انتخابات فرنسا الإقليمية.. ملامح المشهد السياسي

انتخابات فرنسا الإقليمية.. ملامح المشهد السياسي على أبواب الانتخابات الرئاسية

04 يوليو 2021

ماكرون يدلي بصوته في لو توكيه (27/6/2021/فرانس برس)

+ الخط -

شهدت فرنسا، في عهد الرئيس إيمانويل ماكرون، أول انتخابات لمجالس الأقاليم والمقاطعات، جرت على جولتين في 20 و27 حزيران/ يونيو 2021، وشملت الأقاليم الفرنسية الثلاثة عشر، إضافة إلى جزيرة غويانا الفرنسية القريبة من البرازيل وجزيرة ريونيون جنوب شرق أفريقيا. وباستثناء انتقال السيطرة من اليمين التقليدي إلى اليسار في الجزيرتين المذكورتين، لم يحصل تغيير في تركيبة مجالس الأقاليم الفرنسية الثلاثة عشر القائمة منذ آخر انتخابات إقليمية عام 2015، إذ احتفظ االجمهوريون (يمين وسط) بسبعة أقاليم، في حين احتفظ اليسار بالستة الباقية.
المشهد الحزبي عشية الانتخابات
تشير استطلاعات الرأي المتتالية التي تُجرى في فرنسا منذ قرابة عام إلى أن المواجهة في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية القادمة المزمع عقدها في نيسان/ أبريل 2022 على جولتين، ستنحصر على الأرجح بين ماكرون، ورئيسة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرّف، مارين لوبين، التي ورثت والدها، جان ماري لوبين، في رئاسة حزب الجبهة الوطنية الذي غيّرت اسمه، سعيًا منها إلى التخفيف شكليًا من الحمولة العنصرية التي اتصف بها خطابه وسياسته زمن والدها المؤسّس. كما أن الاستطلاعات نفسها تشير إلى عدم إمكانية نجاح مرشح آخر في تجاوز الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، ويعود ذلك إلى ضعف اليمين التقليدي الذي يمثله حزب الجمهوريين الذي دخلت رموزه في سياق معارك سياسيةٍ شخصيةٍ على حساب التضامن القائم على استراتيجية واضحة للوصول إلى الرئاسة، ما يقود إلى تعدّد الساعين منهم إلى الترشّح. في حين يبدو المشهد في اتجاه اليسار أكثر ضبابيةً، في ظل الانقسام والتشرذم الذي تشهده قواه، إذ إنه لم يتمكّن، ولا يبدو أنه سيتمكّن في المدى المتوسط، من تجميع قواه المشتتة بين أحزاب عدة، منها: الحزب الاشتراكي، والحزب الشيوعي، وحزب الخضر، وحزب اليسار الراديكالي "فرنسا غير الخاضعة".

تمخّضت انتخابات مجالس الأقاليم والمقاطعات عن فوز رؤساء المقاطعات السابقين عمومًا، إذ نجحوا في المحافظة على ولاياتهم، سواء كانوا من اليمين أو اليسار

وفي هذا المناخ السياسي السلبي عمومًا، وفي موازاة الوضع الصحي المتأزم منذ 18 شهرًا، جرت انتخابات مجالس الأقاليم والمقاطعات، وقد طرحت نتائجها تساؤلاتٍ كثيرة تتمحور أساسًا حول علاقة السياسة بالمجتمع، ومكانة الأحزاب السياسية التقليدية، ومسألة الديمقراطية في الجمهورية الفرنسية الخامسة.

