ترامب وأوروبا وحرب أوكرانيا

انقسام صريح داخل البيت الأوروبي، حيال الولاية الثانية للرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقبل بدء حفل تنصيبه بساعات، رفع رئيس الوزراء الفرنسي، اليميني المحافظ سياسياً، فرانسوا بايرو، الصوت عالياً، وحذّر من أن فرنسا والاتحاد الأوروبي قد "يُسحقان" بسبب السياسة المُعلَنة لترامب، إذا لم يتحرّكا. وفي الضفة الأخرى، أعلن رئيس الوزراء المجري، المنتمي لليمين الشعبوي، فيكتور أوربان، أن رجوع ترامب سيجعل الشمس تشرق بشكل مختلف في مقرّ المفوضية الأوروبية في بروكسل، ودعا حلفاءه إلى احتلالها. ومن هنا، يمكن تفسير غياب المسؤولين الأوروبيين الرسميين عن حفل التنصيب في مبنى الكابيتول، وحضور زعماء من اليمين الأوروبي المتطرّف من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا وبولونيا، وفي ذلك إشارة صريحة إلى عودة العمل بتوجّه سياسي كان قد بدأه الرئيس الأميركي في ولايته الأولى، يعتمد على بناء علاقات متميّزة مع الأحزاب اليمينية الشعبوية الأوروبية، التي تتبنّى أيديولوجية محاربة الهجرة الخارجية، وتناضل من أجل حلّ الاتحاد الأوروبي. وليس سرّاً أن ترامب كان من أبرز داعمي الاستفتاء البريطاني عام 2016 للخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي كانت نتائجه كارثيةً في الاتجاهَين، ولكن أبرز ضحاياه الاقتصاد البريطاني، الذي تراجعت مؤشّراته على نحو كبير.
ليست أوروبا في حالة صحّية تمكّنها من مواجهة سياسات ترامب حيال التجارة البينية والمناخ ودور حلف شمال الأطلسي والحرب على أوكرانيا، فهي لا تُشكِّل كتلةً سياسيةً واحدةً، وبعض دولها محكومة من أحزاب يمينية شعبوية، تدور في فلك الرئيس الأميركي الجديد. وعلى هذا، ستكون الأعوام الأربعة المقبلة حرجة، وربّما تشهد تشظّياتٍ في الجسم الأوروبي، وزيادةً في التبعية الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة. وبعد خطاب التنصيب سقطت آمال الأوروبيين، الذين راهنوا على اختلاف في منهج العمل بالولاية الثانية، وتؤكّد المؤشّرات أن العلاقات ستمرّ بمرحلة جديدة من التوتّر.
عندما وصل الرئيس السابق جو بايدن إلى الرئاسة عام 2021، حاول أن يصلح ما أفسده ترامب مع الأوروبيين خلال ولايته الأولى، ونجح باستعادة الزعامة الدولية بالتصالح معهم، وأول خطوة قام بها أنه نفخ روحاً جديدة في حلف الأطلسي، الذي لولاه لاجتاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا كلّها، وغيّر الحُكم فيها، وتجاوزها إلى دول أخرى في أوروبا الشرقية. واليوم يتخوّف الشركاء الأطلسيون في أوروبا من أن يقلب ترامب الطاولة، بعدما توعّدهم بدفع مساهمات في موازنة الحلف تصل إلى 5% من الناتج الخام المحلّي لكلّ بلد، ورفع التعرفة الجمركية حتى حدود 20%.
سبق لترامب أن تعهّد، مرّات عدّة خلال محطّات حملته الانتخابية، بإنهاء حرب أوكرانيا خلال أقلّ من 24 ساعة، وتخشى أوروبا أن تكون ترجمة ذلك على حساب أوكرانيا، والتضحية بجزء من أراضيها، من دون مراعاة للدمار الكبير الذي ألحقته بها حرب روسيا. وإذا حصل ذلك، فإن هذا الملفّ سيكون فاتحةً لأوّل خلاف بين ضفّتي الأطلسي، ويسود الاعتقاد في العواصم الأوروبية أن ترامب لن يراعي حسابات أوروبا، وسوف ينسحب من تعهّدات الإدارة السابقة على صعيد دعم أوكرانيا، خاصّة أنه اعتبر أن بايدن ساهم في إشعال الحرب وأجبر فلاديمير بوتين على الغزو. وكان لافتاً في خطاب التنصيب مروره على ذلك بطريقة غير مباشرة، حين انتقد إدارة سلفه، التي قال عنها إنها صرفت المليارات لحماية حدود دول أخرى، وأهملت حدود الولايات المتحدة، وكان يقصد المساعدات التي قدّمتها واشنطن للمجهود الحربي الأوكراني، منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، وكان حرّي بها، حسب ترامب، أن تخصّصها لبناء الجدار الحدودي مع المكسيك لمنع الهجرة من هذا البلد.

