ترامب ضدّ اللجوء والهجرة... أعيدوا اللاجئين

01 فبراير 2025
+ الخط -

نُسب إلى المبعوث الرئاسي الأميركي إلى الشرق الأوسط لشؤون المحتجزين آدم بوهلر قوله إن "على مصر والأردن تقديم بديل بعد رفضهما فكرة استقبال الفلسطينيين"، وأوضح "أن الرئيس دونالد ترامب عرض خياراً يراه مناسباً لمصر والأردن، لكنّه منفتح على خيارات أخرى". تعكس هذه التصريحات قدراً من التراجع من ترامب وإدارته عن المطلب الغريب بدعوة الأردن ومصر إلى قبول ترحيل لاجئين من غزّة إلى البلدَين. والمبعوث صاحب التصريحات ليس هو نفسه ستيف ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، فقد قال هذا إن دوره ودور المبعوث ويتكوف بذل جهدهما كلّه "لدعم دعوة ترامب إلى تحرير كلّ الرهائن". وكان الظنّ أن "تحرير كلّ الرهائن" جزء من مهمة المبعوث ويتكوف، لضمان تنفيذ اتفاقية الهدنة في غزّة بمراحلها الثلاث. وقد زار ويتكوف غزّة بصورة غير علنية الأربعاء، وهو أول مسؤول أميركي ودولي يزور القطاع منذ 7 أكتوبر (2023)، ومن غير أن يصرّح بشيء حول انطباعاته عن الزيارة، التي شملت ما يسمّيه الاحتلال "ممرّ نتساريم" في وسط القطاع. أمّا التصريحات الجديدة التي تدعو الأردن ومصر إلى تقديم البديل من فكرة استقبال فلسطينيين، كما يسميها القائل، فهي للمبعوث الخاص لشؤون المحتجزين، وليس معلوماً كُنه العلاقة بين المحتجزين والفكرة الخرقاء بترحيل بعض أبناء غزّة إلى دولتَين عربيتَين. وإذا كان هناك باعث إنساني مزعوم وراء طرح الفكرة، فالوقائع تدلّ على أن واشنطن في عهد بايدن، كما في عهد ترامب، لم تُبدِ من قبل أي اهتمام إنساني بحرب الإبادة التي تعرّض لها أكثر من مليوني غزّي، ولم تقدّم مساعدات تذكر، سوى النزر اليسير في بداية الحرب عبر الإنزال الجوي أسبوعين أو ثلاثة أسابيع فقط، ثمّ امتنعت عن تقديم أي دعم للمنكوبين.

إنه أمرٌ مثير للعجب أن يكون ترحيل الناس من أرضهم الحلّ للمحنة التي يعيشونها، فهل رحلّت الإدارة الأميركية سكّان ولاية كاليفورنيا (ومقاطعة لوس أنجليس)، التي تعرّضت لحرائق هائلة، إلى بلد آخر؟ علماً أن ما جرى في غزّة لم يكن من كوارث الطبيعة، بل نتيجة حرب وحشية ظلّ مشعلوها يرفضون وقفها على مدى العام الماضي، إلى أن أرغمهم الرئيس ترامب على ذلك عشيّة تقلّده منصب الرئاسة. لقد خلط الاقتراح الغريب، بترحيل الناس من أرضهم، الأولويات بصورة عجيبة، إذ إن الأولويات الضاغطة في هذه الظروف هي تقديم مختلف أشكال الإغاثة للمنكوبين، الماء والغذاء والدواء ومستلزمات الإيواء والكساء، ولهذا نصّت اتفاقية وقف النار على تمكين 600 شاحنة من الدخول يومياً إلى القطاع، لكن أنباءً لم تردِ عن شاحنات بهذا العدد عبرت يومياً (وليس هناك أيّ أخبار عن دعم أميركي كثيف أو ملحوظ للمنكوبين)، ثمّ الانتقال بعذئذ، وبغير تأخير، إلى بناء المساكن والمدارس والمستشفيات والجامعات ودور العبادة، وهو ما يحتاج إلى تمويل هائل، على أن يتحمّل العبء الأكبر في التمويل من قام بهذه الحرب التدميرية، ومن تولّى دعم هذه الحرب بالمال والسلاح، وذلك تعويضاً جزئياً عن التسبّب بدمار شبه شامل، أمّا أرواح نحو 50 ألفاً من الضحايا فلا تقدّر بثمنٍ، وسوف تظلّ تطارد القتلة.

