ترامب رئيس مقتدر أو حالم؟

20 ابريل 2025
+ الخط -

(1)

يريد دونالد ترامب الذي تولَّى إدارة الولايات المتحدة في مستهلّ عام 2025، وبعد أن كسب الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أن يعيد لأميركا عظمتها التي ضيّعتها إدارة الحزب الديمقراطي للأربعة أعوام السّابقة. نراه وقد أعلن عزمه حاسماً في المئة يوم الأولى في الحكم، يبادر بالعبث بالسياستَين الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، بصورة غير مسبوقة، لقد تمثل عبثه بالسياسة الداخيلة في التخلّصِ من أعدادٍ مهولة من موظفي الدولة في مختلف القطاعات الأمنية والتعليمية والعسكرية والاقتصادية، وفي مجال السياسة الخارجية حدِّث ولا حرج، فقد استهدف الرئيس السّاحر المجتمع الدولي، ليقلب رواسخ مبادئه ومؤسّساته رأساً على عقب.

(2)

ثمّة محاولة خطيرة وفاشلة لإطلاق الرصاص عليه، قام بها شابٌّ منفعلٌ ضد تصريحاته وأسلوبه الفجّ في حملاته الانتخابية، لكنّها كانت مناسبة عزّزتْ توجّهاته الشعبوية التي زعم أنّها ستعينه لاستعادة العظمة للولايات المتحدة إن كُتب له الفوز في الانتخابات الرئاسية. قليلون مَن شكّكوا في حقيقة تلك المحاولة، لكن الرجل لطالما ظلّ يردّد أنّ القدر تدخّل فطاشت الرصاصة التي كادت أن تصيبه، وأنّ الأقدار أبقته حيّاً ليتولّى مهمّة مقدّسة يعيد عبرها العظمة إلى بلاده. والطريف أنّ فوزه في الانتخابات الرئاسية تزامن مع اندلاع النيران في غابات لوس أنجليس التي هزّت غربيّ الولايات المتحدة في أهم مناطق اقتصاداتها السياحية الغنية بمختلف أنواع الترفيه وصناعة السينما والكازينوهات، غير أنّ الأقدار التي زعم أنّها أنقذته تركتْ أوهامه الرّغبوية أعجز من أن تقاوم غضبات الطبيعة من أعاصير وعواصف وحرائق، حاصرت غطرسة مزاعمه تلك.

(3)

يلتفت "الرئيسُ المُقتدر"، هرباً من التحدّيات الداخلية المعقدة في الولايات المتحدة، ليعلن عن قدراته المتوهَّمة التي ستمكّنه بزعمه من إيقاف الصراعات والحروب الدائرة وما خلفت من دمار، مُقترحاً بعد طرد الفلسطينيين من غزّة أن يؤهل ساحلها لتكون استثماراً مشتركاً مع إسرائيل، لملاهٍ وبلاجات وكازينوهات. ومن ادّعاءاته أن القدرة الإلهية أنقذته ليساعد في إعمار بعض الخرائب، وليبسط السّلام بعد أن بدّده الإرهاب الدولي، وليعيد لإسرائيل أرضاً يحسبُها لها، وليست للفلسطينيين. وعن حرب روسيا وأوكرانيا، فإنّه قادرٌ، بالسّحر أو بغيره، على إيقافها في أيام، على حدِّ قوله، أمّا حرب السّودان فلم ترصدها رادراته، وتراهُ يتجنَّب نطق اسم السودان فيقرأه بما يعني "الفجاءة" بالإنكليزية.

تمثل عبث ترامب بالسياسة الداخيلة في التخلّصِ من أعدادٍ مهولة من موظفي الدولة في مختلف القطاعات الأمنية والتعليمية والعسكرية والاقتصادية

لقد حلتْ ساعة رحيل مفهوم المجتمع الدولي عند "الرئيس المُقتدر"، ولعله رأى، بعينَي زرقاء اليمامة، أنَّ رحيل المنظمة الأممية قد أزِف، ومعها ما تفرّع عنها من هيئاتها الأهمّ إلى الأقل شأناً. ولقد حان لها الآن أنْ تتنازل جميعها عـن مواثيقها ومهامها وقراراتها، إذ "الرئيس المُقتدر" هو المناط به إنقاذ العالم، ليملأه عدلاً بعد أن مُلئ جوراً وظلماً وحروباً.