خسارة متوقعة للحزب الحاكم
في نيسان/ أبريل 2016، أطلق ماكرون، الذي كان وزيرًا للاقتصاد في عهد الرئيس فرانسوا هولاند (2012 - 2017)، حزبه السياسي "إلى الأمام" الذي تغيّر اسمه في ما بعد إلى "الجمهورية إلى الأمام"، محاولًا اجتذاب الجيل الشاب في المجتمع الفرنسي. ومنذ انتصاره في الانتخابات الرئاسية عام 2017، نجح نسبيًا في جذب بعض الشخصيات المؤثرة في حزب الجمهوريين اليميني للانضمام إلى حزبه الجديد، أو على الأقل إلى معسكره السياسي؛ من أبرزها، رئيس الوزراء الأول في عهده، إدوار فيليب (2017-2020)، ورئيس الوزراء الحالي جان كاستيكس، إضافة إلى وزير الداخلية جيرار دارمانان، ووزير الاقتصاد برونو لو مير. وقد دفعت هذه التكتيكات السياسية الجمهوريين إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى أسلوب ماكرون، معتبرين إياه أنه يسعى إلى إضعاف القوى السياسية التي تمثل منافسًا جديًا لطموحاته الرامية إلى تعزيز رئاسته، بغضّ النظر عن الوسائل المستخدمة. وفي الطرف المقابل، أي في أوساط اليسار، استطاع ماكرون أن يستقطب بعض أعضاء الحزب الاشتراكي الذي خرج عنه هو نفسه.
وقد شبّه مراقبون هذا الأسلوب الساعي إلى إضعاف الأحزاب التقليدية التي تعاقبت على الحكم طوال عقود بنهج الرئيس الراحل فرانسوا ميتران (1981-1995)، الذي استطاع من خلال إشراك الحزب الشيوعي في حكومته الاشتراكية الأولى عام 1981 أن ينهي تقريبًا وجود هذا الحزب في الخريطة السياسية الفرنسية؛ إذ دخل الشيوعيون حكومته، ولديهم أكثر من 30% من أصوات الناخبين، وخرجوا منها بعد تفاقم الخلافات حول السياسات الاقتصادية والاجتماعية مع الاشتراكية الليبرالية التي تبنّاها ميتران بأقل من 5% من أصوات الناخبين. 
والواضح أن حزب "الجمهورية إلى الأمام" الحاكم، الذي أسّسه ماكرون، وتمكّن عبره من الوصول إلى الرئاسة، لم ينجح في إنشاء قاعدة شعبية كافية ولازمة لتحقيق نتائج مهمة في الانتخابات المحلية على أنواعها؛ والحقيقة أن حزبه لم ينجح أيضًا في التحوّل إلى حزب فعلًا، وظل تنظيمًا سياسيًا تابعًا له. فعلى الرغم من زجّه وزراء من حكومته في اللوائح الانتخابية لمجالس الأقاليم والمقاطعات، سجّل الحزب فشلًا ذريعًا، ولم يحصل على أي فوز يُذكر. وقد تمخّضت انتخابات مجالس الأقاليم والمقاطعات عن فوز رؤساء المقاطعات السابقين عمومًا، إذ نجحوا في المحافظة على ولاياتهم، سواء كانوا من اليمين أو اليسار، وكأن انتخابات عام 2017 الرئاسية لم تحدُث، إذ لم يترك حزب الرئيس أيّ أثر. وقد سجلت النتائج خسارة الحزب الشيوعي الفرنسي إحدى آخر المقاطعات التي كان يديرها، وهي سين سان دوني، التي تعدّ الأشد فقرًا شرق العاصمة باريس، وتضم كثافةً سكانيةً عالية مع وجود كبير للمهاجرين أو للفرنسيين من أصول مهاجرة. في حين تمكّن أعضاء غير متحزّبين في اليسار من الفوز بانتخابات جزيرتي غويانا الفرنسية وريونيون. ويمكن اعتبار هذا التقدّم اليساري، بعد عقود من حكم اليمين التقليدي في الجزيرتين، مؤشرًا إلى الوضع الاقتصادي السيء في كلتيهما. ومن الطبيعي ألّا يتمكن الحزب اليميني المتطرّف، صائد أصوات الطبقة الفقيرة التي كانت تميل إلى اليسار عمومًا، من اجتذاب الأصوات في الجزيرتين، بسبب الطبيعة الإثنية فيهما.

