تجارة السعادة بسقوط مرتضى وترامب

تجارة السعادة بسقوط مرتضى وترامب

11 نوفمبر 2020
+ الخط -

يقولون إن 2020 بدأت في التصالح مع كوكب الأرض، معلنة عن إزاحة دونالد ترامب من البيت الأبيض الأميركي، ومرتضى منصور من الرايخستاغ المصري (على غرار رايخستاغ النازي هتلر" والتمهيد لخروجه من البيت الأبيض الزمالكاوي).

بالطبع، خروج ترامب ومرتضى من المشهد نبأ سار على كل المستويات، لا خلاف على ذلك، غير أن الخلاف يتركز في أن هناك من يريد ابتزازك، بحيث لا تكتفي بالسعادة لإقصاء الشخصين المزعجين، بل عليك أن تهلل للبديلين، وأن توقع على صك إعجاب ومبايعة لكل ما هو نقيض لهما.

قبل التوقف عند هذا المنطق التجاري الصفيق، من المهم الوضع في الاعتبار أن المقارنة بين حالتي ترامب ومرتضى منصور تعد نوعًا من التعسف والتغييب الكامل للعقل، ذلك أن ترامب أطيح بمقتضى عملية انتخابات ديمقراطية سليمة، داخل نظام سياسي حقيقي، راسخ ومحترم ومشهود له في العالم كله بالجدارة والكفاءة لإحداث التغيير الحقيقي. أما في حالة مرتضى منصور، فالأمر مناقض بالكلية لما سبق، إذ ليس هناك نظام سياسي ولا آلية انتخاب وتغيير محترمة، وكما قلت في زحام الاحتفالات بإسقاط رئيس نادي الزمالك في دائرته الانتخابية بدلتا مصر: إذا كنت تصدّق أن مرتضى منصور سقط وتحتفل بذلك، فهذا يعني مباشرة إقرارك بأن هناك انتخابات حقيقية، وأن هناك نظامًا سياسيًا حقيقيًا يُجري هذه الانتخابات الحقيقية، وأن هناك مخرجات حقيقية (برلمان حقيقي) لهذه الانتخابات الحقيقية .. إذا كنت ترى ذلك كله، يمكنك إرسال برقية شكر حقيقية للنظام السياسي الحقيقي الذي نظم انتخابات حقيقية أفرزت نتائج حقيقية، منحتك سعادة حقيقية.

من الوهم أن يتصوّر أحد أن السقوط والنجاح بانتخابات تتم في ظل نظام أقيم فوق أنقاض حياة سياسية وديمقراطية، بل أنه تم فرض هذا النظام بالقوة من أجل قتل السياسة والديمقراطية، من الوهم الركون إلى أن الانتخاب يتم وفقًا لقدرات المتنافسين، أو تبعًا للاحتكام الكامل للجماهير، ذلك أن العالم كله يدرك أن من يريد النظام سقوطه سيسقط، ومن يريد بقاءه سينجح، ودون ذلك هو الأوهام.

الأصح هنا أن يقال إن النظام بدأ يستشعر أن مرتضى منصور، وغيره، صاروا حمولة زائدة، ينبغي التخلص منها قبل أن تصاب شاحنة الاستبداد بالعطب، فألقي بهم في البحر.

لا يمكن لمنصف أن يتجاهل البهجة المنبعثة من ذهاب الشخص الذي كان يسلك وكأنه فوق القانون، بل هو القانون نفسه، والذي كان يطرح نفسه على أنه ذلك المتماهي في شخصية الجنرال، حد التطابق، مطلقًا طوال الوقت "ما في القلب والعقل إلا السيسي". وعلى هذا الأساس، ينفجر شتائم واتهامات للجميع، وهو موقن بأنه في أمان، ما دام يخبئ الجنرال في حنجرته وتحت قبعته. 

لكن هذه البهجة لا يستقيم أن تكون مبرّرًا لإسباغ صفات الحسن والجدارة على خصومه، وخصوصًا الذين كانوا يمثلون الوجه الآخر، الهادئ الناعم، من العملة الرديئة، سواء في نادي الزمالك، أو في الوسط الرياضي كله، أو في الحياة السياسية بشكل عام.

في الدراما الأميركية السعيدة، أيضًا، لا يمكن القبول بأن تكون الفرحة بذهاب الوغد دونالد ترامب، شهادة صلاحية وكفاءة لبديله جو بايدن، أو مبرّرًا للرقص والتهليل والتطبيل للفائز، باعتباره مخلص البشرية من الظلم والعنصرية، أو تسويقه بوصفه البطل الأسطوري الذي ظهر ليخلص العرب من الطغيان والاستبداد، وينتصر للثورات، ويهزم الثورات المضادة.

من الوهم الذي لا يقل فخامة عن وهم اعتبار سقوط مرتضى منصور نتيجة عملية اقتراع حقيقية أن يحاول أحد إقناعك بأن في صعود الديمقراطيين الأميركيين، وسقوط الجمهوريين، الحل والإنقاذ للثورات الشعبية العربية المتعثرة.

على سبيل المثال في الحالة المصرية، أصبح محمد مرسي رئيسًا قبل أن يعاد تنصيب باراك أوباما الديمقراطي رئيسًا للولايات المتحدة لولاية ثانية، بثلاثة أشهر فقط، حيث انتخب مرسى في يوليو/ تموز وأوباما في نهاية ولايته الأولى التي أعقبها بأخرى في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته.

كل التحضير والتجهيز للانقضاض على أول تجربة ديمقراطية في مصر تم في مرحلة السيطرة الديمقراطية على السلطة في الولايات المتحدة، التي استضافت لقاءات وورش عمل للقوى السياسية المصرية الساعية إلى التحالف مع الجيش لإطاحة مخرجات العملية الديمقراطية.

تمت إطاحة الرئيس مرسي في ظل معادلة "القبول الأميركي والرضا الصهيوني والدعم المالي الخليجي"، بينما كان المتبقي من فترة رئاسة أوباما الثانية أكثر من ثلاث سنوات وستة أشهر، نحو  أربعين شهرًا كاملة، أي أكثر من 1200 يوم، ماذا قدّم الديمقراطيون الأميركيون للديمقراطية المصرية الذبيحة؟.

الإجابة، مكررًا، تجدها في كتاب ديفيد كيركباتريك، مراسل "نيويورك تايمز" في القاهرة، الذي رصد تطورات الحالة المصرية من الثورة إلى الانقلاب، فأشار إلى أن أوباما دعم بقاء الرئيس مرسي قبل يوم واحد من الانقلاب، لأنه كان يخشى اتهام حزبه الديمقراطي بدعم الانقلابات، ولكنه غير رأيه بعد ذلك، ودعم انقلاب عبد الفتاح السيسي بتأثير من آراء وزيري الخارجية والدفاع اللذين حذرا من مخاطر حكم الإسلاميين على المصالح الأميركية والصهاينة والحلفاء في الخليج. 

الحقيقة أن أوباما غيّر موقفه بما يستجيب للرغبة الإسرائيلية، التي يعد العجوز جو بايدن أقرب إليها من سلفه الديمقراطي الشاب.

مرة أخرى، غياب ترامب ومرتضى بهجة مستحقة، بيد أن التجار يمتنعون.

وائل قنديل
وائل قنديل
صحافي وكاتب مصري، من أسرة "العربي الجديد". يعرّف بنفسه: مسافر زاده حلم ثورة 25 يناير، بحثاً عن مصر المخطوفة من التاريخ والجغرافيا