انتبهوا .. العدو على الأبواب

انتبهوا .. العدو على الأبواب

10 أكتوبر 2021
+ الخط -

أبدى معارضٌ سوري، في أحد منشوراته، رأيَه بالتطوّرات المتسارعة في أفغانستان، فتصدّى له أحد متابعيه على الفور، يلومه على اهتمامه بالشأن الأفغاني، وختم تعليقه قائلاً: أين أنت مما يجري في إدلب؟ ألا ترى كيف تتعرّض للقصف الأسدي الروسي؟

هذا الهرب "الاستفزازي" من مناقشة الموضوع المطروح، أو ما يسمّى في الكلام الدارج "التغميس خارج الصحن" ليس جديداً على العرب، والمسلمين، والسوريين، وكلَّ شعوب هذه البلاد المنكوبة. في أواخر حكم الديكتاتور حافظ الأسد، مثلاً، بدأ النظام، بمختلف مكوناته، وأبرزها الإعلام، يتظاهر بالتوجّه نحو الانفتاح، تمهيداً لتوريث باسل، ثم بشار، وصارت جوقاتهم تتداول أخباراً مفادُها أن هناك مشروعَ قانون للأحزاب، تجري مناقشتُه على قدم وساق، وأن القائد حافظاً شكّل لجنةً لهذا الغرض، وأمهل أعضاءها شهراً، ليكون المشروع بصيغته النهائية أمامه على المكتب .. سببُ هذه السرعة الجنونية أن حافظ الأسد قرّر، فجأة، ومن دون سابق إنذار، أن يقوم بالإصلاحات السياسية التي تلبّي حاجات الشعب للحرية والديمقراطية؛ الإصلاحات نفسها التي قتل عدداً كبيراً من أبناء الشعب السوري (العظيم)، خلال ربع قرن، وسجن آخرين تحت الأرض، لمجرّد أنهم طالبوا بها.

لم يُنجز القانون، خلال شهر، بالطبع، لأن المكلّفين بتنفيذه يعرفون أن هذا الأمر محكومٌ بالمماطلة، ولو أن أحداً غامر بإنجازه فوراً فربما تعرّض لعقوبة... المهم أن هذا العَيّ، واللعي، واللتّ، والعجن، استمر سنوات، وانتقل مشروع قانون الأحزاب إلى فترة الوريث بشار الذي "اتّهمه" مؤيدوه بأنّه إصلاحي، ومن أهل التحديث والتطوير .. وخلال كل هاتيك السنين، وما أطولها، كان أي مواطنٍ يسأل واحداً من أذناب السلطة الإرهابية الأسدية: "أيش صار بقانون الأحزاب يا رفيق؟"... يجيبه على الفور بأنّه سيصدُر قريباً، لكن؛ ألا ترى هذه الظروف الدولية المعقدة، والمؤامرات التي تُحاك على صمود شعبنا الأبي، ورفيقنا المناضل، قائد الأمة العربي من المحيط إلى الخليج؟

هذه الحوارية "المضحكة المبكية" لم تكن الوحيدةَ التي تدور في ظل الحكم الديكتاتوري الأسدي. وهناك طرفة بطلُها الروائي اللواء محمد إبراهيم العلي؛ أن مدير أحد المراكز الثقافية أراد أن يمالئه، ويكسب ودّه، فاستأذنه، ودعا لحضور ندوة جماهيرية لمناقشة أعماله الروائية العظيمة التي تُرجمت، آنذاك، إلى الروسية ومعظم لغات الدول السوفييتية والأوروبية الشرقية، يشارك فيها لفيفٌ من الأدباء، والنقاد، والباحثين، والرفاق أعضاء القيادتين القومية والقُطرية، وتختتم الندوة بتوقيع آخر عمل روائي أبدعه سيادة اللواء، وإهدائه للإخوة المواطنين. نجحت الندوة نجاحاً باهراً، وتزاحم الناس على باب المركز الثقافي لاستقبال سيادة اللواء الروائي الكبير، وأخذ كثيرون منهم صوراً تذكارية معه، ووقّع سيادته لبعض الرفيقات المعجبات "أوتوغراف" وبعدما ألقى المشاركون مداخلاتهم التي تناولت الأعماق الفكرية والسياسية والفلسفية لأعماله الروائية، فُتح باب الحوار، فأثنى معظم الحاضرين على الرفيق المناضل اللواء الذي استطاع أن يجمع بين عملين كبيرين، أولهما قيادة الجيش الشعبي، والثاني تأليف هذه الروايات العظيمة. لكن أحد الحاضرين عكّر على المنتدين هناءتهم، إذ وقف وقال:

- أريد أن أسال سيادة اللواء سؤالاً. طباعة رواياتك، في الواقع، فاخرة، تجذب النظر، فتغري ناظرها باقتنائها. ومن ناحية الوزن، ما شاء الله كان، أقل واحدة منها تزن ثلاثة أرباع الكيلو، ولكنني لاحظت أنها تخلو من "الفنية".

صفن سيادة اللواء برهة، أجال بصرَه في الحاضرات والحاضرين، ثم قال: فنيّة؟ تريد فنيّة والعدو على الأبواب؟ وهنا تهجد صوته، وخاطب الحاضرين: الأخ المحترم، صاحب السؤال، يريد فنيّة وشعبنا غارق في الجهل والبؤس والأمية.

في ما بعد، أضاف أحد الظرفاء على حديث سيادة اللواء جملةً لم يقلها، إذ تخيّله يقول: تخيّلوا أن تهاجمنا إسرائيل يوماً، وبدلاً من أن نجابهها بالأسلحة المتطورة، نسحب عليها فنية!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...