سجّلت نسبة العزوف عن التصويت رقمًا مرتفعًا جدًا لأول مرة في فرنسا، دفعت مراقبين إلى طلب إعادة الانتخابات

وفي حدث انتخابي لافت، استطاع اليمين التقليدي أن يفوز بتجديد رئاسة مرشّحه، رونو موزولييه، لمقاطعة بروفانس ألب كوت دازور، في الجنوب الشرقي، التي كاد اليمين المتطرف أن يفوز بها من خلال مرشحه تييري مارياني، الوزير السابق، وصديق فلاديمير بوتين وبشار الأسد، والذي ينشط فرنسيًا في الدفاع عن مواقفهما. ويرجع سبب خسارة مارياني بها إلى انسحاب مرشح حزب الخضر اليساري، الذي حلّ ثالثًا على اللائحة ومنح أصوات ناخبيه لليمين التقليدي في اللحظات الأخيرة. 
يُطلق على هذا التضامن الانتخابي في اللغة السياسية الفرنسية بـ "الجبهة الجمهورية"، حيث تتضافر جهود قوى اليسار واليمين، في التصويت للحدّ من خطر تقدُّم حظوظ اليمين المتطرف الذي يعتبرانه، نظريًا على الأقل، مهددًا لأسس وقيم الجمهورية الفرنسية. وكان أبرز ظهور ونجاح لهذا التحالف في التاريخ الفرنسي الحديث انتخاب الرئيس الراحل جاك شيراك (1995-2007) بنسبة مرتفعة جدًا ونادرة في العُرف السياسي الفرنسي بلغت 82.2% في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2002. وقد تضافرت الجهود حينها لوقف التقدّم الكبير الذي حققه جان ماري لوبين، زعيم حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرّف، في الجولة الأولى من تلك الانتخابات. وقد تجدد هذا التحالف الجمهوري أيضًا في انتخابات بلدية وإقليمية عديدة، وصولًا إلى تصويت اليسار واليمين المعتدل لصالح ماكرون في الانتخابات الرئاسية عام 2017، بعد صعود مارين لوبين الابنة إلى الجولة الثانية من الانتخابات.
عمومًا، لم يتغير المشهد السياسي على خريطة الأقاليم والمقاطعات إلا في حالات محدودة كما في الجزيرتين. في حين أظهرت أرقام المقترعين الهزيلة ضعفًا بنيويًا في المشهد السياسي الداخلي، يشير إلى مدى تدهور الانخراط في الشأن العام.
الامتناع عن التصويت إهمالًا أم احتجاجًا؟
سجّلت نسبة العزوف عن التصويت رقمًا مرتفعًا جدًا لأول مرة في فرنسا، دفعت بعض المراقبين إلى طلب إعادة الانتخابات كي تعكس حقيقة التوجهات السياسية للفرنسيين؛ إذ غاب عن صناديق الاقتراع أكثر من 66.1% من الذين يحق لهم التصويت في الجولة الأولى، وأكثر من 65.7% في الجولة الثانية. وبناء عليه، يمكن اعتبار أن اثنين من ثلاثة فرنسيين لم يُدلوا بأصواتهم. وقد شكّلت نسبة التصويت المنخفضة دافعًا لتحليلات واستنتاجات متنوعة، انحصر أهمها في وضع اللوم على عدم الاهتمام بالسياسة عمومًا، أو نتيجة الحذر الصحي السائد مع وباء كورونا، وأخيرًا، أشارت ملاحظات إلى انعدام أو ضعف اهتمام الناس بالانتخابات الإقليمية والمحلية، وأن عموم الناس تعوّل على الانتخابات الرئاسية.

المناخ الصحي الناجم عن وباء كورونا، لا يبدو أنه أدّى دورًا مهمًا في إبعاد المواطنين عن صناديق الاقتراع، وخصوصًا أنه في فترة انحسار

