اليمن .. معارك السيطرة على مناطق الموارد

اليمن .. معارك السيطرة على مناطق الموارد

01 أكتوبر 2021

مقاتلون يمنيون موالون للحكومة يطلقون النار على مواقع حوثيين في مأرب (27/9/2021/فرانس برس)

+ الخط -

في معارك عنيفة، هي الأكثر كُلفةً على الصعيدين، الإنساني والعسكري، تدفع أطراف الصراع اليمنية قواتها وتعزيزاتها العسكرية لخوض معارك مصيرية في جبهاتٍ استراتيجيةٍ لتحسين موقعها التفاوضي مستقبلاً، إذ تشكّل المعارك المحتدمة في جبهات مدينتي مأرب وشبوة المجاورة، وكذا نتائجها، منعطفاً خطيراً في خريطة الصراع الكلي، وذلك لتركّز المعارك في جبهات مدينتين ذات أهمية اقتصادية، بالإضافة إلى أنهما مركز للثقل السياسي للسلطة الشرعية في شمال اليمن وجنوبه. ومع استمرار حدّة المعارك في جبهات مأرب وشبوة، وتمترس أطراف الصراع لتحقيق انتصارات عسكرية حاسمة، فإن الأكيد هنا أن تركّز المعارك في هذه الجبهات، يمثل مسعى أخيرا لأطراف الصراع، لتغيير مسار الحرب نحو السيطرة على مناطق الموارد النفطية أو تأمينها.

أفضت معارك الأسابيع الأخيرة في جبهات شبوة ومأرب إلى تغيير خريطة الصراع على الأرض، بما في ذلك موازين القوى لصالح جماعة الحوثي المدعومة من إيران، فقد تمكّن مقاتلو الجماعة من اختراق جبهات مأرب الجنوبية، انطلاقاً من جبهات مدينة شبوة المجاورة، ما يعني تغير استراتيجة الجماعة باتجاه تكثيف الهجوم على مدينة مأرب من جبهاتها الجنوبية، وذلك بعد فشلها أكثر من سنة في اختراق جبهاتها الشرقية والغربية، على الرغم من استمرار المعارك في جبهات صرواح ومدغل والكسارة، إذ سيطر مقاتلو جماعة الحوثي أخيرا على مركز مديرية "حريب" جنوب مدينة مأرب، ما مكّنهم من التقدّم إلى منطقة "الجوبة" التي تدور فيها معارك حالياً، ومحاولة مقاتلي الجماعة السيطرة على خط إمدادات جديد نحو حقول النفط إلى الشرق منها، إضافة إلى حصار مديرية "العبدية" جنوب مأرب، لقطع خط الإمدادات العسكرية على قوات السلطة الشرعية، حيث تسعى الجماعة، كما يبدو، إلى عزل مديريات مأرب الجنوبية عن المديريات الأخرى، وتشديد الحصار على مدينة مأرب. ومكّنهم من ذلك تقدّمهم في جبهات مدينة شبوة المجاورة لمدينة مأرب، حيث تمكّن مقاتلو الجماعة من السيطرة على مراكز ثلاث مديريات مهمة، بيحان والعين وعسيلان. وتكمن أهميتها الاستراتيجية ليس فقط في أنها جغرافيا مثالية للانطلاق نحو مأرب، وإنما لأهميتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، فإضافة إلى اقتراب مقاتلي الجماعة من حقل جنة النفطي في منطقة عسيلان بمدينة شبوة، وهو ما يعني، في حال تثبيت سيطرتهم على المنطقة وضع أيديهم على موارد نفط شبوة، بما في ذلك أهمية بيحان بوصفها منطقة استراتيجية تربط بين مدينة شبوة ومأرب والبيضاء، فإن انتزاع هذه المناطق من السلطة الشرعية، بعد أكثر من خمس سنوات من سيطرتها عليها، يشكل خسارة سياسية وعسكرية كبيرة لها، فضلاً على أن نقل مقاتلي جماعة الحوثي المعارك إلى عمق مدينة شبوة يمنحها أفضلية عسكرية وسياسية في تهديد المناطق الجنوبية المحرّرة من جهة، واحتمال تطويقها، بما في ذلك تهديد مدينة حضرموت الغنية بالنفط. ومن جهة أخرى، قطع خط الإمدادات العسكرية لقوات الشرعية القادمة من مدينة شبوة إلى جبهات مأرب، ومضاعفة الحصار على مأرب، ومن ثم وسّعت الجماعة من خياراتها العسكرية، مقابل تضاؤل خيارات خصومها.

