنة المركزية لحركة فتح، والتي كانت تاريخيّاً تحدّد مرشّح حركة فتح لأي منصب عام، فالتعيين محصورٌ بأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمّة التحرير، فلا إمكانية لترشيح نائب رئيس من خارج اللجنة. ثالثاً، حق إقالته أو تكليفه بمهامّ أو قبول استقالته محصور بالرئيس، وليس باللجنة التنفيذية للمنظمّة، وبالتالي تفقد اللجنة صفتها المرجعية.

استخدم الرئيس ببراعة "فتح" لتمرير القرار في منظمّة التحرير، واستخدم المنظمّة لعدم إشراك "فتح" في اختيار الرئيس. وفي النهاية، حيّد الحركة والمنظمّة عن القرار وحصر الأمر به شخصياً. وبهذا اغتصب الرئيس دور "فتح" والمنظمّة وبرضاهما، أو لنقل بصمتهما، رضاً أو بحكم الأمر الواقع.

كل الشعب الفلسطيني موحّد في جهة وقيادة تغتصب حركة فتح ومنظمّة التحرير والسلطة في جهة

لتوضيح ما هو واضح، لا يتعلّق القرار بنائب رئيس، إنه ترسيم لرئيس قادم بدون أي انتخابات، بدون أي منافسة، بدون أي توافق وطني، والقرار لا يتعلق باللحظة الفلسطينية الراهنة، إنما بالمسار المستقبلي، وليس له علاقة بالأبعاد الشخصية أو الطموحات. القرار سياسي بامتياز، وهو يحدّد سياسات وتوجهات سياسية.

ضاق الأمر كثيراً، هذا صحيح... أصبح الشعب الفلسطيني على مفترق طرق، وهذا أيضاً صحيح. ويكاد يصبح الأمر الواقع الذي يفرضه هذا القرار على الشعب الفلسطيني هو الخيار الوحيد، ويبدو للوهلة الأولى أن هذا صحيحٌ، ولكنه في الواقع ليس صحيحاً ولا في أي حال.

هو قرار لاستباق نتائج الحرب، ولاستباق تجدّد البنى السياسية الفلسطينية، ولاستباق ما أراده الله في أعمار عباده، وهو قرار يحاول أن يرهن ليس حاضر الشعب الفلسطيني فحسب، بل مستقبله أيضاً، ولكن هذا الأمر يخالف طبيعة الأشياء، يخالف قوانين علم الاجتماع السياسي، ويخالف بالطبع القانون الفلسطيني.

سيرتدّ هذا الوضع عكسياً بطريقة مثيرة. ستصبح أغلبية قواعد حركة فتح مع "فتح"، وليس مع قيادتها، لأن هذه لا تمثل "فتح". تماماً كما أن كل الشعب الفلسطيني يعتبر أن منظمّة التحرير هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، ولكن قيادتها لا تمثلها. كما أن كل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزّة يريد بقاء السلطة الفلسطينية، ولكن قيادة السلطة لا تمثله.

كل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزّة يريد بقاء السلطة الفلسطينية، ولكن قيادة السلطة لا تمثله

ليس الإتيان على هذا كله تعميقاً للانقسام، وإنما يقلّص الانقسام، فكل الشعب الفلسطيني موحّد في جهة، وقيادة تغتصب حركة فتح ومنظمّة التحرير والسلطة في جهة. أصبح الأمر جلياً وواضحاً ومكشوفاً، لم تعد هناك منطقة رمادية، لم يعد هامش للمناورة، لم تعد قواسم مشتركة.

لا يبقي هذا الوضع مكاناً للوحدة الوطنية، لأن الوحدة على قاعدة هذا القرار لن تكون وطنية. لقد دخلنا مرحلة الحسم الوطني، تجاوزنا موضوع الانقسام بهذا القرار. نحن في مرحلة كلٌّ يختار معسكره، "لا يوجد منطقة وسطى". توجد خيارات واضحة، والصمت ليس حياداً، إنه مشاركة برسم هذا المشهد، وانحياز تلقائي، الصمت ليس انحناء أمام العاصفة حتى تمرّ، بل هو درجة تساوي المشاركة بصناعة الكارثة. هناك لحظات في التاريخ تكون الحكمة فيها الوضوح، والشجاعة في الجرأة، والالتزام الوطني في الجهر بصوت عالٍ في الموقف، وأقل من ذلك ليس هو الخضوع بأبشع صوره.

لدى الشعب الفلسطيني مصادر قوة ونقاط ضعف، ولدى مغتصبي السلطة في كل مناحي الحياة السياسية مصادر قوة ونقاط ضعف، والعلاقة لم تعد علاقة تعايش، بات الأمر مفهوماً ألا تعايش بقناعة في ظل الأمر الواقع المفروض إلا تعايش مفروض. لن تكون العلاقة الجديدة بينهما تكاملاً أو تعايشاً، إنها علاقة التعايش مع الأمر الواقع المفروض حتى شعار آخر.

كاتب وناشط فلسطيني
عوني المشني
كاتب وناشط فلسطيني.