ليس ضعف الاهتمام بالسياسة، وخصوصا لدى الشباب، مؤكدًا؛ إذ تشير الدراسات، على نحو أكثر، إلى أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي أصابت المجتمع الفرنسي خلال العقود الأخيرة أدّت إلى ارتفاع نسبة الخيبة والشك في أداء السياسيين من مختلف الأحزاب التقليدية. وتفسح هذه الظاهرة المجال لتقدّم شخوص أو مجموعات راديكالية شكّلت العناصر البديلة في المشهد السياسي المحلي من اليمين ذاته أو اليسار ذاته. وقد أظهرت ذلك بجلاء أزمة السترات الصفراء، التي جابت احتجاجاتها شوارع المدن الفرنسية، بدءًا من تشرين الأول/ أكتوبر 2018، وعبّرت من خلالها قطاعات متنوعة من الشعب الفرنسي عن رفضها للخطاب السياسي السائد ومطالبتها ببدائل تحاكي في بعض الأحيان نمطًا شعبويًا مُقلقًا. إضافة إلى ذلك، تسابق اليمين واليسار في تبنّي مفرداتٍ مشتركةٍ في مجالَي الأمن والهجرة، سعيًا إلى اللحاق بخطابٍ يمينيٍّ متطرّفٍ جاذبٍ لمن يعتقدون أن أزماتهم البنيوية محصورة في هذين العاملين. وبعد أن كان من الصعب التمييز، إلا استثنائيًا، في الخطاب المتعلق بالهجرة بين اليمين واليسار، صار من الصعب أيضا التمييز في الخطاب المتعلق بالأمن والرُّهاب من الإسلام بين اليمين واليمين المتطرّف. ومن ثم، تنوعت الاستعارات والاستخدامات المسيئة لمخاوف مشروعة في سبيل تصيّد الأصوات الانتخابية، أو هكذا خُيّل لهم. 
أما المناخ الصحي الناجم عن وباء كورونا، فلا يبدو أنه أدّى دورًا مهمًا في إبعاد المواطنين عن صناديق الاقتراع، وخصوصًا أنه في فترة انحسار، كما ترافقت الانتخابات مع إجراءاتٍ صحيةٍ مخففة. ومن جهة أخرى، ربما وضَع التعطّش إلى الحرية بعد أشهر طويلة من الحجْر المنزلي، والطقس في أحسن حالاته، الناسَ أمام معضلة الاختيار بين الخروج إلى الطبيعة أو التوجه للاقتراع إلى مجالس الأقاليم والمقاطعات التي لا يعرف جل الفرنسيين حدود اختصاصاتها ويخلطون بين مهماتها. 
يختلف سلوك المواطنين بشأن الانتخابات الرئاسية، ويبدو أن ضعف الحزب الحاكم الشاب، وعدم إيجاده أرضية محلية في المقاطعات لن ينعكسا سلبيًا، بالضرورة، على نتائج الانتخابات الرئاسية، لأن العوامل الحاسمة فيها تتنوع وتتوسع بعيدًا عن مجرد حسن التنظيم والتشبيك الحزبي في الأقاليم والمقاطعات، وفي المدن والبلدات. وفي المقابل، لا يحسم ما سبق تمامًا إمكانية تأثير نتائج الانتخابات هذه في مسار الحملات الانتخابية الرئاسية. وعلى أقل تقدير، سيندفع الخاسرون، على تنوعاتهم الفكرية والعملية، إلى إعادة النظر في مضامين خطاباتهم وتوجهات تحالفاتهم في سبيل تفادي المفاجآت في الانتخابات الرئاسية. والخاسرون هنا فعليًا هم الجميع، وخصوصًا المواطنين الذين سجّلوا احتجاجاتهم بأسلوب الفعل السلبي المتمثل في الامتناع عن التصويت. ولا يمكن، إذًا، اعتبار من ربح في هذه الانتخابات من الرابحين في المطلق، لأن أفضلهم احتفظ بما كان بين يديه من إقليم أو مقاطعة. وعلى سبيل المثال، فرح ممثلو اليمين المعتدل منتشين بانتصارهم بعدم خسارة مقاطعاتهم، ولكن استطلاعات الرأي تشير إلى أنهم لن يتمكنوا من إيصال مرشحهم الرئاسي، الذي لم يتفقوا عليه بعد، إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. أما الخاسران الأهم في الانتخابات الإقليمية، وهما اليمين المتطرّف والحزب الحاكم، فترجح الاستطلاعات أن مرشّحَيهما المعروفَين منذ الآن، ماكرون ولوبين، سيفوزان في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية وسيتواجهان في الجولة الثانية والحاسمة. ولكن الأمر قد يختلف في الانتخابات البرلمانية؛ فضعف الحزب الحاكم قد يتجلى فيها أيضًا.

