تحوّلات المشهد اللبناني بعد انسحاب الحريري

تحوّلات المشهد اللبناني بعد انسحاب الحريري

29 يناير 2022
+ الخط -

المشهد السياسي اللبناني قبل تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي، وعزوفه عن دخول الانتخابات، وعدم التقدّم بترشيحات باسم تيار المستقبل، لن يكون كما بعده، فستكون لهذا القرار انعكاسات وتردّدات كثيرة على المعادلة السياسية اللبنانية وعلى الأصعدة كافة، سيّما أنّه يأتي قبل الانتخابات البرلمانية المقرّرة في مايو/ أيار المقبل، ويتزامن مع تطورات إقليمية عديدة يدخل لبنان في صلبها، كالورقة العربية التي حملها وزير خارجية الكويت، أحمد ناصر الصباح، إلى المسؤولين اللبنانيين، وكذلك مفاوضات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، والمفاوضات السعودية - الإيرانية. ويمكن الحديث عن ثلاثة جوانب رئيسة، ستكون الأكثر حضوراً في تحولات المشهد السياسي اللبناني، بعد تعليق الحريري عمله السياسي.

يتعلق الأول بمستقبل "الحريرية السياسية". يرى بعضهم قرار الحريري، تعليق عمله السياسي وعدم التقدّم بتشريحات باسم تيار المستقبل، هروبا من المواجهة ويُشكل بداية النهاية لـ "الحريرية السياسية"، خصوصا أنّ عمّته بهية تتقدّم بالعمر، فيما شقيقه الأكبر بهاء الحريري يفتقد للتجربة والمؤهلات السياسية، ولا يحظى بأي شعبية، باستثناء مجموعات صغيرة في بيروت وطرابلس. غير أن آخرين يرون هذا القرار موقفا متقدّما لتغيير وقائع اللعبة السياسية اللبنانية بالشكل الذي يعزّز دور الحريري وتياره مستقبلاً، على اعتبار أنّ "الحالة الحريرية" التي أسّس لها رفيق الحريري في الدولة اللبنانية ليست مجرّد نموذج اقتصادي جامد اعتُمِد بعد اتفاق الطائف، بل هي، بالدرجة الأولى، مجموعة من الأفراد الموزعين في مناصب عليا في إدارات الدولة كلها، ويعملون وفق منظومة متناسقة مع السياسة الحريرية. ومن جهة أخرى، تعليق الرئيس الحريري عمله السياسي وخروجه من السلطة مؤقت، فالحريري لا يزال يُمثّل القوة الأساسية داخل الشارع السنّي في لبنان، وله حضوره الكبير في مدن كبرى، بيروت وصيدا وطرابلس وعكار وغيرها، وله رمزيته التي لا يمكن تجاوزها في الشارع اللبناني، على الرغم من تراجع شعبيته. لذلك يمكن القول إنّ من يراهن على زوال "الحريرية السياسية" التي شكّلت إحدى الركائز السياسية الأساسية للتوازنات الوطنية خلال العقود الثلاثة الماضية واهم، فضرورات المرحلة الحالية هي التي فرضت على الحريري تعليق عمله السياسي، ومؤكّد أنّها مرحلة لن تطول، ليعود الحريري وفق توازنات جديدة، بعيدة عن سطوة حزب الله وعبث إيران.

قرار الحريري قد يدفع قيادات أساسية أخرى، إلى تعليق مشاركتها في الانتخابات النيابية بدل الانخراط فيها

يتعلق الجانب الثاني بملف انتخابات مايو/ أيار المقبل، فسيُحدث قرار الحريري خللاً واضحاً في الانتخابات البرلمانية (في حال إجرائها) ونتائجها، من ناحيتين: خريطة التحالفات وتوزيع اللوائح، وخصوصاً في بيروت التي تُشكل مركز الثقل لتيار المستقبل. وأنّ القرار قد يدفع قيادات أساسية أخرى، في قراءتها موقف الحريري من باب الواقع اللبناني، إلى تعليق مشاركتها في الانتخابات النيابية بدل الانخراط فيها، لتتدحرج بذلك حجارة الدومينو الواحد تلو الآخر، تحت عباءة فقدان "الميثاقية الوطنية"، مع غياب طرفٍ وركنٍ سنّي أساسي من المعركة، الأمر الذي قد يقود البلد إلى تأجيل الانتخابات، وبالتالي، الدخول في فوضى إلى حين حصول التسوية أو الحلول المرتقبة.

وبالتالي، يبقى الثابت من دون شك بأن هذا القرار يُشكّل منعطفاً خطيراً بالحياة السياسية اللبنانية، كونه لا يتعلّق فقط بالحركة السياسية السنية، بل أيضاً بالحياة السياسية اللبنانية ككل، فهذا القرار قد يُشكّل صدمة سياسية ووطنية قد تفتح بوابة لانقلابات كبرى ستشهدها الساحة اللبنانية حتى موعد الانتخابات البرلمانية، قد تطيحها.

المقاربات الداخلية والإقليمية في لبنان مفتوحة على كل شي

يتعلق الجانب الثالث بالمرحلة اللبنانية الجديدة التي تدفع نحوها دول عربية عديدة، وخصوصاً الخليجية، لمواجهة حزب الله داخلياً، فالحريري، قبل إقدامه على قراره، فكّر ملياً بتبعاته، ليس على مستوى حزبه وطائفته فقط، وإنّما على مستوى لبنان ككل، آخذاً بالاعتبار الدوافع الشخصية والمواقف العربية، وخصوصاً الخليجية، الرافضة هيمنة حزب الله وإيران، وعجز المجتمع الدولي عن تنفيذ القرارات الأممية، وخصوصاً قراري مجلس الأمن 1559 و1701، اللذين يدعوان إلى تحرير لبنان من سلاح حزب الله، وإلى استعادة سيادة الدولة اللبنانية بواسطة قواتها الشرعية، فالحريري، بقراره هذا، يضع الفرقاء اللبنانيين في الداخل أمام مسؤولية استمرارهم في إضفاء شرعية وهميّة على واقع غير شرعي يقوده حزب الله، وخصوصاً بعد الورقة العربية التي حملها وزير خارجية الكويت إلى بيروت، والتي تتضمّن بنوداً عدّة على لبنان أن ينفذها لاستعادته الدعم، أبرزها ما يتعلّق بسلاح حزب الله، وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بذلك.

ومن هنا، تبدو المقاربات الداخلية والإقليمية في لبنان مفتوحة على كل شيء، فمن غير الممكن التنبؤ بما ستؤول إليه الأوضاع بعد تعليق الحريري عمله السياسي، إلا أنّ المؤكد أنّ المشهد السياسي اللبناني سيكون مفتوحاً أمام سيناريوهات كبيرة، ولو أنّ هذا المشهد الجديد يحتاج وقتا قبل أن يتبلور بصورته الكليّة.