بريء والله العظيم يا سعادة البيه

بريء والله العظيم يا سعادة البيه

05 مايو 2022
+ الخط -

أقسمَ أمس ثلاث مرّات أنه بريء من دم مرسي، وذكر اسم مرسي صريحًا للمرّة الثانية، ولم يحدُث له شيء، وكان يتطيّر من اسمه واسم حزبه كأن ستخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق، وقد عاش عشر سنواتٍ على الماء محرومًا من الخبز ومن نطق اسم مرسي.

ثمّة مشهد شهير في أفلام السينما المصرية، لا ليس مشهد "الزعيم" الذي سنذكره أيضًا، المشهد لشرطي شديد بياض الزي، يدفع المتهم المهان ليمثُل أمام الضابط، فيقسم المتهم أنه بريء يا سعادة البيه، والله العظيم بريء.

رئيس مصر "المهروسة" بالديون والسجون أقسم أنه لم يكن طاغية، وحلف أنه ليس رئيس جمهورية، البرهان: لأن فطوره بسيط! وزوجته مبتسمة فخوره بزهد زوجها الورع. معيار الرئاسة هو الفطور والطعام، وهو بارّ بأمه، وعنده دليلان؛ صور مسلسل الاختيار، وعرش مصر، إذ بوّأه رضى أمه ورضى ماما أميركا العرش. يكاد يبكي كما التلميذ في الفصل، لأنَّ خيرت الشاطر، أقوى طالب في الفصل، هدّد رئيس المخابرات الحربية ووزير دفاع عاشر جيش في العالم، وهو يعمل كده (تمثيل بحركة اليدّ للمسدس).

خيرت الشاطر مسجون من غير محاكمة، ويمكن أن يحاكم علنًا مثل جوني ديب وزوجته أمبر هيرد. المحاكمات في أوروبا وأميركا تُعرض على الشاشات، مثل ملاكمات الوزن الثقيل، فهي أيضا مباريات بين الحق والباطل. وهي مبارياتٌ ممتعة، وللعرب مصنّفات كثيرة في القضاء، إذ كان التدوين هو العرض في ذلك الزمان، بل إن رئيس القضاة في بروفيدنس، فرانشيسكو كابريو، المشهور باسم القاضي الرحيم، يعرض القضايا الطريفة على منصّات التواصل. أما في مصر، فالمصوّر يختار صورًا بعينها للمتهمين أمام قضاةٍ شامخين، يرطنون بالعربية نحوا وصرفا وحكما. القضاء في أكثر الدول العربية من أسرار الدولة والحكم، ومنذ أن تولّى الأسد لم تُعرض محكمة على الناس، وكأنها رجسٌ من عمل الشيطان. لعل عبد الفتاح السيسي يخشى من فصاحة خيرت الشاطر أو من حجّته، لكن السيسي فصيح أيضا، وقد خلب ألباب أدباء مصر وفنانيها وفناناتها بفصاحته.

لماذا تخاف، يا رئيس بلدية مصر، وتقسم كثيرًا، وتصنع مسلسلًا دراميًا، "يا ابني ما تخافش أنت شاهد، شاهد" (سعيد طرابيك)، أو: عايز عشرة جنيه مصاريف، أنت حتبقى رئيس جمهورية (أحمد راتب).

ما تخافش يا ريس، قضاء مصر شامخٌ، والشعب المصري يسمع ويرى، ولديكم وثائق مصوّرة لكل شيء، ولديكم مسلسل الاختيار الذي عومل أبطاله معاملة الشهداء، وكُرّموا مثلهم، مع أنه تمثيل، وليس وثيقة، وهو يصوّر نظرة صنّاعه، قد تكذب وقد تصدُق، والكذب أوْلى، بدليل القسم. إنّ أمارة الكذب كثرة الأيمان. جرّب أن تحاكمه.

يحتاج ريس مصر إلى التدريب على الخطابة، وهو ميؤوس منه. أما أدلته على براءته وحلمه وحكمته فهي أنه لم يذكر الإخوان المسلمين بالاسم، وإنما كنايةً، ووصفهم بأهل الشرِّ، سبع سنين لم يذكُرهم، يا حبّة عيني، ولم يذكر اسم إسرائيل، أهل الخير أيضًا، إنهم جيران، منَّ على الشعب المصري أنه لم يصف الرئيس مرسي بالمعزول، لأنه الرئيس المقتول، والمقتول لم يحظَ بمحاكمة، حُبس في قمقم زجاجي مثل عفريت الحكاية، وهو رئيسٌ منتخب، أول رئيس منتخب في مصر، وكان يريد أن يبوح بأسرار الحكم من أجل مصر، وليس من أجل تبرئة نفسه، وحُكم عليه بتهمٍ منها التواصل مع حركة حماس وقطر، وليس مع إسرائيل.

لا يصدّق السيسي أنه رئيس بعد، ويحتفل بعرس توليه مصر كل يوم، ويصعد إلى منصّة تكريم أبطال "الاختيار"، بعد أن يشقّ له أحد المرافقة الطريق اللاحب الفارغ، كأنه عالقٌ في الجليد، فيمشي فرحا بالأضواء والانتصار على أقوى طالبٍ في الفصل، ويسلّم إشارةً على المذيعتين الحلوتين، فهو يعرف الواجب، والنفس خضراء يا هندزة، ويعقد يديه على بطنه (حركته الصوفيّة)، هو محتارٌ أين يطرح يديه، يداه تعيقانه. يمشي مثل سلحف النينجا، سعيدًا بأنه الأول على الفصل، هو عريس الحفلة. لقد كبر، وانتصر. والسؤال لمَ لا تكون له منصّة على صفحات التواصل، مثل القاضي كابريو، كرئيس يحبُّ شعبه ويحنو على أبناء شهدائه، ستكسبه المنصّة ذهبًا.

683A43FF-D735-4EBA-B187-3AC9E42FAE32
أحمد عمر

كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."