(4)

يظن ذلك "الرئيس المقتدر" أنّ المئة يوم الأولى من حقبة رئاسته الولايات المتحدة لا بدّ أن تكون حاسمة. تلك عزيمة تثير السخرية، وتذكّر بما شاع عند الشرقيين، تهكماً، عن ذبحِ العريس قطةً أمام عروسه، يوم الدّخول عليها. ثمّة من يسأل إن كان القصد إخافة الداخل الأميركي أم المجتمع الدولي، كباره وصغاره؟

لربما لا نجد إجابة حاضرة، لكنّ المتابع لأسلوب "الرئيس المقتدر" سيجد، في المئة يوم الحاسمة، أنه يستضيف إعلاميين من مختلف المشارب الأميركية ليشهدوا تمثيلية التوقيع على القرارات الرئاسية، وكأنهم يشاهدون ما يشبه مسرحية الرّجل الواحد مما يعرفه أهل الدراما. يتعامل الرّجل مع ممثلين منتقين من أجهزة الإعلام الأميركية وغيرها، لكنّ مَن يتجاوز الخطوط الحمراء التي تحرج، سيجري إسكاته، أو ربّما يُطرد، ولا يسمح له بالحضور ثانية في مسرح المكتب البيضاوي في البيت الأبيض.

(5)

ثمّة من يسأل أيضاً عن دور المستشارين والمساعدين، ومَن صاغوا قرارات المئة يوم، لماذا، وهُم الخُبراء وأصحاب الاختصاص، يظلّ أكثرهم في الكواليس ومن وراء حجاب، فلا يظهرون، وإنْ احتاجهم "الرئيس المُقتدر" لرفع ألواحه بعد توزيعها، فتجده يعرضها بيديه برغم كبر أحجام بعضها.

يتولى الرّجلُ المقتدر شرح خلفية بعض قراراته الموقّعة، فيراه مَن يتابع كأنّهُ مَن صاغ تلك القرارات ومَن وقّعها

يتولى الرّجلُ المقتدر شرح خلفية بعض قراراته الموقّعة، فيراه من يتابع كأنّهُ من صاغ تلك القرارات ومَن وقّعها، ومن بثّها تصريحاً مُرسلاً إلى أجهزة الإعلام، أمّا نائبه المحترم فيقف في دور "المطبّلاتي" الذي يصفّق منتشياً لقرارات الرئيس، صغيرها وكبيرها. تلك ممارسات يعرفها الإعلاميون عند رؤساء الأنظمة الشمولية ، تعزيزاً لسطوتهم واستفرادهم بإصدار كلّ القرارات المتصلة بإدارة الدولة.

(6)

نرى رئيساً يدشنّ حرباً اقتصادية، ويتحدّى العالم بأسره بقراراتٍ يعلنها بعقيرته، من دون أن نسمع صوتاً يصدُر من وزير التجارة الأميركي، أو على الأقل يمكن للمتابعين أن يدركوا أن تشاوراً قد جرى مع أطرافٍ خارجية ذات صلة بالموضوع، سواءً على مستوى الدبلوماسية الثنائية أو الجماعية. المجتمع الدولي الذي ارتضى مستوى من التعامل بشأن معايير التبادل التجاري وشروطه، وأنشأ لهذا الغرض منظمة للتجارة الدولية، لن يكون مقبولاً تجاهل ذلك "الرئيس المقتدر" تلك المنظمة الأممية، تنفيذاً لشعاره الذي أعلنه قبل انتخابه رئيساً لاستعادة العظمة الأميركية، فتكون تلك العظمة غطرسةً مُستكرَهة قد تُدخل العالم إلى متاهة من الفوضى والعدائيات، وتذهب معها مبادئ التعاون الدولي إلى متاهة من الصراعات والحروب، بل إلى جحيم مدمّر، ويكون السؤال: هل ترامب رئيس حالمٌ أم مقتدر؟