بانتظار الآتي من الفضاء

بانتظار الآتي من الفضاء

16 يوليو 2022

صورة للفضاء قدّمتها وكالة ناسا عبر تلكسوب جيمس ويب (12/7/2022/Getty)

+ الخط -

صور بديعة من الفضاء السحيق، في أكثر التيليسكوبات تطوّراً في تاريخ البشرية: جيمس ويب. إشارات صوتية غير مفهومة صادرة من عمق أعماق الكون. عملياً، كان أسبوعاً حافلاً لكوكبنا الأزرق، لمن يعلم أن هذا الكون لا يزال أوسع من مداركنا، ويذهلنا في كل تفصيلٍ مُكتشف.

الفضاء ومحاولتنا اكتشاف كل ما هو فيه يشبه طفولتنا، فحين نولد لا نعلم شيئاً، ثم مع الوقت نبدأ بالاكتشافات البصرية والسمعية والملموسة. نباشر في سبْر أغوار منزلنا، ثم حيّنا فقريتنا الصغيرة، وبعدها إلى المدن الكبيرة، وصولاً إلى العالم الأوسع. لا يسعفنا العمر في تفتيش كل زاوية من زوايا هذا العالم، بل نحتاج إلى أعمار مضاعفة لزيارة كل الأماكن، واختبار ثقافات وحضارات مختلفة. كثيرون منا لا يفكّرون، أو لا يريدون التفكير بذلك. هذا حقّهم. وكما في كل شيء في الدنيا، لا يحقّ لأي منا منع أي شخص من التفكير بما يشاء. والكون، المصنوعون منه، هو كل شيء بالنسبة للبشر. وقليلون بدأوا يدركون عمق هذه الحقيقة، بعد خمولٍ تلا تحليق السوفييتي يوري غاغارين حول الأرض في إبريل/ نيسان 1961، وهبوط الأميركيين نيل أرمسترونغ وباز ألدرين على سطح القمر في يوليو/ تموز 1969. ومع الإعلان رسمياً عن وجود مياه على كوكب في المريخ في سبتمبر/ أيلول 2015، تزايد الاهتمام بما هو أبعد من كرتنا الصغيرة.

وبدءاً من عام 2017، بدأت تتوالى الاعترافات الرسمية الأميركية، بشأن وجود "أجسام مجهولة في كوكبنا ذات تكنولوجيا غير معروفة للعالم بعد"، خصوصاً من وزارة الدفاع (البنتاغون)، والبحرية الأميركية. ماذا يعني ذلك كله، في ظل خروج مسألة "الصحون الطائرة" و"اختطاف بشر أياماً قبل إعادتهم إلى ديارهم"؟ يعني أن السلطات المعنية بالفضاء، تحديداً الأميركيين والروس، وبدرجة أقل الصينيين، باتوا أقرب إلى رفع السرّية عن جزء من الملفات المتعلقة بالكون، التي يمتلكونها. ومن الطبيعي فهم أن الحكومات لا تكشف عن كامل أوراقها أو أرشيفها أو معلوماتها، بل دائماً ما تحتفظ بالأجزاء التي يُمنع على الرأي العام الاطلاع عليها، بسبب شبكة مترابطة من المصالح. ويعني هذا أن كل ما كشفه الأميركيون من "معلومات"، وكل ما تنشره وثائقياتٌ آخذةٌ بالتزايد على منصّات عدة في العالم، يبقى قليلا للغاية أمام ضخامة الملفات السرّية. لا يتعلق الأمر بنظريات المؤامرة، بل باستغلال كل تفصيلٍ معروفٍ على نطاق ضيق لدولة ما، من أجل مصالح سياسية واقتصادية وغيرها.

الأهم هنا هو "لحظة منتظرة"، لعشاق الاكتشافات الكونية والعلماء والحكومات، وهي المرتبطة حصراً بمشاهدة شخص آتٍ من الفضاء وسماعه. هذه اللحظة ستأتي، ولا أحد يعلم متى، وحتمية حصولها ليست مبنية سوى على قاعدة واحدة أساسية: الحياة في الكون غير مقتصرة على كوكبنا فقط، وذلك بسبب وجود المياه وغيرها من المركّبات الصانعة للحياة، في مختلف أرجاء النظام الكونيّ.

ربما ما يحصل حالياً من تسارع لتطورات اكتشاف الفضاء مجرّد موجة إعلامية، ستندثر كما اندثرت غيرها، أو أنها بمثابة "كرة ثلج" ستنمو تباعاً، لكنها لن تخفي واقعا حقيقيا: البشرية ستتغير حين تكتشف أنها ليست وحدها في الكون الرحب، وأن كوكبنا الصغير للغاية في نظامنا الشمسي، قبل كل شيء، ليس سوى ذرّة من مليارات ومليارات الذرّات المتناثرة في فضاء ما زلنا في بدايات اكتشافنا له، إذا ما قيس بعمر حضاراتنا البشرية، التي لم يمر عليها سوى عشرة آلاف عام ليس إلا، وهي فترة غير محتسبة قياساً على 13.7 مليار سنة من عمر الكون.

لنأخذ هذا الواقع، ولننظر إلى مشكلات عالمنا البيئية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، سنرى أننا فوّتنا الكثير في طرق تفكيرنا، واختزلنا وعينا في مناطق غرائزية في أدمغتنا، ولا نتقبّل اكتشاف وقائع مذهلة، لأننا "نخاف من كل ما نجهله".

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".