انتخابات العراق .. الأسوأ قادم

انتخابات العراق .. الأسوأ قادم

19 يناير 2021
+ الخط -

من المقرّر، كما سبق أن أعلن رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، أن تجرى الانتخابات التشريعية والبرلمانية في بلاده في يونيو/ حزيران المقبل، وهي انتخابات مبكرة جاءت بعد استقالة رئيس الحكومة السابق، عادل عبد المهدي، بفعل تظاهرات تشرين التي انطلقت في بغداد ومدن جنوبية عام 2019. وعلى الرغم من أن موعد الانتخابات لا يبدو نهائياً، في ظل تصاعد المطالبات بتأجيلها من عدة أطراف، في مقدمتها المفوّضية العليا للانتخابات التي أعلن أكثر من مسؤول فيها أن الأفضل تأجيل تلك الانتخابات إلى شهر سبتمبر/ أيلول أو حتى أكتوبر/ تشرين الأول، على الرغم من ذلك، قد تكون هذه الانتخابات الأسوأ في تاريخ العراق، ليس فقط من ناحية التوقيت، وإنما من ناحية النتائج التي يتوقع أن تترتب عليها.
ستجرى انتخابات يونيو في وقت تعيش فيه العاصمة بغداد على وقع سيطرةٍ شبه مطلقة من الميلشيات الولائية، تلك التي تدين بالولاء لولي الفقيه في إيران. وعلى من يدّعي خلاف ذلك أن يعود بذاكرته إلى قبل نحو شهر، عندما نزلت مليشيات عصائب أهل الحق، المصنفة على لوائح الإرهاب الأميركية، إلى العاصمة بغداد، وهدّدت بحرقها في حال لم يتم الإفراج عن أحد عناصرها من المتورّطين بإطلاق القذائف الصاروخية على السفارة الأميركية، ما دفع الحكومة ورئيسها إلى تحويل المتهم إلى ما يعرف بأمن الحشد الشعبي لمحاكمته، ولا يحتاج باقي القصة إلى شرح، فما يجري في هذه الحالات أن يُفرج أمن الحشد عنه أو يضعه في مكان آمن بعيداً عن الأنظار فترة، ثم يعود ليمارس دوره بشكل طبيعي.

يُراد أن تكون انتخابات يونيو حدثاً مفصلياً، كونها تأتي نتيجة تظاهرات ظلت طوال عام تنادي بالتغيير

ستكون انتخابات يونيو الأسوأ، لأن رئيس الحكومة في العراق يتعامل مع الفصائل الموالية لإيران على أنها الحاكم الفعلي للبلد، وهو يعمل لديها ويدير البلاد بأوامرها. وليس صحيحاً أن ما يفعله الكاظمي جزء من سياسية هادئة لسحب البساط من تحت أقدام تلك الفصائل، فقد سارع بعد يوم من وضع رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، ونائبه عبد العزيز المحمداوي، على لائحة الإرهاب الأميركية، إلى زيارة مقر الحشد الشعبي والالتقاء بهما، في تأكيد على أن الحكومة العراقية تقف وراءهما إزاء الاتهامات الأميركية، في موقف لا يبدو أن الكاظمي يمكن أن يفعل غيره.
يُراد أن تكون انتخابات يونيو حدثاً مفصلياً، كونها تأتي نتيجة تظاهرات ظلت طوال عام تنادي بالتغيير، وبناء عملية سياسية بعيدة عن الوجوه التي شكلتها منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003، غير أن واقع الحال يشي بأمور أخرى، فالمليشيات الولائية باتت أكثر سيطرة على الواقع العراقي من أي وقت مضى، وهي تملك المال والسلاح والسلطة، كما أنها تملك الدعم الإيراني غير المحدود لها.
صحيحٌ أن إدارة ترامب التي يفترض أن تغادر البيت الأبيض غدا (20 يناير)، شدّدت من عقوباتها ضد فصائل وشخصيات في الحشد الشعبي، لكن الصحيح أيضا أن مثل هذه العقوبات لم تؤثر سابقاً، ولن تؤثر لاحقاً، على تلك الفصائل وقادتها، بل إنها أحيانا كثيرة تُستخدم ذريعة لمزيد من التغول والسيطرة على مفاصل أخرى داخل جسد الدولة العراقية المنهك.

هناك فرصة لإعادة التفاوض على الملف النووي الإيراني، ما يعني أن تكون لدى المليشيات الولائية القدرة على المناورة بشكل كبير

اعتباراً من العشرين من يناير/ كانون الثاني الجاري، سيكون العراق والمنطقة أمام إدارة أميركية جديدة، إدارة لا يبدو أنها ستسير على خطى الإدارة السابقة في التعامل مع ملفات المنطقة، فالرئيس جو بايدن كان أحد أعضاء الوفد الأميركي الذي قاد مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران الذي توج بتوقيع الولايات المتحدة ودول أوروبية الاتفاق الشهير مع إيران، والذي عاد دونالد ترامب إلى إلغائه، ما يعني أن هناك فرصة لإعادة التفاوض على الأقل خلال الفترة المقبلة، وما يعني أيضاً أن تكون لدى المليشيات الولائية القدرة على المناورة بشكل كبير، ما منحها فرصة للبقاء وإدامة وجودها من خلال انتخاباتٍ تحصل من خلالها على شرعية سياسية.
السيناريو الأسوأ قادم إلى العراق، في ظل ضعف الحكومة الحالية، وعدم قدرتها على اتخاذ أي خطواتٍ فاعلة، للوقوف بوجه المليشيات وسلاحها المنفلت، وفي ظل سعي إيران إلى الاستفادة من وجود إدارة أميركية جديدة قد لا تكون راغبة كثيراً بالتصعيد مع إيران. بالتالي، ستكون الانتخابات العراقية المقبلة فرصة لتثبيت أقدام إيران في العراق، من خلال المليشيات الولائية وأجنحتها السياسية، لتكون ورقة ضغط إيرانية قوية في أي مفاوضات جديدة بشأن ملفها النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية.
الرهان على الانتخابات لتغيير الوضع في العراق يبدو سراباً يحسبه الشعب المتعطش للخلاص ماءً، فلقد أظهرت التجارب السابقة للعراقيين، بشكل جلي، أن أي انتخابات جديدة تجرى إنما هي محاولة جديدة لتثبيت الوضع الشاذّ وديمومته، فهل يعي العراقيون الدرس، ليعودوا إلى ساحات التظاهر للخلاص من هذه الطغمة الفاسدة؟

96648A48-5D02-47EA-B995-281002868FD0
إياد الدليمي
كاتب وصحافي عراقي. حاصل على شهادة الماجستير في الأدب العربي الحديث. له عدة قصص قصيرة منشورة في مجلات أدبية عربية. وهو كاتب مقال أسبوعي في عدة صحف ومواقع عربية. يقول: أكتب لأنني أؤمن بالكتابة. أؤمن بأن طريق التغيير يبدأ بكلمة، وأن السعادة كلمة، وأن الحياة كلمة...