تفتقر جماعة الحوثي لحاضنة اجتماعية في مدينة شبوة، تمكّنها من تثبيت سيطرتها على المناطق التي أسقطتها أخيرا

ترجع المكاسب العسكرية الحالية التي حققتها جماعة الحوثي إلى استغلال نقاط ضعف خصومها، والبناء عليه لدفع معركتها في السيطرة على المعاقل الاستراتيجية والحيوية في شمال اليمن وجنوبه، كما أن اعتمادها على سياسة الهجوم المباغت، مقابل اكتفاء القوات التابعة للسلطة الشرعية بالدفاع عن مدينة مأرب، مكّنها من التمدّد نحو جبهات جديدة، إلا أن العامل الرئيس في تحقيق انتصاراتها العسكرية هو إحكام سيطرتها على مدينة البيضاء في وسط اليمن، والتي تمثل قاعدة انطلاق عسكرية إلى ثماني مدن يمنية، منها مأرب وشبوة وأبين ولحج، فبعد سيطرة الجماعة على مديريتي ناطع ونعمان، في شمال مدينة البيضاء، والمطلّتين على مأرب وشبوة، استطاعت تأمين خطوط إمداداتها العسكرية في معاركها ومضاعفة الهجوم على مأرب من جهة، والتمدّد نحو شبوة من جهة أخرى. وبسيطرتها على مديرية الصومعة في محافظة البيضاء في مطلع شهر سبتمر/ أيلول المنصرم، آخر المناطق الخاضعة للسلطة الشرعية في البيضاء، أدارت الجماعة معاركها نحو فصل جبهات الشرعية وخصومها عن معركة مأرب، وتحييد الجبهات في مدينة تعز ومنطقة الساحل الغربي، مقابل تخويف القوى المناهضة للشرعية من إدارة المعركة بالاتجاه جنوباً، إذ مركزت جزءا من قواتها في المديريات الجنوبية لمدينة البيضاء، المحاذية لمدينتي لحج وأبين لاستنزاف القوات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي. ومن جهة أخرى، توظيف الصراعات البينية في معسكر خصومها في جبهات مدينة شبوة التي تشهد صراعا محتدما بين المجلس الانتقالي والسلطة الشرعية للسيطرة على المدينة، ومن ثم استغلت الجماعة تشتّت خصومها في هذه الجبهات، لتحقيق اختراق استراتيجي، يمكّنها من التقدّم نحو حقول النفط والغاز في مدينة شبوة، وكذلك الانطلاق من تلك المناطق إلى جنوب مدينة مأرب، ومضاعفة الحصار على المدينة النفطية، مقابل استمرار مقاتليها في محاولة التقدّم في جبهاتها الشرقية والغربية.

يتوزع خصوم جماعة الحوثي من حلفاء الشرعية ومنافسيها على جبهاتٍ عسكريةٍ وسياسة عديدة، بحيث لا يشكلون أي تأثيرٍ على مسارات الصراع

مع أهمية المكاسب التي حققتها الجماعة، فإن تبعات معاركها في جبهات مأرب وشبوة، إضافة إلى تأمين مواقعها في مدينة البيضاء، يشكل ضغطا عسكرياً عليها، وذلك لاتساع رقعة تلك المناطق، وكلفتها البشرية الباهظة على حلفائها من القبائل. وبالتالي، لا تعني المكاسب السريعة انتصارا دائما يُبنى عليه، فإضافة إلى المقاومة الشرسة لأبناء مدينة مأرب لجماعة الحوثي، سياسياً ووطنياً ومذهبياً، فإن الجماعة أيضا تفتقر لحاضنة اجتماعية في مدينة شبوة، تمكّنها من تثبيت سيطرتها على المناطق التي أسقطتها أخيرا، وإن تمدّد جماعة الحوثي إلى مدينة شبوة، حتى لو مثل هذا عودة إلى السنوات الأولى من الحرب، فإن المعطيات السياسية والعسكرية تغيرت، ففي حين اعتمدت الجماعة، في تلك السنوات، على تحالفها مع الرئيس السابق، علي عبدالله صالح، في السيطرة على بيحان وعسيلان، فإنها لم تعد تملك حليفا في تلك المناطق، ومن ثم ليست طرفا مقبولا، ما يعني أن بقاءها هناك يمكن أن يكبّدها خسائر فادحة.