مع تزايد تمدّد الإعلام اليميني المتطرّف وارتفاع نسبة تبرير العنصرية والرُّهاب من الإسلام في الخطاب السياسي، برزت شخصيات تتبنّى الخطاب الجدالي والمحرّض

هل ثمة مفاجآت في الانتخابات الرئاسية عام 2022؟
يرتبط حصول مفاجآت في أيّ مشهد سياسي بوجود مسارات غابت عن التحليل أو اقتصر تحليلها على وقائع ملموسة فحسب. وفي الحالة الفرنسية، قد يكون وصول ماكرون إلى الرئاسة عام 2017 مثّل مفاجأة لبعضهم، ولكن متابعة صعوده السريع في المشهد السياسي الفرنسي، والتوقف عند مناصبه السابقة، وفاعلية تشبيكه الموجّه في أوساط الأعمال والمصارف، يُساعد ذلك في فهم سياقات صعوده. 
وينطبق الشيء نفسه على حظوظ اليسار الفرنسي؛ فهو، وإن كان غير قادر على وضع أرضية فعالة للعمل المشترك، قد يدرك أهمية المرحلة التاريخية وإمكانية وقوع الخسارة التي لا رجعة عنها لكل مكتسبات المجتمع الفرنسي، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في الحقلين الاجتماعي والاقتصادي، التي أنجزتها حكومات تعاقبت عليها أحزاب يسارية، وأيضًا يمينية، تشاركت في الالتزام بمكتسبات أساسية لا يمكن للثقافة السياسية الفرنسية تجاوزها. وبناء عليه، يمكن اليسار التكاتف والتلاقي حول مرشّح مقبول من كل أطرافه، ترتكز لديه أهم المبادئ الجامعة، إضافة إلى ميولٍ بيئيةٍ صارت الموضوع الأهم لدى شريحةٍ كبيرةٍ ممن ينتمون إلى التيار اليساري. وتعتبر وزيرة العدل السابقة، كريستيان توبيرا، الأبرز بين الشخصيات اليسارية القادرة على أن تشكل نقطة تلاقٍ وجذب لغالبية التيارات اليسارية. 
وعلى الطرف المقابل، ومع تزايد تمدّد الإعلام اليميني المتطرّف في المشهد العام وارتفاع نسبة تبرير العنصرية والرُّهاب من الإسلام في الخطاب السياسي العام، برزت شخصيات تتبنّى الخطاب الجدالي والمحرّض، كالصحافي إيريك زيمور، الذي يَعتبره حزب التجمع الوطني المتطرّف متطرفًا أكثر منه. وقد بدأ زيمور جدّيًا في الإعداد للترشّح للانتخابات الرئاسية، ويمكنه أن يقلب الطاولة على لوبين، زعيمة اليمين المتطرف، لكن ليس من المحتمل أن تتجاوز حظوظه القدرة على تشكيل خطر على لوبين؛ إذ سوف تقف، على الأرجح، ما يسمى "الجبهة الجمهورية" التي تجمع كل الأحزاب السياسية والسياسيين التقليديين، كما منظمات المجتمع المدني على تنوعها، في وجه تقدّم الخطاب العنصري والمحرّض على الكراهية. 
انتخابات مجالس الأقاليم والمقاطعات الأخيرة ليست مهمة بنتائجها، بقدر ما هي مهمة في مساراتها؛ فالحزب الحاكم خسرها، ولكنه لم يخسر إمكانية أن تقوم قياداته بتعديل تسميته وكل أدبياته لمرافقة عودة ماكرون إلى سدة الرئاسة في عام 2022 بالاعتماد على العوامل نفسها التي أتت به إليها عام 2017. كما خسر حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف جزءًا كبيرًا من أصوات قاعدته الانتخابية، بسبب محاولته تشذيب صورته من دون تغيير مضمون خطابه السياسي الذي يركّز على مسألتي الأمن والهجرة. لذا، من يتطرّف أكثر في هذا اليمين سيجذب المحبطين من جمهوره. أما اليسار الذي تفتته الأحقاد والصراعات الشخصية والجانبية، فيبدو أن الفشل سيظل حليفه ما لم تنجح نخبة غير معنية بالمواقع في أن تقدم بديلًا جامعًا وقادرًا على إعادته إلى صدارة المشهد السياسي. وأخيرًا، وفي حساب المفاجآت، تبقى المفاجأة الأكبر أن يتقدم مرشح يتفق عليه اليمين التقليدي إلى الجولة الثانية لمواجهة ماكرون أو لوبين، والأكثر بروزًا وصدارة سياسيًا حتى اليوم هو الوزير السابق والفائز برئاسة إقليم با دو كاليه في الشمال، كزافييه برتران.