أمرٌ مثير للعجب أن يكون ترحيل الناس من أرضهم الحلّ للمحنة التي يعيشونها

كان من الطبيعي (والمنطقي) أن ترفض مصر والأردن خطّة ترحيل أعداد من أبناء غزّة، ذلك أن هذه الخطّة جزء من أهداف حرب بنيامين نتنياهو، وجزء من خطّته الأكبر لتصفية قضية فلسطين، وقد رفضت القاهرة وعمّان بصورة قاطعة هذه الخطّة، التي يجد الإسرائيليون صعوبةً في كتمها. رُفِضت الخطّة لأنه ليس من حقّ الحكومة الاسرائيلية تهجير الغزّيين من أرضهم، أو من الضفة الغربية المحتلّة، فهذه جريمة حرب يرفضها القانون الدولي والاتفاقات ذات الصلة بالصراعات والحروب، وجريمة ضدّ الإنسانية.

وقد يعرف المبعوثان الأميركيان أو يجهلان أن نحو ثلثي أبناء غزّة هم من لاجئي العام 1948، وقد نزحوا إلى غزّة من النقب وبئر السبع، وما يُعرَف الآن بـ"غلاف غزّة "، حسب التسمية الإسرائيلية. تقع بلداتهم وقُراهم وتجمّعاتهم هناك في جوار قطاع غزّة. وسبق أن اقترح الرئيس عبد الفتّاح السيسي نقلهم إلى النقب، وما زال هذا المقترح يحتفظ بوجاهته، إذ من الأفضل تسهيل عودة من يشاء منهم إلى مواطنهم الأصلية، مع التذكير بأن سكّان القطاع يرتضون قدراً من المعاناة حيث هم، شريطة أن تكون هذه المعاناة مؤقّتة، وأن تجرى عمليات الإغاثة على وجه السرعة، وعلى قدم وساق، علماً أن القطاع يتوافر على قوىً عاملة كبيرة العدد، ومؤهّلة للمشاركة في إعادة الإعمار ما أن يُشرع بها، ولأمد طويل.

ترحيل الفلسطينيين من أرضهم جريمة حرب يرفضها القانون الدولي وجريمة ضدّ الإنسانية

ليست ثمّة مشكلة سكّانية في قطاع غزّة، ولا في طولكرم وجنين ونابلس وعموم الضفة الغربية المحتلة، فلا حاجة لاختراع هذه المشكلة، فالمشكلة تكمن في الاحتلال الاستيطاني والعسكري، ويَحسُن بأميركا تسهيل انتقال مستوطنين إليها أو إلى بلدان أوروبية، لأن وجود المستوطنات غير الشرعية يمثّل عائقاً كبيراً أمام قيام دولة الفلسطينيين في أرضهم، وسوف تكون خطوةً رمزيةً وممتازةً أن يُستقبل المستوطن الكردي إيتمار بن غفير والمستوطن الأوكراني بتسلئيل سموتريتش.

أما البديل لدى مصر والأردن للمشكلة الوهمية، فيتمثّل في أن يبقى كلّ شعب في أرضه، فهذا هو الحلّ القائم، وهو ما ينسجم الانسجام كلّه مع موقف الرئيس ترامب المضادّ لظاهرة الهجرة واللاجئين، فمن الأفضل والأوجب تمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم التي شرّدوا منها في دفعات ابتداء من العام 1948، وعودة من يشاء من يهود الدول العربية من إسرائيل إلى الدولة الأمّ، وإحلال سلام شامل بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب، سلام تنتفي فيه الحروب والصراعات والهجرات، ويعمّ السلام والازدهارفي المنطقة، بدعم واسع من الدول الكبرى والدول القادرة.