لم تكن الهزائم العسكرية المتلاحقة في صفوف معسكر الشرعية سوى محصلة لأداء المؤسسة العسكرية التابعة للرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وسواء كان ما حدث في جبهات شبوة نتيجة انسحابات وتسليم مواقع لجماعة الحوثي أو هزيمة محقّقة جرّاء عوامل لوجستية وعسكرية، فإن مصادرة حليفها السعودي القرار العسكري في إدارة العمليات القتالية على الأرض، مقابل خضوع جبهات الجرب للقوى السياسية المسيطرة على المؤسسة العسكرية، أدى إلى تشتّتها وأيضا هزائمها أمام مقاتلي جماعة الحوثي، كما أدّى الفساد المستشري في أوساط المؤسسة العسكرية إلى حسم وجهة هذه المعارك لصالح جماعة الحوثي، وهو ما يتكشّف في كشوف الجنود الوهميين التي تتسلم القيادات العسكرية مرتّباتهم، مقابل حرمانها الجنود المقاتلين من مستحقاتهم المالية، واعتمادها على المقاتلين القبليين الذين يدافعون عن مناطقهم من زحف مقاتلي الجماعة، فمن سقوط جبهة نهم، شرق مدينة صنعاء، إلى سقوط آخر معقل للسلطة الشرعية في مدينة البيضاء، إلى فقدانها مساحة شاسعة من مديريات مدينة شبوة النفطية، واختراق مقاتلي جماعة الحوثي جبهات مأرب الجنوبية، يتوالى مسلسل السقوط العسكري والسياسي للسلطة الشرعية التي باتت تفقد أجزاء واسعة من معاقلها الحيوية، بيد أن خساراتها مناطق شاسعة في مدينة شبوة، لا تعني فقط تهديد الاستقرار السياسي الهشّ في المدينة، وإنما مخاطر اقتصادية قد تؤدّي إلى توقف تصدير النفط في شبوة، في حال توسّع نطاق المعارك في تلك المناطق.

 الأسوأ من حربٍ بلا أفق ولا نهاية ما تخلفه تلك المعارك من فظاعات إنسانية

في المقابل، يدفع تنامي الصراع بين خصوم السلطة الشرعية في تمدّد جماعة الحوثي وسيطرتها على مناطق جديدة، إذ يتوزع خصوم الجماعة من حلفاء الشرعية ومنافسيها على جبهاتٍ عسكريةٍ وسياسة عديدة، بحيث لا يشكلون، في الوقت الحالي، أي تأثيرٍ على مسارات الصراع على الأرض، فإضافة إلى طغيان صراعاتهم البينية على أي مشتركٍ يمكّنهم من إدارة المعارك ضد مقاتلي جماعة الحوثي، فإن هذه القوى المتربّصة ببعضها، حوّلت المناطق التي تسيطر عليها إلى كانتونات مغلقة، مقابل إفراغها جبهات القتال من أهدافها العسكرية، ففي حين جمّد حزب التجمّع اليمني للإصلاح جبهات مدينة تعز التي أصبحت جبهاتٍ سياسيةً يوظفها لانتزاع مكاسب سياسية ضد منافسيه وخصومه، فإن مناوشات قوات العميد طارق عبدالله صالح في جبهات الساحل الغربي لا تشكل، في أي حال، عامل ضغط على الجماعة في جبهات مأرب وشبوة، الأمر الذي فرض خياراتها في إدارة المعارك نحو أهدافها بالسيطرة على مدن الموارد، وتعطيل معظم جبهات القتال الأخرى، فيما التزمت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي الحياد في معارك جبهات شبوة، نكايةً بعدوها ومنافسها، حزب الإصلاح الذي يهيمن على السلطة المحلية في المدينة.

في محارق الاستنزاف البيني التي يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من المقاتلين اليمنيين، تتخذ الحرب وجهة حاسمة، مع تمركزها في جبهات مدن الموارد في مأرب وشبوة، بيد أن الأسوأ من حربٍ بلا أفق ولا نهاية هو ما تخلفه تلك المعارك من فظاعات إنسانية، فمن مدينة شبوة، إلى مأرب مدينة النازحين، إلى مدينة البيضاء، يواصل آلاف اليمنيين يومياً رحلة النزوح القسري من منطقة إلى أخرى، هرباً من نيران المدافع والصواريخ والألغام وغارات الطيران، والنجاة بأرواحهم، في عراءٍ يتسع كل يوم، وكلفة متجدّدة وباهظة يدفعها مواطنون لا يراهم المتصارعون ورعاتهم.